رد: الملف الصحفي للتربية الثلاثاء23/6
الوطن :الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1430هـ العدد 3182
أنفلونزا الاختبارات النهائية
فاضل العماني
أيام قليلة فقط وتجتاح الوطن, كل الوطن أنفلونزا الاختبارات النهائية، إذ لا هم يعلو فوق هم الامتحان، وفي الامتحان - كما تعلمنا وتربينا – "يُكرم المرء أو يُهان"، تتعطل كل الأشياء، وتتأجل كل المواعيد، وتزدهر المكتبات والقرطاسيات وكل ما له علاقة بالكتب والمناهج والدروس والملازم والتلخيصات وأسئلة الاختبارات... كما تُفتح الدكاكين الخلفية بعد شهور من الانزواء والتواري، وتظهر كل عناوين المشهد النهائي للاختبارات، إذ يزداد الطلب وبشكل استثنائي على كل تلك التفاصيل، سواء بحجمها الطبيعي أو على شكل "براشيم" غاية في الدقة والصغر، يصعب أحياناً حتى على حاملها فك ما بها من رموز وطلاسم، تزدحم تلك الدكاكين بطالبي النجاحات السهلة في الدقائق الأخيرة، مما يدفع أصحاب تلك الدكاكين للاستغلال البشع إلى الحد الأقصى, فتُباع تلك المستلزمات المنقذة بأسعار خيالية وباهظة، ولكن ذلك غير مهم ولا يُشكل عائقاً أمام "المستيقظين" أخيراً بعد طول سُبات يتهافتون كالفراشات العاشقة لرقصة الموت حول لهب النار لشراء النجاح أو هكذا يظنون!شارع آخر ينتظر بفارغ الصبر قدوم الاختبارات ويعد العدة لذلك، الدروس الخصوصية المكثفة لمواجهة البلاء النازل فجأة بعد غفلة طويلة عاشها الطلاب والأسر عن هذا اليوم الموعود، الإعلانات عن الدروس الخصوصية تملأ الشوارع، ومراكز التسوق والقرطاسيات، والمساجد وبعض المدارس لاسيما الخاصة منها،وقد استحدثت أخيراً طريقة تقنية للإعلان عن الدروس الخصوصية وذلك بواسطة الـ SMS، أما أسعار تلك الدروس الخصوصية فهي جنونية تماماً كما هي الحال في معظم تفاصيل حياتنا، فقد تصل الساعة الدراسية أحياناً لأكثر من 300 ريال.وهناك أيضاً ما هو أبعد وأخطر، إذ في مثل هذه الأيام من كل عام تنتشر بشكل صارخ وفاضح تلك الحبوب، أو لنقل تلك السموم التي تُروج بمسميات خادعة ومضللة لتصل إلى فتياننا وفتياتنا لتساعدهم - هكذا يُشيع المروجون - على التركيز والاستيقاظ والحفظ، والأمر في غاية البساطة، فتلك الحبوب القذرة تصل لفلذات أكبادنا في أي وقت وفي أي مكان، في الشارع أو في المنزل أو حتى في المدرسة، وبنظام الـ Free Delivery، والسؤال المهم هو: كيف تدخل تلك السموم إلى بلادنا الطاهرة؟ وكيف يُسمح لها بالرواج والانتشار هكذا بكل سهولة؟ وماذا فعلنا جميعاً لمحاربة تلك الآفة التي تفتك بحملة راية مستقبل هذا الوطن العزيز؟ أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابات! ما سبق جزء بسيط من مقال طويل كتبته في مثل هذا الوقت تقريباً من العام الماضي, ويبدو أنني ـ وللأسف الشديد ـ سأكرره للمرة الثالثة على التوالي في مثل هذا الوقت من العام المقبل, ومن يدري فقد يستمر الحال لأعوام طويلة قادمة تماماً كما يحدث في كل تفاصيل الجسد السعودي الذي يُعاني الترهل والهزال والأمراض المزمنة, وكذلك انسجاماً مع ثقافتنا "العالمثالثية" التي تعشق الأجزاء المتعددة, بدءاً بملحمة ليالي الحلمية, ومروراً بسلسلة طاش ما طاش, وأخيراً وليس آخراً أبواب الحارة وليس باباً واحداً, هذا على الصعيد الفني طبعاً, أما على الصعيد السياسي والأخلاقي والديني والاجتماعي فالأمر أكثر فداحة وخطورة, وذو شجون وقد يصل بنا جميعاً كتاباً وقراءً إلى الجنون.تحل علينا أنفلونزا الاختبارات هذا العام,ولكنها هذه المرة أشد ضراوة وألماً, وذلك في ظل تمدد وانتشار عدة أنفلونزات أخرى, أهمها أنفلونزا الخنازير التي تُعتبر الأشد فتكاً والأكثر حصداً للأرواح. هذا الوباء اللعين الذي بدأت أصداؤه ترن في مسامع الوطن, حيث تُطالعنا الصحف وتعرض لنا وسائل الإعلام المختلفة أخبار هذا الوباء المُخيف الذي أعاد للذاكرة الإنسانية مرة أخرى أوبئة قاتلة كالطاعون والكوليرا والسل والإيدز. الحالات القليلة المصابة بهذه الأنفلونزا والتي رُصدت في بعض المدن السعودية قد تزيد من حالة الخوف والهلع لدى المواطنين والمقيمين, ولكنها في المقابل أيضاً لابد من أن تدفع بوتيرة الاستعداد والرصد والحذر والوقاية لدى الجهات المعنية كوزارة الصحة, ووزارة الداخلية, والموانئ والمطارات, وكل ما له علاقة بهذا الزائر الثقيل القادم من خارج أسوار الوطن.أيضاً تأتي أنفلونزا الاختبارات مترافقة مع أصداء الانتخابات اللبنانية التي ربحها فريق 14 آذار بأغلبية برلمانية قوامها 71 مقعداً برلمانياً, في حين حصل فريق المعارضة على 57 مقعداً برلمانياً فقط, وبالمناسبة فإن هذه الانتخابات رغم أنها قد جرت هناك في بيروت وعكار وبنت جبيل وبعلبك والهرمل وزحلة إلا أن صداها قد وصل وبشكل قوي جداً إلى جدة والرياض وبريدة والجوف والأحساء والقطيف وتاروت, لقد انقسم الشارع السعودي إلى "فسطاطين", الأول ـ ويبدو أنه الأكبر ـ قد فرح وابتهج ويراها عادلة لأن سياسة فريق 14 آذار تتناغم نوعاً ما مع السياسة الأيدلوجية والمنهجية لغالبية الأنظمة العربية,بينما يرى أصحاب الفسطاط الآخر وهم الأقل طبعاً أنها ـ أي تلك الانتخابات ـ غير منصفة,حيث أفرزت أصواتاً هادئة ومهادنة تنهج الاعتدال في عصر المواجهة. حتى الانتخابات الإيرانية التي يظن بعضنا أنها لا تعنينا في شيء هاهي تُصنفنا نحن أيضاً إلى محافظين وإصلاحيين, بعضنا يرى في حكمة كروبي وموسوي خلاصاً للمنطقة من الأزمات الإيرانية التي لا تنتهي, في حين يصر بعضنا الآخر على أن عنفوان أحمدي نجاد ورضائي هو المطلوب لهذه المرحلة, على كل حال الانتخابات الإيرانية أبقت على محمود أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية لأربع سنوات أخرى, وعلى العالم أن يتكيف مجدداً مع هذه الشخصية الاستثنائية. وفي مساء الغد وعلى إستاد الملك فهد بالرياض تحد آخر لأنفلونزا الاختبارات, حيث سيحتشد أكثر من 70 ألفاً أغلبهم من الطلبة الذين ينتظرهم يوم السبت القادم استحقاق مهم جداً وهو الاختبارات النهائية,ولكنهم يرون أن حضورهم الكثيف لمساندة الأخضر لتجاوز العقبة الكورية الشمالية والتأهل لكأس العالم للمرة الخامسة على التوالي في جنوب أفريقيا هو الأهم!كان الله في عون هؤلاء الطلاب المساكين, فكم من أنفلونزا يواجهون في مثل هذه الأيام العصيبة, فورقة الاختبار التي سيرمقها بقلق وارتباك الملايين من طلابنا وطالباتنا في الصباح الباكر من يوم السبت القادم ستدشن مرحلة جديدة في مسيرة هذا الوطن,ستنشغل تلك الأنامل الصغيرة والطرية بحل السؤال الأول متناسية ـ أو هكذا أريد لها ـ بأن المئات بل الآلاف بل عشرات الآلاف من الحاصلين على الشهادة الجامعية ممن أمسكوا بنفس تلك الورقة وأجابوا عن السؤال الأول والأخير قبل عدة سنوات ينامون في مثل هذا الوقت وفي كل وقت يحلمون بوظيفة بسيطة هنا أو هناك في وطن يرفل بالخير والثراء!
|