الجهل بمؤسسة النقد يهيمن على لقاء محافظها بتجار جدة
عندما تتكرر الإجابة بـ "هذا ليس من اختصاص ساما"
جدة: وائل مهدي
كشف لقاء محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر برجال الأعمال والاقتصاد في غرفة جدة عن قصور واضح في معرفة الدور الذي تلعبه "ساما".
وكان من اللافت غياب وعي التجار وأصحاب الأعمال بدور المؤسسة التي اتخذت من جدة أول مقر لها.
وخلال اللقاء تكررت عبارة "هذا ليس من اختصاص المؤسسة" على لسان الجاسر وهو يرد على أسئلة واستفسارات رجال وسيدات الأعمال.
ومثلما سألت غادة غزاوي بـ "البلدي" عن مصير أموالها التي وضعتها في سوق الأسهم، رد الجاسر بوضوح أشد قائلا إن الإجابة على هذا السؤال من اختصاص هيئة السوق المالية.
لكن الابتسامة التي ارتسمت على وجه الجاسر وهو يرد على سؤال يدور حول مصير أموال الأسهم اختفت تماما وهو يرد على نائب رئيس الغرفة مازن بترجي وهو يلقي باللوم على "ساما" عند التأخير في فتح الحسابات للجمعيات الخيرية قائلا وبلهجة حادة إن المؤسسة لا تعطل أي معاملات مكتملة.
وركز الجاسر مجدداًً على الحساسية الأمنية في رده على مداخلة عضو غرفة مكة للتجارة سعد جميل القرشي الذي طالب مؤسسة النقد بالسماح للبنوك المصرفية بفتح حسابات مؤقتة للحجاج والمعتمرين القادمين من خارج المملكة.
--------------------------------------------------------------------------------
لم يكن لقاء محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" برجال الأعمال والاقتصاد في غرفة جدة أول من أمس، لقاءً يروي ظمأ الآذان الاقتصادية التي حضرت لمشاهدة كيف سيخاطب المحافظ الذي يقود الاقتصاد المالي للمملكة رجال أعمال الغرفة الذين يقودون التجارة في ثاني أكبر مدينة تجارية في المملكة.
وبدا واضحاً من خلال أسئلة الحضور الذين يشكلون واجهة المجتمع التجاري في جدة أن هناك قصوراً في معرفة الدور الذي تلعبه مؤسسة النقد في الاقتصاد السعودي، وكأن المؤسسة التي اتخذت من مدينة جدة أول مقر لها، غابت تماماً عن وعي التجار وأصحاب الأعمال الذين شاركوها التاريخ عندما كانت تحتضنها مدينتهم.
وأكثر الجاسر كثيراً من قوله "هذا ليس من اختصاص المؤسسة" في جلسة كان من المفترض أن تستثمر كل دقيقة فيها في الاستفسار عما ستفعله المؤسسة من أجل دعم اقتصاد وتجارة مدينة جدة، لا أن تذهب في توضيح الاختصاصات أو في الرد على بعض طالبات الجامعات اللواتي سألن أسئلة كان من الحري أن توجه لأساتذتهن لا للمشرعين والمسؤولين.
وجسدت مداخلة سيدة الأعمال غادة غزاوي الروح الحجازية لسيدات الأعمال التي يعملن عن قرب مع غرفة جدة. وأضحكت الغزاوي في مداخلتها الجاسر كثيراً عندما قالت له: "أنا لست اقتصادية ولكني سأتحدث إليك بالبلدي."
وبالبلدي طلبت الغزاوي من الجاسر باختصار معرفة أين ذهبت أموالها التي وضعتها في سوق الأسهم السعودية. وابتدأ الجاسر رده والابتسامة تملأ محياه كما حدث في غالبية المداخلات بقوله: "الإجابة على هذا السؤال من اختصاص هيئة السوق المالية."
ولكن الجاسر الذي تلقى غالبية المداخلات بابتسامة عريضة بدا منزعجاً وهو يرد على مداخلة نائب رئيس الغرفة التجارية مازن محمد بترجي التي ألقى فيها باللوم على المؤسسة عند التأخير في فتح الحسابات للجمعيات الخيرية.
ولم يكن الوعي الاقتصادي بدور المؤسسة هو الوحيد الغائب بل كان الوعي الأمني غائباً كذلك، حيث احتوت العديد من مطالبات الحضور بتسهيل إجراءات قد تضر أمنياً بالمملكة أو بالنظام المالي لها.
