الموضوع: المقال التربوي
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-28-2009   رقم المشاركة : ( 4 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المقال التربوي

المدينة : الأحد 05 رجب 1430هـ العدد 16867
مشكلة التعليم المستنير في السعودية
عبدالعزيز السليم
أن يكون المثقف ضحية رأيه أمر مألوف من قدم التاريخ. ولا أدل على ذلك من تكرار أسماء شهيرة في تاريخنا العربي- فضلاً عن غيره - كنماذج على شهداء الرأي الذين تشبثوا بآرائهم فبقيت صامدة ومتوهجة كلما بعدت المسافة عن أجسادهم الهزيلة تحت الأرض.
كلما تذكرنا هؤلاء تبينت لنا خدعة حماية الدين والمبادئ، وفبركات الانتهازيين والوصوليين الذين يثبتون بطرق ملتوية، وأحيانًا مباشرة بفداحة آرائهم، وشناعة جرأتهم على أعراض وأشخاص خصومهم من المخالفين.. تلك القصص ليست أسرارًا أو خافية على الجميع، بل بقيت أمثلة يلذ للكثير ممن توجه إليهم سهام النقد والاتهام روايتها كأنموذج يحتذى، وكلٌّ بطريق دربه الذي يتخذه كمثل أعلى، في الديني، أو السياسي، أو الاجتماعي. ولأن السياسة هي المخيم الأول على الفرد العربي تبقى صورة “الضحية” ماثلة أمامه بسبب الضجيج الذي تفعله عملية الاغتيال للصحفي أو المثقف، إلا أن رأي المثقف في حقل التعليم الواسع، وفي السعودية على الأقل يبقى سجين أروقة التعليم لأسباب عديدة ومنها غياب النقابات الخاصة بالمعلمين أو صحف شهيرة تنشر مطارحاتهم وآراءهم
. لكن هناك سبب رئيس وضخم جدًّا، وهو أن المثقف وصاحب الرؤية يعيش في مناخ طارد للحوار، وفي بيئة ذات بعد واحد، لا تتفهم المخالف، وتستقي رؤيتها من مجموعات لا تعرف المنطقة الرمادية، فهي إما “مع” أو “ضد”، ثم إنها تعيش داخل بوتقات لا تستطيع أن تفكر وتحكم إلا بمرجعية ذات ثقة مطلقة فقط، مهما كانت مكوناتها وخلفياتها الفكرية. ولذلك نجد المعلم كعنصر عرف بطبيعة عمله (التعليمي والتربوي) فينشأ في هذا المناخ الأحادي الذي لا يستسيغ الآراء الدخيلة على قناعاته القوية التي تصل إلى درجة القناعة العقدية، فيبقى أسير هذا القالب الموحد الذي يؤثر ولا يتأثر، وتصبح عملية التغيير أو مجرد محاولة طرح رأي مختلف مجازفة غير محمودة العواقب.. وقد تستخف فرحة أي معلم بأي جديد أو رؤية تنويرية تسهم في ترقي العملية التربوية ليصعق بردة فعل عنيفة من تيار شرس متربص لا يعرف معنى الحوار ولا يدرك معنى الاثنيات والتنوع وأهمية التخصيب الثقافي بالألوان والأطياف المتعددة..
ضحايا التعليم المستنير في المملكة كثيرون، يتساقطون كأوراق الخريف واحدًا إثر واحد..
تلك الأفكار والتوجهات التي تشكل هاجسًا ومرمى يستهدفه كل من يرى في نفسه حقًّا في “حماية العقيدة” لا تعدو كونها مصطلحات ذات طنين لم تسوغه آذانهم من حقول معرفية ومواقع ثقافية ومؤلفي كتب ومصادر علمية رميت بسهام الإسلاميين الذين تولوا كبر مفهوم “الأنا” و“الآخر” و“نحن” و“هم”، وصارت -تلك المصطلحات- اكليشهات تقمع بها خصومهم كيفما اتفق.. والأمثلة أكثر من أن تحصى أو يحيط بها مقال. ولو عاش صحفيونا الكرام في حقل التعليم، وتغلغلوا في أجواء الصفوف الدراسية، أو ديوانيات المعلمين فإن الدهشة ونظرة التعجب ستعصفان بهم للجهل المركب والتكلس الفكري الذي يحيط بأجواء التعليم العام، على تنوعه، وبكافة مراحله ودون استثناء. فمثلا نتيجة الإحباط الذي يعانيه المعلم المهموم في تحسين مستوى أوضاع التعليم المترهلة. وكرد فعل لإحباطاته المتواصلة قد يشير مجتهد إلى الفارق بين تعليمنا وتعليم الغرب وضرورة تقرير المنهج المنطقي في المناهج أو التقليل من جرعة المواد الشرعية للزخم الكافي في المجتمع عن المدرسة، فإنه حتمًا سيوصم -اعتباطًا- بـ“العلمانية” أو “العصرانية”. ولو أن معلّمًا حاول أن يفهم طلبته معنى “الحب” الذي تمتلئ به كتب السلف ودواوين الشعر ومناهج الأدب، لربما أُلصقت به تهمة الترويج للرذيلة! ولو أن معلّمًا تحدث وحاور طلبته عن مفهوم المواطنة وحب الوطن فقد يتهم بالقومية! ولو أن معلّمًا تحدث عن قضية قومية سياسية إسلامية ومركزية للعالم العربي والإسلامي كمشكلة (فلسطين - إسرائيل) فإن التوجس والاتهام يأخذ مجراه كشخص مشبوه يسعى لبلبلة أذهان الطلبة وزجهم في قضايا أكبر من نفوسهم الغضة، وتوريطهم بالسياسة التي ما دخلت شيئًا إلا وأفسدته! إن من أخصب المحاضن للنميمة هي المدارس لثراء المصالح المتاحة بين عناصر التدريس، وإعطاء الريادة فيها لفئات أعطيت ثقة مطلقة في ممارسة العملية التربوية حيث المدير البراغماتي الذي يحيط نفسه بمجموعة معينة تمارس مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق أهوائها مستغلة سلطة التعليم والمجتمع وأولياء أمور الطلاب بإعطائهم الثقة لأنها متمسكة بمرجعية الحق الإلهي! والغريب أن أقسام الجامعات العلمية تخرّج مجموعات متميزة من أقسامها التي يفترض أنها مصدرًا غير مباشر من مصادرالثقافة العقلانية، ودافعًا من دوافع ثقافة التسامح، إلا أن ذلك المخزون العلمي يتشكّل ويصب – بعد فترة- في نهر الأدلجة الجارف، فتنتشر ثقافة الوجدانيات على حساب تقافة العقل، وثقافة الخرافة على حساب الفن الذي يسمو بالروح، وعلى حساب المعرفة التي تصنع الإنسان وتدفع به إلى الحياة مسلّحًا بأدوات الكفاح والإبداع.
إن محاولة التغيير عندما تسير وفق خطة مدروسة وفق زمن افتراضي ودون جدوى في تحقيقها، لا شك أن في ذلك خللاً يدعو إلى توجيه بوصلة تلك الخطة والدراسة وجهة أخرى تدعو إلى التغيير الجذري، والشجاعة في اتخاذ القرار دون مهادنة، أو أن فيروس الجهل والغباء الإداري سيتغلغل ويتكاثر في مستنقعاته ليلغي جهاز المناعة المتهافت لنضطر إلى هدم البناء برمته، ونقيم على أنقاضه بناء جديدًا، وفي بيئة صحية مناسبة طاردة للأمراض والأوبئة.
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس