رد: الملف الصحفي للتربية الثلاثاء23/6
الحياة :الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1430هـ العدد 16874
كرهت التدريس!
علي القاسمي
لأن مساحة التجريب والتجربة لا تزال متاحة في أروقة التعليم، ولكون الأفكار تولد وتتوالد سعياً لأن تتجه بالهدف والمستهدف لطريق الموجب، كان الطرح القادم الذي أخشى أن يغضب الكثير ممن يتقاطع عملهم وأداؤهم مع الأساس من الطرح، سأتجه إلى الطرح مباشرة حتى أوصله لبر الأمان قبل السطر الأخير، خريجو كليات المعلمين الذين تستقر بهم وظائف التعيين أمام طلاب المرحلة الابتدائية وجهاً لوجه وهي المرحلة التي تحتاج إلى عناية ورعاية ورحمة وصبر على التنوع التربوي الذي يأتي إلى المدرسة من منازل عدة وشوارع مختلفة، يعتقد الشباب القادمون الذين بالكاد يتجاوز أحدهم الـ «22» أنهم في مواجهة سهلة مع طلاب صغار همهم قطعة الحلوى، وحصص اللعب، القادمون لم يطيقوا إخوتهم الصغار في المنازل، ولم يستطيعوا أن يشكلوا القدوة البارعة لهم، فكيف نحضرهم من الكليات طازجين وحافظين للنظريات والنصوص والمعادلات والقوانين وطرق الشرح والمناقشة لأطفال يحتاج الواحد منهم لمشروع من الصبر حتى يفرق بين الآلف والياء والتاء والثاء.
يشتكي صديقي من المعاناة الكبيرة التي يواجهها - ولا يزال - أخاه المعلم الذي كَرِهَ التدريس بعد أن تصدى - جبراً - لمهمة تعليم الصف الثاني الابتدائي، وتقبل الإزعاج والضجيج والمشاغبة والفوضى والعبث في حين أنه كان يمني نفسه بأن يؤدي الحصص التعليمية بطرق استثنائية، وبحماس شديد، ليصطدم فجأة بطفل يبكي، وآخر يطلب أباه، وثالث تنتابه مثل الحالة النفسية، ورابع ينادي أمه، يلتقي بالصغار كل صباح وهو غير مهيأ ولا مُعَدْ ولا حتى متقبل، هؤلاء أتوا للمكان الخطأ لأنهم لم يرزقوا بعد بأطفال ولم يعرفوا طرق احتوائهم والصبر عليهم والحاجة الماسة الملحة للصغار إلى أب يقترب منهم، لا أخ يهرب منهم أو يقسو عليهم، السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية لا بد أن توكل لخبراء متخصصين يضعون القواعد الأساسية، ويثبتون اللبنات الصحيحة - إن وجدت - ويقتلعون الأخرى التي لا تفيد، يحتاجون أكثر لروح أبوة لا تفارقهم، وتأخذهم إلى حب بالغ السمو يعزز من احترام المكان والرغبة في البقاء فيه، لا أهضم حق المخلصين من القادمين، ولا عيب إن كانت الصراحة وحدها تقول إن المكان لا تتحمله الروح الجديدة، ولا يتحمل المغامرة بعناصر رصيد خبرتها في الميدان التربوي صفراً صريحاً. الأهم أن هناك من الجيل الجديد من المعلمين من يرى فيه الصغار قدوة خرافية، وأعجوبة لا تتكرر، وينقل منه حرفياً بالحركة والسكون وربما في الشكل، والمعلم القدوة يحضر إلى الفصل بلفظ أو هيئة لا يمكن أن تتواجد لو كان المعلم أباً أو يرعى طابوراً آخر في منزله.لنذهب بالشباب المعلم من جيل كليات المعلمين إلى المرحلة المتوسطة على الأقل حينها لن يكون لهم ذنب جوهري في التركيبة العقلية، ومن خلالها يصطادون الخبرة بالتدريج، وتتطور قدراتهم التي من خلالها يذهبون للصغار إن أردنا وهم أقل حدة، وأكثر صبراً، وأجمل تعاملاً، وأهل دقة متناهية في التصرفات والهيئات والألفاظ، وإن كنا نعاني نقصاً في دفع الخبرات والكوادر الكبار إلى الوقوف وتعليم الصغار فلنأتِ لهم بمكأفاة مادية مستحقة أو نتركهم في إجازة مبكرة تقنعهم بالاختلاف عن بقية المعلمين، ولمن قال إن مقررات كليات المعلمين لا تؤهل الخريجين لتدريس المرحلتين المتوسطة والثانوية أقول، ضاعفوا مناهج التأهيل، وعززوا قدرات من يراد تأهيلهم، حتى لا نذهب بالأقل تأهيلاً للأكثر حاجة للتأهيل!
|