رد: اروع قصيدة قرأتها في الشجاعة ( الأسد قاتل الأسد )
المقامة البشرية
حدثنا عيسى بن هشام قال: كان بشر بن عوانة العبدي صعلوكا. فأغار على ركب فيهم امرأة جميلة، فتزوج بها، وقال: ما رأيت كاليوم، فقالت:
أعجب بشرا حور في عيني ... وساعد أبيض كاللجين
ودونه مسرح طرف العين ... خمصانة ترفل في حجلين
أحسن من يمشي على رجلين ... لو ضم بشر بينها وبيني
أدام هجري وأطال بيني ... ولو يقيس زينها بزيني
لأسفر الصبح لذي عينين قال بشر: ويحك من عنيت؟ فقالت: بنت عمك فاطمة، فقال: أهي من الحسن بحيث وصفت؟ قالت: وأزيد وأكثر، فأنشأ يقول:
ويحك يا ذات الثنايا البيض ... ما خلتني منك بمستعيض
فالآن إذ لوحت بالتعريض ... خلوت جوا فاصفري وبيضي
لا ضم جفناي على تغميض ... ما لم أشل عرضي من الحضيض
فقالت:
كم خاطب في أمرها ألحا ... وهي إليك ابنة عم لحا
ثم أرسل إلى عمه يخطب ابنته، ومنعه العم أمنيته، فآلى ألا يرعى على أحد منهم إن لم يزوجه ابنته، ثم كثرت مضراته فيهم، واتصلت معراته إليهم؛ فاجتمع رجال الحي إلى عمه، وقالوا:كف عنا مجنونك، فقال: لا تلبسونشي عارا، وأمهلوني حتى أهلكه ببعض الحيل، فقالوا: أنت وذاك، ثم قال له عمه: إني آليت أن لا أزوج ابنتي هذه إلا ممن يسوق إليها ألف ناقة مهرا، ولا أرضاها إلا من نوق خزاعة، وغرض العم كان أن يسلك بشر الطريق بينه وبين خزاعة فيفترسه الأسد؛ لأن العرب قد كانت تحامت عن ذلك الطريق، وكان فيه أسد يسمى داذا، وحية تدعى شجاعا، يقول فيهما قائلهم:
أفتك من داذ ومن شجاع ... إن يك داذ سيد السباع
فإنها سيدة الأفاعي ثم إن بشرا سلك ذلك الطريق، فما نصفه حتى لقي الأسد، وقمص مهره، فنزل وعقره، ثم اخترط سيفه إلى الأسد، واعترضه، وقطه، ثم كتب بدم الأسد على قميصه إلى ابنة عمه:
أفاطم لو شهدت ببطن خبت ... وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا
إذا لرأيت ليثا زار ليثا ... هزبرا أغلبا لاقى هزبرا
تبهنس إذ تقاعس عنه مهري ... محاذرة، فقلت: عقرت مهرا
أنل قدمي ظهر الأرض؛ إني ... رأيت الأرض أثبت منك ظهرا
وقلت له وقد أبدى نصالا ... محددة ووجها مكفهرا
يكفكف غيلة إحدى يديه ... ويبسط للوثوب على أخرى
يدل بمخلب وبحد ناب ... وباللحظات تحسبهن جمرا
وفي يمناي ماضي الحد أبقى ... بمضربه قراع الموت أثرا
ألم يبلغك ما فعلت ظباه ... بكاظمة غداة لقيت عمرا
وقلبي مثل قلبك ليس يخشى ... مصاولة فكيف يخاف ذعرا ؟!
وأنت تروم للأشبال قوتا ... وأطلب لابنة الأعمام مهرا
ففيم تسوم مثلي أن يولي ... ويجعل في يديك النفس قسرا؟
نصحتك فالتمس يا ليث غيري ... طعاما؛ إن لحمي كان مرا
فلما ظن أن الغش نصحى ... وخالفني كأني قلت هجرا
مشى ومشيت من أسدين راما ... مراما كان إذ طلباه وعرا
هززت له الحسام فخلت أني ... سللت به لدى الظلماء فجرا
وجدت له بجائشة أرته ... بأن كذبته ما منته غدرا
وأطلقت المهند من يميني ... فقد له من الأضلاع عشرا
فخر مجدلا بدم كأني ... هدمت به بناء مشمخرا
وقلت له: يعز علي أني ... قتلت مناسبي جلدا وفخرا؟
ولكن رمت شيئا لم يرمه ... سواك، فلم أطق ياليث صبرا
تحاول أن تعلمني فرارا! ... لعمر أبيك قد حاولت نكرا!
فلا تجزع؛ فقد لاقيت حرا ... يحاذر أن يعاب؛ فمت حرا
فإن تك قد قتلت فليس عارا ... فقد لاقيت ذا طرفين حرا
فلما بلغت الأبيات عمه ندم على ما منعه تزويجها، وخشي أن تغتاله الحية، فقام في أثره، وبلغه وقد ملكته سورة الحية، فلما رأى عمه أخذته حمية الجاهلية، فجعل يده في فم الحية وحكم سيفه فيها، فقال:
بشر إلى المجد بعيد همه ... لما رآه بالعراء عمه
قد ثكلته نفسه وأمه ... جاشت به جائشة تهمه
قام إلى ابن للفلا يؤمه ... فغاب فيه يده وكمه
ونفسه نفسي وسمي سمه
فلما قتل الحية قال عمه: إني عرضتك طمعا في أمر قد ثنى الله عناني عنه، فارجع لأزوجك ابنتي، فلما رجع جعل بشر يملأ فمه فخرا، حتى طلع أمرد كشق القمر على فرسه مدججا في سلاحه، فقال بشر: يا عم إني أسمع حس صيد، وخرج فإذا بغلام على قيد، فقال: ثكلتك أمك يا بشر! أن قتلت دودة وبهيمة تملأ ماضغيك فخرا؟ أنت في أمان إن سلمت عمك فقال بشر من أنت لا أم لك قال اليوم الأسود والموت الأحمر، فقال بشر: ثكلتك من سلحتك، فقال: يا بشر ومن سلحتك، وكر كل واحد منهما على صاحبه، فلم يتمكن بشر منه، وأمكن الغلام عشرون طعنة في كلية بشر، كلما مسه شبا السنان حماه عن بدنه إبقاء عليه، ثم قال: يا بشر كيف ترى؟ أليس لو أردت لأطعمتك أنياب الرمح؟ ثم ألقى رمحه واستل سيفه فضرب بشرا عشرين ضربة بعرض السيف، ولم يتمكن بشر من واحدة، ثم قال: يا بشر سلم عمك واذهب في أمان، قال: نعم، ولكن بشريطة أن تقول من أنت، فقال: أنا ابنك، فقال: يا سبحان الله ما قارنت عقيلة قط فأنى لي هذه المنحة؟؟ فقال: أنا ابن المرأة التي دلتك على ابنة عمك، فقال بشر:
تلك العصا من هذه العصية ... هل تلد الحية إلا الحية!
وحلف لا ركب حصانا، ولا تزوج حصانا. ثم زوج ابنة عمه لابنه.
والله سبحانه وتعالى أعلى واعلم، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل وإمام المتقين، وعلى أله وصحبه وسلم.
|