عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2009   رقم المشاركة : ( 8 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الملف الصحفي للتربية الجمعة 12/6

الوطن :الجمعة 12 جمادي الأخر 1430هـ العدد 3171
المدرسة: ومحنتي مع الشمس... !
عبد الرحمن الوابلي
كما ذكرت في سرد ذكرياتي الدراسية، في سنواتها الأولى، المضحك منها والمفزع، كان المدرسون رغم أنهم يلقنونا الدروس تلقيناً بدون عناء الشرح والتفهيم في كل المواد. إلا أن بعضهم واجتهاداً منهم، وخاصة مدرسي الدين، كانوا يستعرضون أمام عقولنا الصغيرة غير المدركة، قدراتهم الوعظية. فكانوا يشرحون لنا وبالتفاصيل المفزعة والمرعبة، أهوال جهنم وعلامات الساعة وعذاب القبر؛ حيث يقف أمامها، مرعوباً لو سمعها أشهر مخرجي أفلام الرعب، الفرد هيتشكوك.
وكنا بالنسبة لهم كفئران تجارب صغيرة، ينظرون إلى عيوننا الشاخصة ببراءة الطفولة، وكيف ينعكس الخوف عليها، من هول ما يرددون. وكلما يبدأ شرر الرعب يتطاير منها، يزداد حماسهم، وتعمل كل أعضاء أجسادهم وجوارحها في شرح الأهوال وتمثيلها.
ومن الأهوال التي خطفت عقولنا الصغيرة ولعبت في قلوبنا الغضة، أهوال علامات الساعة، ومنها هول خروج الشمس من مغربها. والتي كانت تتركنا ولأشهر نتقلب مرعوبين في فرشنا قبل النوم، ندعو الله متضرعين وله متوسلين، بأن لا تخرج علينا الشمس في الغد من مغربها. وكنت خاصة في أيام العطل، عندما أصحو الصباح باكراً من نومي، أقفز من منامي فزعاً، كالذي لدغه ثعبان كبير، مسرعاً مرتبكاً ومرعوباً كالمسطول، كي أتأكد بأن الشمس قد خرجت من مخرجها الطبيعي وهو مشرقها وليس مغربها.
وتكون أزمتي الكونية، مع أهوال شروق الشمس وغروبها، على أشدها، عندما أصحو قبل خروج الشمس بساعة أو أكثر. حيث تكون حركة الزمن، بالنسبة لي، بطيئة جداً، حتى كنت أظن أنها تتوقف في بعض اللحظات لتتحول لدهور، وأنا أتقلب في رعبي ذات الشروق وذات الغروب. وكانت دقات قلبي الصغير تبدأ بالتسارع كلما قربت لحظات خروج الشمس، حتى أكاد أحس، برجف قلبي وكأنه يريد خلع أضلع قفصي الصدري النحيل من مواضعها، لينطلق صاعداً كالصاروخ الذري للفضاء ليتأكد من موضع خروج الشمس بنفسه ويأتي ليطمئنني ويرتاح، حيث ترهقه ثواني الانتظار كما ترهقني وأكثر.
وعندما تخرج الشمس من مشرقها، معلنة إسدال الستارة عن مسرحية صراعي الوجودي القلق مع الكون وحركة أفلاكه في ذلك اليوم، ألتقط أنفاسي وأتجرع ريقي وتنفرج أساريري، وأحمد الله على نعمته بإضافة مكسب يوم إضافي لحياتنا؛ فأنطلق فرحاً أقفز كل ما يعترض طريقي في المنزل للخروج وألعب مع الأصدقاء الصغار في الشارع، والذين ويا للمصادفة العجيبة، يخرجون من منازلهم، كذلك، مسرورون وبنفس اللحظة التي خرجت فيها الشمس من مشرقها وخرجت أنا مباشرة من منزل أهلي...!!!
وكنت في بعض الصباحات، خاصة عندما تمر غيمة من هنا أو هناك، وتحجب عن ناظر عيني المفتوحتين على أقصى درجات فتحتيهما الصغيرتين، موضع شروق الشمس وموضع غروبها؛ لا أطيق صبراً لانتظارها حتى تنقشع أو تتحرك من مكانها، حيث حركتها تكون بطيئة جداً، لحد التعذيب والقتل البطيء؛ فأشمر عن ساعدي النحيلين وساقي الانحلين، وأتسلق النخلة الشاخصة وسط حوش بيتنا الطيني آنذاك، علني أختصر لحظات معاناتي والألم.
وأصبحت قمة نخلة بيتنا بالنسبة لي، كقمة مرصد العالم الفلكي الشهير جاليليو، فكلانا يراقب من خلال مرصده الخاص به السماء وحركة النجوم والفلك. ولكن الفرق بيني وبينه بأنه كان يراقب الكون عن علم وحب اطلاع واكتشاف. أما أنا فكنت أراقب السماء وحركة الشمس عن جهل وخوف ورعب. ولذلك أصبح هو من أشهر علماء الفلك في تاريخ البشرية، أما أنا فكدت أسقط عدة مرات رعباً من أعلا نخلتنا على الأرض؛ كجلمود قهر حطه الذل من عل.
