رد: المقال التربوي الخميس 9/7
الجزيرة :الخميس 09 رجب 1430 العدد 13426
المعلم وتعزيز الأمن الفكري
سعود ناصر المعطش
الانحراف الفكري أصبح اليوم من المهددات التي تعصف بمكتسبات الأمم والشعوب وتعرض أمنها واستقرارها للخطر، وهو نتاج طبيعي لثقافة إعمال العقل والفكر بطريقة غير سوية، وعلاجه الوحيد والمباشر هو تعزيز الأمن الفكري، فالإنسان يؤمن ويستقيم ويتطور ويبدع وينجز من خلال فكره وعقله وتدبيره، وكذلك يفشل وينحرف ويضل ويفسد ايضا من خلال فكره اذا لم يكن سويا أو صالحاً أو خاليا من كل تلوث وانحراف وتشويش، ولا غرابة في ذلك فقد ركز القرآن الكريم على هذا الجانب بصورة لا تخطئها عين من يتدبر الآيات { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}، و{أَفَلَا يَعْقِلُونَ}، و{يَتَدَبَّرُونَ} كلها إشارات تدل على أهمية العقل والفكر والتدبير، ولكي نتجنب ويلات الانحراف الفكري، لا بد أن يقوم كل فرد من أفراد المجتمع بدوره تجاه هذه القضية، وبما أن المعلم يتموضع في محور العملية التربوية والتوعوية والتثقيفية، فإنه يطلع بدور حيوي مهم في هذا الجانب ودوره أن يغرس القيم الدينية والوطنية وينميها لدى النشء، ويعمل كل ما يقود إلى تعزيز الأمن الفكري لدى الطلاب، وليس من الضروري أن يكون ذلك من خلال المنهج الدراسي وحسب، بل الأهم أن يكون من خلال السلوك والمنهج الفردي للمعلم كقدوة للطلاب خصوصا المراحل الأولية التي ينظر فيها الطالب إلى معلمه نظرة الأب أو الأخ الأكبر في بعض المراحل.
يستطيع المعلم أن يقوم ببث جملة من المفاهيم التي تلفت انتباه الطالب تجاه القيم الفكرية والسلوك الفكري القويم، وكذلك من خلال التعامل مع البراعم الصغار من الطلاب حيث يستمدون سلوكهم من معلميهم، فالقدوةالحسنة في الأخلاق ومنهج الحياة العام للمعلم هي منهل الطالب في سلوكه الأخلاقي والفكري.
على المعلم أن يكون قدوة في الالتزام بالدين القويم فهو منهج الوسطية وحسن التفكر والتدبر والتعقل، وأن يعود طلابه على حب الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- لأن في ذلك بعدا عن الانحراف الفكري والاخلاقي والتطرف، وأن يعودهم.
على حرية الرأي وقبول الرأي الآخر مهما كان مخالفاً لما يظن أنه الحق، وكذلك تعويدهم على أدب الخلاف والاختلاف، ومنهج الحوار من خلال الممارسة العملية.
من معينات المعلم على غرس قيم الأمن الفكري لدى الطلاب الاعتزاز بالهوية الدينية والوطنية خصوصاً هنا في أرض الحرمين الشريفين، وحب ولاة الأمر الذين يحرسون العقيدة والوطن ويسعون لراحة إنسان هذه البلاد الطيبة الطاهرة، وكذلك إعطاء الطالب الثقة بنفسه وبرأيه ومنحه فرصة تبادل الأفكار مع معلمه وزملائه ومناقشتها فهذا يغرس فيه قبول إصلاح الرأي وتصحيح الفكر، والاعتراف بالخطأ وتصحيح المسار، كل ذلك يمكن أن يحدث من خلال إقامة المحاضرات التي تركز على أهمية الامن الفكري، وتوضح للطلاب ضرورة الاستقامة على الوسطية في الفكر والسلوك والمنهج، وكذلك المعارض الثقافية ومعارض الكتاب والندوات والمسرحيات وغيرها من وسائل توصيل الفكر والثقافة للمنهج مثل الرسوم والقصص وغيرها من الأنشطة.
فالمعلم - حسب التجارب التي نعايشها - على ثغرة من المجتمع، وعله مسؤولية مباشرة تجاه العقول التي بين يديه، يستطيع تشكيلها من خلال الرسائل التي يبثها ليس من الضروري داخل الخصة فقط، بل يمكن بثها من خلال التعالم والعدل بين الطلاب وإنصافهم في التدريس والمتابعة والاهتمام والنصائح وتبادل الحب والاحترام والتقدير وغير ذلك من الأشياء التي تعكس الطمأنينة وتغرس الثقة في النفوس وتؤسس لثقافة الأمن الفكري الذي هو صمام الأمان للمجتمعات والشعوب في زمن العولمة الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، وتسللت فيه ثقافات دخيلة اخترقت بعض الشعوب، وتحتاج إزالتها أو التحصين ضدها سياجاً منيعا من القيم والركائز الثقافية والمعنوية والدينية المنهجية منها السلوكية التي تنافح ضد مظاهر الانحراف الفكري، والتطرف في المنهج والسلوك والفكر، وتضع الجميع على الجادة بعيدا عن مزالق التلوث الفكري والعقيدة الفاسدة والتوجه الأرعن الغريب الذي يقود إلى الخراب والدمار والفرقة والشتات ويدحرج الجميع في اتجاه الهاوية.
معلم تربوي
|