رد: المقال التربوي الاربعاء 15/7
الوطن:الأربعاء 15 رجب 1430هـ العدد 3204
معوقات مستمرة: التعليم هو المشكلة وهو الحل!
قينان عبدالله الغامدي
الناس مستعجلون، لدرجة أن بعضهم لا يمنح نفسه فرصة التأمل والتفكير قبل أن يطالب بشيء أو يحكم عليه، أو يقبل أو يرفض، على الرغم من غزارة الوقت المهدر في حياتنا. أول من أمس كنت مع صديق نتحدث حول أقوال وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله التي جاءت خلال ملتقى المدربين المعتمدين بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، فسأل صديقي: ماذا فعل الأمير للتعليم؟ وأجاب: لا شيء. قلت: لم يمض على تعيين الأمير ونائبيه في الوزارة أكثر من أربعة أشهر أو نحوها، فهل تراها مدة كافية لعمل شيء؟ فقال وكأن المعلومة فاجأته، ولم يشأ أن يبدو ناسياً لها أو غير مكترث، قال: لن يحدث شيء. قلت: لماذا؟ قال: يبدو أنك أنت – أيضاً – نسيت أن وزير التربية والتعليم الأسبق د. محمد الرشيد، قد قال قبل نحو ثماني أو تسع سنوات إن "عصر التلقين انتهى"، فما الذي حدث؟ انتهى الوزير بخططه وبقي التلقين.
كلام صديقي صحيح، وأنا شخصياً، اطلعت في تلك الأيام على خطة عشرية للوزارة، أعدها الدكتور الرشيد ورجال التربية والتعليم آنذاك، وكانت الخطة فيما أعتقد متميزة وحديثة – لكنها وئدت، والدكتور الرشيد أفصح عن جوانب من الأسباب بعد مغادرته الوزارة لكنه لم يفصح عن الأسباب كلها، وأعتقد أن من المناسب، أن يجلس الوزير الجديد معه ويسأله، فلعل الأمير يصل إلى حقائق عن تلك المعوقات، ومعرفته بها حتماً ستساعده في نجاح مهمته، وربما أنه فعل ذلك ونحن لا ندري.
على أي حال اليوم غير الأمس، من حيث عزيمة التطوير، ومن حيث الدعم المادي والمعنوي.
ومع أن الأمير فيصل قال وهو محق إنه نسي أن يضيف صفراً ثالثاً للمئة يوم لتصبح ألفاً، إلا أنه كان محقاً أكثر وهو يقول إن وزارة التربية والتعليم هي الوطن كله، وتبعاً لهذا فإنني واثق أن الأمير وفريقه وغيرهم معهم، قد بدؤوا من الشهر الأول في دراسات علمية عميقة سواءً تلك التي يعلن عنها في بعض المناسبات، أو أخرى تجري بعيداً عن أضواء الإعلام، فالأمير نفسه مهتم ومهموم باقتصاد المعرفة منذ سنوات طويلة، ولا بد أن يأخذ الأمر وقته الطبيعي لينضج ويتهيأ للتطبيق.
ولأنني أعرف التعليم من داخله وخارجه، مثلي مثل كثيرين غيري، بصفتي كنت طالباً، ثم معلماً سابقاً، ثم صحفياً أتابع وأقرأ، ثم ولي أمر لطلاب وطالبات حتى اليوم، أقول، إن تطوير أداء المعلم والمعلمة، وتطوير المناهج، وتطوير التجهيزات المدرسية من مبنى وملاعب ومختبرات وغيرها، أهم محاور العملية التعليمية والتربوية، وهذه المحاور فيما أظن هي التي تدندن حولها الدراسات والخطط الآن، لكنني سأعود الآن إلى زمن د. الرشيد، وأقول إن هذه المحاور كانت موجودة آنذاك، لكن البيئة أو المناخ الذي حال دون التطبيق حينها ما زال موجوداً اليوم، أو على الأقل جزء كبير منه، وهذه البيئة حبلى بالمعوقات، ومنها أولاً: حقوق المعلمين والمعلمات المادية، وهذه لا تحتاج إلى شرح، وحقوقهم النفسية المريحة بوضع كل منهم في منطقته إن لم يتيسر في مدينته التي يرغب، أو الحي الذي يسكن فيه إن أمكن، أو المدرسة التي بجوار بيت أهله – أهلها – إن كان ذلك متاحاً، فقد أصبحت وزارة التربية أكبر مشتت للأسر الجديدة، إضافة إلى "الشهيدات"، وحقوقهم المعنوية بإيقاف سيل التعاميم المهتمة بالقشور والتي يناقض بعضها بعضاً، بل بعضها يناقض العقل والمنطق والعلم والحياة، مثل تعميم وفرض الدوام لبعضهم دون داع مقنع، والترهيب بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة مثل تعميم "عقوبات الجوال في مدارس البنات"، وغيرها كثير، فالواجبات المطلوبة منهم، تتطلب تلبية حقوقهم من دون محاكم ولا مشكلات ولا توسلات، ليشعروا أنهم أسرة واحدة. المعوق الآخر، وجود مسؤولين ومسؤولات في الوزارة وإدارات التعليم، والمدارس يرفضون كل جديد خوفاً من التغيير لمجرد الخوف، أو توجساً على مواقعهم، أو لأنهم مؤدلجون أو لأن مستوياتهم العلمية -لك عليها- وهؤلاء وأولئك لا بد أن يعطلوا كل قرار أو يتحايلوا عليه، وما لم يتم إقناعهم بالتخلي عن قناعاتهم أو عن كراسيهم أو تطوير مستوياتهم، فإن أي تطوير سيظل حلماً مثلما هو كذلك في ذهن د. الرشيد إلى اليوم، وربما هناك معوقات أخرى ستكشفها الدراسات أو الخبرات.
وأخيراً فإن التعليم قضية وطن – كما قال الأمير فيصل – ولهذا فمن الغد وليومين أو ثلاثة سأطرح رؤية أعمق وأثرى وأشمل، كتبها واحد من عشاق الوطن المخلصين له الصادقين معه، وبعد أن تقرؤوها سأذكر اسمه، ومناسبة الكتابة، حتى لا ينشغل قرائي – أو بعضهم – بالاسم والمناسبة، وينسوا كيف أوضح وعالج هذا العاشق أن "التعليم في بلادنا هو المشكلة، وهو الحل"، فإلى الغد.
|