ورد الجاسر بلهجة تحذيرية حادة على بترجي الذي قال إن المؤسسة هي سبب تأخر فتح الحسابات لمدة قد تصل إلى تسعة أشهر، مطالباً فيها بترجي بتحري الدقة عن الحديث عن دور المؤسسة ، فالمؤسسة لا تعطل أي معاملات مكتملة وإن كانت هناك معاملات غير مستوفية للشروط فإن المؤسسة لا تنظر فيها ابتداء بحسب ما ذكره الجاسر.
وأوضح الجاسر أن المؤسسة وإن كانت شديدة عند فتح حسابات الجمعية الخيرية بسبب حساسيتها الأمنية، إلا أنها لا تتأخر في فتح الحساب طالما استوفى الشروط الأمنية وتمت الموافقة عليه من وزارة الداخلية وكل الجهات المعنية بالأمر.
وركز الجاسر مجدداًً على الحساسية الأمنية في رده على مداخلة عضو غرفة مكة للتجارة سعد جميل القرشي الذي طالب مؤسسة النقد بالسماح للبنوك المصرفية بفتح حسابات مؤقتة للحجاج والمعتمرين القادمين من خارج المملكة.
وجاء رد الجاسر منطقياً ومبسطاً على مطالب القرشي عندما قال إن المملكة يأتيها الملايين من الحجاج والمعتمرين ولهذا فتح حسابات لهم وتركها معطلة هي ثغرة أمنية في النظام قد يستغلها العديدون.
ولكن بعيداً عن كل هذا، لماذا جاء الجاسر إلى جدة إذ إنه ليس من المعقول أن يأتي شخص بحجم الجاسر لمقابلة كل هذا العدد من رجال الأعمال بدون أن يكون لديه أجندة واضحة؟
من الصعب تحديد الأجندة التي جاء من أجلها الجاسر ولكنها يبدو أنها كانت خليطاً بين الإعلان عن السياسات المحافظة للمؤسسة والتي لا تحبذ كثيراً فكرة الإقراض غير المسؤول من قبل البنوك للمشاريع وبين الاحتفاء بهذه السياسات التي قادت المملكة إلى بر الأمان في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
وكانت البنوك في العام الماضي تقدم القروض بدون تردد للمشروعات وهو ما خلق ضغوطاً تضخمية خصوصاً في سوق مواد البناء، ولكنها عادت إلى الإقراض بصورة ضعيفة في الربع الأخير والربع الأول من هذا العام.
وهذا هو الأمر الذي أراح الجاسر كثيراً الذي قال إن المؤسسة كانت قد اتخذت سياسات معاكسة للدورة الاقتصادية التوسعية التي شهدتها المملكة في العام الماضي من أجل التقليل من مخاطر الإقراض والانكشاف.
وهذا هو الأمر الذي أشار إليه الجاسر بصورة ضمنية عندما طلب منه بعض الرجال تقديم محفزات للبنوك السعودية للزيادة من الإقراض عندما قال لهم إنه ينبغي أن نعترف "أن البنوك جائعة للربح"، وهي لن تربح إذا ما أبقت أموالها عندها، لذلك لا يجب أن يأتي التحفيز من جانب مؤسسة النقد بل من جانب القطاع الخاص الذي يجب أن يوفر مشروعات تستحق الإقراض.
واتضحت معالم الأجندة التي جاء من أجلها الجاسر في ختام كلمته التي ألقاها على مجتمع الأعمال في جدة، حين قال لهم: "إن وجود مثل تلك البيئة المالية المستقرة هام جداً لرجال وسيدات الأعمال عند اتخاذ قراراتهم الاستثمارية. بل وأضيف أن ذلك يجعل المخاطر التي يواجهونها أقل بكثير من تلك السائدة في بيئات مالية تميل أكثر إلى التذبذب وعدم الاستقرار. وكما هو معروف فإننا في مؤسسة النقد العربي السعودي ننتمي إلى مدرسة الحصافة والاستقرار." .. وهل تعني الحصافة والاستقرار أكثر من التعقل في الأقراض وعدم فتح أبواب البنوك على مصراعيها أمام الاقتراض كما حدث في العام الماضيـ وهل تعني الحصافة والاستقرار أكثر من عدم التوسع في الاقراض عندما تتجه الدورة الاقتصادية باتجاه الأعلى والتقليل من المخاطر التي هي القاعدة الأولى في العمل التجاري؟
وهل كان كل هذا غائباً عن مجتمع الأعمال في جدة حتى يأتي الجاسر لتذكيرهم به؟ أم إن المؤسسة هي التي كانت غائبة عن مجتمع الأعمال في جدة؟