وكنت أحسد أخوي الأكبر مني، حيث كانا ينامان في السطح، ولا يصحوان من نومهما، حتى عندما تجلد الشمس جسديهما جلداً مبرحاً، بسياط أشعتها المحرقة. فقد كانا لا يقيمان للشمس وزناً، لا معنوياً ولا مادياً، ولا تشكل بالنسبة لهما معضلة كونية تذكر. وعندما كبرت وأصبحت صبياً لا طفلاً، بدأت لا أصحو مثلهما إلا بعد طلوع الشمس. وهذه نعمة من الله، قد خففت عندي معاناتي مع شروق الشمس وغروبها، ولكنها لم تنهها كلياً، كما كنت أصبو له وأتمناه.
حيث كانت الشمس تطاردني برعبها، حتى في غيابها ليلاً، أثناء نومي وذلك بكوابيس مزعجة. إذ أحلم بأن الشمس تخرج من مغربها، وأرى الناس تتراكض من حولي سكارى وما هم بسكارى، وقد شخصت أبصارهم للسماء خوفاً ورعباً وتضرعاً... إلخ من مشاهد الرعب الرهيبة. فأصحو من نومي مفزوعاً، وقد نشف حلقي، فأبحث عن أي قطرة ماء حولي، أبلله بها وأستعيد أنفاسي وأحمد الله بأن ما شاهدته كان حلماً وليس علماً، ثم أستعيد توازني وأرجع لإكمال نومي مرة ثانية بعد قراءة آية الكرسي، داعياً من الله عز وجل بأن لا يتكرر هذا الكابوس لي مرة ثانية على الأقل بنفس الليلة.
وبعد ما كبرت وتزوجت، برغم معاناتي مع محنة شروق الشمس وغروبها، وأصبح لدي ذرية مثل باقي خلق الله، كنت في بيتي في الولايات المتحدة الأمريكية، ذات غداء، وكانت ابنتي فداء والتي كانت آنذاك في الصف الثاني الابتدائي، قد تجللت ثوب صلاتها وتصلي الظهر على سجادتها الصغيرة؛ وأنا أراقبها كأجمل منظر أشرقت عليه الشمس أمامي. فلما أنهت فداء صلاتها ورفعت يديها الصغيرتين تدعو الله ثم مسحت بهما على وجهها؛ نهضت مستعجلة ودخلت على والدتها في المطبخ. وقالت لها إنها جائعة وتريد أن تتناول غداءها الآن، فطبع فداء أنها دوماً مستعجلة وتريد اختصار الزمن بأي وسيلة كانت.
ولمعرفة والدتها بطبعها، وضعت لها طعاما في طبق وسلمته لها. فنظرت فداء للطعام واحتجت، كونه قليلا. فقالت لها أمها: إذا أكلته فتعالي لأزيدك. رفضت فداء الفكرة، كونها لا تحب أي عمل مكون من عدة خطوات. فوضعت لها أمها مزيدا من الطعام، وسلمته لها وقالت لها بشيء من التذمر: إذا لم تأكلي كل ما في الطبق؛ سيضعك الله في جهنم.
أخذت فداء الطبق من أمها، وقبل خروجها من المطبخ وقفت وسألتها: وماذا في جهنم هذه؟ فأجابتها أمها، بأن فيها نارا حارقة. فقالت فداء وبدون تردد وبمنتهى البرودة والبراءة: عندها سأتصل بـ(911)، وخرجت لتناول غداءها آمنة مطمئنة. وأنا مذهول مما أسمع، حيث قلت في نفسي: اللللللله هذي ما جابت خبر جهنم كلها بكبرها، أجل كيف لو سمعت عن علامات الساعة..!! فلن تعتبرها أكثر من مجرد فيلم كرتوني ممل..!! وأردفت: الللللله أكبر، يعني فيه ناس ممكن تؤمن بالله وتخلص العبادة له من غير الخوف والرعب منه..!!
وتأكدت بأن صلاة فداء المطمئنة قبل قليل، كانت نابعة من إيمانها الحقيقي بالله وقناعتها بدينها الإسلامي، لا نابعة من الخوف والرعب من الله. حيث الإيمان النابع من الخوف، يزول بزواله؛ فالخوف غريزة قابلة للتلاشي. أما الإيمان النابع من القناعة فيزداد بزيادته، فالقناعة سمة عقلية تزيد بزيادته ونموه. فهل تقتنع وزارة التربية والتعليم، بعدم استخدام التخويف والرعب كوسيلة من وسائل تقريب الدين لعقول صغارنا، أرجو ذلك من كل قلبي وعقلي.
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس