رد: المقال التربوي الاربعاء 15/7
صحيفة اليوم:الاربعاء 15 رجب 1430هـ العدد:13172
كاد المعلم أن يكون قتيلا !!
محمد الحرز
الاعتداء على المعلم في حد ذاته يعتبر مساسا بهيبة التربية والتعليم في البلد, فما بالك حين يكون الاعتداء عليه داخل أروقة المدارس, على مرمى ومسمع الجميع. هذه الأزمة الخطيرة في الأخلاق تحولت إلى ظاهرة بدليل ما نراه بين الحين والآخر من أخبار في صحفنا المحلية التي تشير إلى الاعتداء الذي يطال المعلم بعضها بالأسلحة وبعضها بالأيدي والآلات الحادة, كما الخبر (الذي عنونا به هذه المقالة) الذي طالعتنا به جريدة (الحياة) في صدر صفحتها الأولى يوم الخميس الماضي حيث ملخصه هو أنه جرى الاعتداء على أحد المعلمين في إحدى مدارس الدمام, من بعض الطلاب بسبب سحبه ورقة أحد الطلاب من قاعة الاختبارات في المدرسة. والسؤال الذي أود طرحه هنا بخصوص هذه الأزمة هو التالي : ما معنى هذه الأزمة على الصعيد الأخلاقي والتربوي والتعليمي؟ وقبل الإجابة يبدو لي من المهم في هذا السياق الكشف عن بدايات تحول هذه الأزمة إلى ظاهرة في الخطاب التعليمي. ربما ليس بمستغرب إذا قلنا ان مسألة الاعتداء على المعلم في مدارسنا لم تختف تماما عبر تاريخ التعليم في المملكة والشواهد كثيرة حيث نكتفي هنا بالتلميح دون التصريح. ولكن تحولها إلى ظاهرة ملفتة للنظر في الآونة الأخيرة جاء بفعل عاملين أثرا بصورة كبيرة على بروز هذه الظاهرة إلى السطح. أول هذين العاملين التطور الإعلامي الصحفي سواء على مستوى الوعي أو المستوى التقني والاستفادة الكبيرة من تطور مجال الاتصالات وتوظيفها بشكل كبير في الإعلام والصحافة. نحن نعلم تماما أنه لولا الإعلام والصحافة ما كان لمثل هذه القضايا من اعتداءات وضرب على المعلم أن تتحول إلى رأي عام داخل المجتمع. سابقا إلى بدايات التسعينيات لم يكن الإعلام يملك الوعي المهني ولا كذلك الأدوات التقنية التي تساعده كثيرا في إبراز مثل هذه القضايا بصورة أكثر فاعلية في التأثير على القارئ , أليس صورة المعلم والدماء التي تغطي ملابسه التي نشرتها الجريدة هي صورة موحية بكل ما تحمل الكلمة من معنى !. أليست هي أيقونة كي تشير بطرف خفي إلى مستوى الانحطاط الذي وصلت إليها العملية التعليمية برمتها. قد يعترضنا أحدهم بالقول اننا نبالغ باستخدام تعبير «الانحطاط» . أقول هذه الكلمة وأنا مسؤول عنها تماما بالخصوص وأنا أكتب بوصفي معلما. صدقوني مثل هذه الصورة في المجتمعات ذات المؤسسات المدنية الفاعلة تتحول إلى قضية رأي عام, القضية ليست بسيطة انها تمس شكل العلاقة القائمة بين ثقافة المجتمع ونظرته إلى المؤسسات التعليمية من جهة وبينه وبين احترام أنظمة الدولة وقوانينها وموظفيها من جهة أخرى. هذا التعبير - وهذا هو العامل الآخر - ليس سوى التكلس الذي أصاب الاهتمام بالمعلم بعد أن توجهت الجهود بالاهتمام بالطالب على حسابه دون وجود نوع من التوازن. بالتأكيد هذا العامل هو واحد من جملة عوامل أخرى أدت إلى هذا النوع من التكلس. ويمكن التدليل على ذلك من خلال جملة من الملاحظات يمكن الإشارة إليها سريعا. أولها نوعية الاهتمام الذي حظي به المعلم ما هو؟ كان التركيز ينصب في الخطط الإستراتيجية التي وضعتها الوزارة في رفع كفاءة مستوى المعلمين وتطويرهم تعليميا وتربويا سواء من خلال التحاقهم بالدورات التي خصصت لذلك ,أو بالتحاقهم بالجامعات والكليات للذين لم يستكملوا دراساتهم الجامعية. رغم أهمية هذا التركيز إلا أن نتائجه لم تثمر على مستوى السلوك الأخلاقي للطالب لماذا؟ لأنه على سبيل المثال كانت هذه الدورات في مجملها تركز على كيفية التعامل مع الطالب سلوكيا وتربويا وتعليميا في جميع المراحل الدراسية, وهذا بالتأكيد مشروع ومفيد بلا شك. هذا التركيز يدل على الافتراض أن المعلم يتحكم في العلاقة بينه وبين الطالب, وهذا وهم كبير ندفع تبعاته ما يجري على المعلم في الساحة. كما المعلم محتاج لمثل هذه الدورات الطالب كذلك بحاجة إلى تغذية ذهنية بتصورات مختلفة عن صورة المعلم. ولكن السؤال الحقيقي هو كيف يتم ذلك؟ ربما تحليل الأزمة على الصعيد الأخلاقي والتربوي والتعليمي هو المدخل إلى الإجابة. لكن الإجابة تحتاج إلى تضافر جهود عديدة من طرف مؤسسات فاعلة تهتم بالشأن العام.
|