رد: المقال التربوي الاربعاء 15/7
الوطن:الأربعاء 15 رجب 1430هـ العدد 3204
متاهات التدريب على الحوار بين التربية والتعليم والإعلام
أميرة كشغري
منذ أن دخلت مفردة الحوار قاموسنا التداولي اليومي، ومنذ أن أسس خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مركزاً للحوار الوطني عام 2003، ما زالت آمالنا معقودة على أن تترسخ هذه القيم والمفاهيم كي تصبح واقعاً معاشاً وسلوكاً حياتياً لدى الأفراد أكثر من مجرد كونها شعاراً موسمياً نرفعه وقت الأزمات. ولعلنا نستدرك، في الوقت ذاته، أن جميع الأبواب ما زالت مشرعة لتحقيق هذا الحلم وترسيخه على أرض الواقع الاجتماعي، وإن كان الناس ما زالوا في تجاذب حيال هذا الأمر. فمن مؤيد للحوار على المستوى النظري إلى معارض لأن يكون للحوار مركز رسمي، ومن المحذر تارة إلى المناصح تارات أخرى. يبقى أن نقول إن هذه الآراء والمواقف حول الحوار هي بحد ذاتها تمثل تجسيداً لبذرة الحوار بمفهومه التداولي الصحيح. إذ إن الحوار في جوهره إنما ينطلق من مبدأ تقبل الرأي المختلف دون تشنج ودون مصادرة أو إقصاء.
لقد اختار خادم الحرمين استراتيجية الحوار لتكون الرسالة الفكرية التي يلتقي عندها المجتمع السعودي بكل أطيافه وفئاته. فالحوار بكل تأكيد هو الطريق الأمثل، وإن لم يكن الأسهل أو الأقصر، لمناقشة القضايا ولمعالجة الإشكاليات التي يواجهها المجتمع. كما أنه السبيل الأمثل للإقناع أو حتى لمجرد تبادل وجهات النظر. ويظل الهدف الأبعد من وراء هذا كله هو الوحدة الوطنية لوطن يشعر فيه كل مواطن أنه جزء منه، يسهم في بنائه، يدافع عن مستقبله وعن مقدراته، وينعم بكامل خيراته.
وبرغم أن الحوار ظاهرة طبيعية لصيقة بحياة الأفراد والمجتمعات والجماعات على المستوى الإنساني، إلا أننا وبفعل ثقافة الرأي الواحد التي سادت وطغت في فترة سابقة وجدنا أنفسنا غرباء في ساحة الحوار. وكان لزاماً علينا أن نتدرب وأن ندرب كي نعيد لهذه الظاهرة مكانها الطبيعي في مجتمعنا. وبفضل الله استطاع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الفكري أن يؤهل 1200 مدرب ومدربة لكي يكونوا قادرين على تدريب فئات متعددة من المواطنين على مهارات الحوار وبالفعل فقد استفاد 150 ألفاً من المتدربين والمتدربات من الندوات والملتقيات التي عقدت في مناطق مختلفة من الوطن.
إن الهدف من الحوار هو تأصيل ثقافة احترام إنسانية الإنسان بدون قيود، وتأصيل تقبل الرأي والرأي الآخر وبناء ذهنية التسامح والوسطية والاعتدال في قراءة الأمور وطرح الآراء والبعد عن التعصب أياً كان هدفه ومصدره. لكن يبدو أن الطريق نحو هذا الهدف النبيل ما يزال في بداياته على المستوى العملي، بحيث نستشعر فعلاً الحاجة لكل هذا العدد من المدربين والمدربات والمتدربين والمتدربات لإيصال مهارات الحوار وترسيخها فيما بيننا. فالحوار تربية وثقافة وأسلوب حياة يتشربها الطفل في أسرته أولاً ثم يدعمها من خلال المؤسسات التعليمية خلال فترة نموه ليصبح قادراً على ممارستها سلوكاً وأسلوب حياة في جو ثقافي منفتح لا يصادر حق الفرد في إبداء رأيه ولا يعاقبه على سلوك لا يتجاوز حريته الشخصية. ولكي تصل هذه الجهود إلى ثمرتها المرجوة والطبيعية علينا أن ندرك أن بذرة التدريب على الحوار إنما تكمن أساساً في مناهجنا ومؤسساتنا التعليمية التي ينقصها التعليم على أسس المنطق والفكر النقدي والدراسات المقارنة في كل التخصصات خاصة في مجال الأديان والثقافات. وفوق هذا وذاك ينبغي أن يشعر المواطن، وهو يمارس الحوار، بالأمن والحماية القانونية الكاملة عندما يعبر عن أفكاره في إطار سلمي، لا أن تقف أمامه خطوط حمراء كثيرة لا يملك إزاءها حولاً لأنها أصبحت جزءاً من تركيبتنا الذهنية دون سند عقلاني. بالإضافة إلى ذلك فإن التفعيل الحقيقي للحوار في مجتمعنا لا يتحقق على النحو الذي يضمن نجاحه إلا بضمان الأمان الشخصي في حرية النقد والتعبير عن الرأي بشفافية خاصة في مناقشة القضايا الحساسة بصورة علنية ومحاسبة المخطئين والمتجاوزين للقانون، فلا أناس فوق القانون والمحاسبة في المجتمع المدني.
وإذا كانت البذرة الأولى لترسيخ ثقافة الحوار قد زرعت، فإننا اليوم ومع انعقاد ملتقى المدربين المعتمدين لنشر ثقافة الحوار في الرياض، مطالبون بأن نتجاوز التدريب النظري لندخل في صميم الممارسة العملية. فالتدريب على السباحة بمفرده لا يجعل الفرد قادراً على ركوب البحر ومقاومة الأمواج وإن كان لازماً في البداية. يحتاج الفرد أن يمارس السباحة بشكل دائم وأن يلقي بنفسه إلى البحر برغبته وأن يحصل على طوق النجاة ويحاط بفريق الإنقاذ كي يحصل على الاطمئنان الذي يجعله يواصل السباحة دون خوف من الغرق. أما أن نلقي بمفردة الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر دون أن نمتلك الضمانات المطلوبة والحماية القانونية عند الاختلاف فذلك ضرب من الحلم يجعل الكثير منا يفقد الثقة في تحقق جوهر الحوار وقيمه.
|