رد: لـــحـــن الــقـــــــــــــول
من لحن المحدِّثين ( 1 )
لا يحيط باللغة العربية إلا نبي ، كما قال الشافعي ، ولا يسلم من اللحن إلا عُصِم ، وقد عقد ابن جني بابا لما لحنت فيه العرب ، وما من أحد نطق بالعربية ممن لم تكن العربية ملكة خاصة له ، وسليقةً خالصة إلا ولَحَن ، ومن ذلك المحدّثون ، وللخطابي كتاب سماه ( إصلاح غلط المحدثين ) ولا يراد بالمحدِّثين هنا الرُّواة الذين نقلوا هذه الأحاديث ، بل المراد كل من ينتمي إلى الحديث وإن لم يكن راويا ، وجمهور هذه الأخطاء وقع من هذا الصنف .. ومن ذلك :
- في حديث ذي اليدين : ( فخرج سَرَعان الناس ) بفتح السين والراء ، وقيل : بسكونها ، قال الخطابي : ( والأول ) أجود . ومن قال : سِرْعان الناس ، بكسر السين فهو لاحن .
- ( دوُمة الجندل ) بضم الدال ، قال ابن دريد : أصحاب الحديث يغلطون فيفتحون الدال .
- قوله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل معاهدا لم يرَحْ رائحة الجنة ) روي لم يَرَحْ ، قال أبو عبيد : هو الصواب ، بفتح الياء والراء ، أي : لم يجد ريحها ، وروي بكسر الراء ، وروي بكسرها وضم الياء ، قال الكسائي : هو الصواب .
- في حديث الأضحية بالجذعة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا تَجْزِي عن أحد بعدك ) بفتح التاء ، أي : تقضي الواجب عن أحد بعدك ، ورواها بعضهم بضم التاء ، أي : تكفي ، وهو غلط .
- في حديث القبر : ( لا دريت ولا تَليت ) هكذا يقول المحدثون ، قال الخطابي : والصواب : ولا ائتليت ، أي : ولا استطعت . ولكن من أهل اللغة من صححه ، وقال : أصله : ولا تلوت فقلبت الواو للمزاوجة وإتباعا لقوله : ( لا دريت ) .
- حديث : ( من أصبح آمنا في سِربه ) قال الخطابي : أجمع المحدثون والنحاة على كسر السين إلا الأخفش فإنه قال : سَربِه ، بالفتح ، أي : آمنًا في نفسِه .
من لحن المحدِّثين ( 2 )
مما أصلحه المحققون من غلط المحدِّثين روايةُ بعضهم لحديث : (ما أذن الله لشيء كأذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن .. ) رواه ( كإِذْنه ) بكسر الهمزة وسكون الذال ، وهو غلط ، والرواية الصحيحة بالفتح فيهما و ( الأَذَن ) بالفتح : الاستماع .
ومن ذلك : حديث ( لخلوف فم الصائم ) بضم الخاء وحَسْبُ ، وفتحها خطأ باتفاق المحققين ، قال القاضي عياض : هذه هي الرواية الصحيحة، وكثير من الشيوخ يروونه بفتح الخاء ، قال الخطابي : وهو خطأ . ومعناه: تغير رائحة الفم بسبب الصيام .
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من أحد إلا وله شيطان، قيل: ولك يا رسول الله ؟ قال : ولي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلمَ ) بفتح الميم ، والفاعل الشيطان ، أي: دخل في الإسلام ، ورجحه ابن منظور واستشهد له ، أو معناه: انقاد واستسلم وكفّ عن الوسوسة ، وعلى هذا عامة الرواة إلا سفيان بن عيينة فإنه يقول: فأسلمُ، على أنه فعل مضارع، والفاعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان سفيان يقول : الشيطان لا يُسْلِم ، والرواية الأولى المشهورة هي الصحيحة لأمرين :
أحدهما : أنها الظاهر المتبادر ، ويقوي هذا الظاهرَ قوله : ( أعانني عليه ) .
الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعده : ( فلا يأمرني إلا بخير) والشيطان لا يأمر بخير ، بل يأمر بالشر والفحشاء .
قال النووي : قال الخطابي : الصحيح المختار الرفعُ ، ورجح القاضي عياض الفتح ، وهو المختار ، ولكنني لم أجد ترجيح الخطابي في (إصلاح غلط المحدثين ) واكتفى بحكاية القولين .
وورد التصريح بإسلامه في مسند البزار بسند ضعيف .
|