رد: لـــحـــن الــقـــــــــــــول
المبادرة العربية !!
أنكر الدكتور : محمد تقي الدين الهلالي (رحمه الله) على من يطلق لفظ المبادرة بمعناها المشهور ، قال في كتابه ( تقويم اللسانين ) : ( ومن ذلك استعمالهم المبادرة في الدعوة إلى مفاوضة أو عرض أمر ، ثم قال في نقده : ولا تزال هذه اللفظة طريّة لم يمر عليها زمن طويل ، فإن هذه اللغة الشريفة التي نكبت بأهلها وكانت لهم خير لغة وكانوا لها شر أهل .. ) هكذا قال ، وكان من الحريصين على الدفاع عن حمى العربية ، وربما دفعته غيرته إلى تحجير واسع ، وتحريج قائل ، وجنوحٍ إلى المعاجلة دون معالجة .. ومن هذا ، فإنه لم يصب الصواب فيما أرى من جهتين :
إحداهما : تفسيره المبادرة بالدعوة إلى مفاوضة أو عرض أمر ، والثانية : منعه من إطلاق المبادرة بمعناها اللغوي على هذا المعنى .. والذي يوضح هذا ما قالته معاجم اللغة ؛ فإن أهل اللغة مجمعون على أن معنى المبادرة : المسارعة ، يقال : بَدَر إلى الشيء بُدورا وبادرَ إليه مُبادرة وبِدارا ، وفي الذكر الحكيم : ( وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ ) ونحن لا نفهم من المبادرة اليوم بمعناها المشهور إلا المسارعة بشيء ، كحل واقتراح ، ونوع إصلاح ، وصارت بالغلبة مصطلحا سياسيا ، تلقى إلى طائفتين مختلفتين أو أكثر ، يبادر بها غالبا في شأن العرب مع أنفسهم أو مع غيرهم لكثرة النكبات التي تلقى من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، فيبادر من يبادر منهم أو من غيرهم برأي يعرضه ولا يفرضه ، كمبادرة السلام ، والمبادرة العربية ، والمبادرة المصرية ، وغيرها ، وتسمَّى مبادرةً بهذا الاعتبار ، فهي مسارعة إلى الدعوة إلى مفاوضة أو عرض أمر ، ولو قيل : إنها الدعوة إلى مفاوضة - كما قال الهلالي - لما حق لأحد أن يمنع ذلك ، ولكان من باب المجاز المرسل ، وهو نوع من البيان الذي لا نهاية للتحليق في فضائه إلى يوم الفصل .
|