ثالثاً- سوق الأسهم المحلية (نكث الغزل):
لا أرى سوقنا المحلية بحيرتها داخل الحلقة المفرغة التي طال أمدها بعيدةً عن روح الآية (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً)، فسرعان ما أن تراها تستقر وتبدأ في الصعود لتجدها تنتكس على أعقابها خاسرة لأي سببٍ كان، تعددت الأسباب والموت واحدُ!! ظلموا تلك السوق بجعلها رهينةً لما جرى ويجري في أسواق ما وراء البحار بدعوى الأزمة المالية العالمية، وما صدقوا في ذلك كثيراً، ففي بداية الأزمة تفاقمت خسائرها خلال 35 يوم عمل فقط إلى نحو 43 في المائة، في مقابل نصف تلك الخسارة الموجعة شهدناها تلحق بالأسواق الموطن الفعلي للأزمة المالية! ورغم ذلك استمرّت (الأكذوبة) حتى في ظل فترة الانفصال التام، التي حدثت بين سوقنا المحلية وبقية الأسواق الرئيسة منذ نهاية الأسبوع الأول من يوليو 2009م الماضي حتى اليوم، فعلى الرغم من الصعود والانتعاش الذي أصاب تلك الأسواق منذ ذلك التاريخ تراوحت معدلاته بين 23 في المائة و15 في المائة، لم تتجاوز سوقنا في صعودها 5.3 في المائة! فالارتباط -غير المحدد- هنا وفق المنطق المقلوب لدى البعض مؤداه أننا نخسر أكثر من خسارة أسواق الأزمة ذاتها، وأننا نربح أقل من أرباح تلك الأسواق!! ذاك أحد الأسباب التي تم التطنين بها طوال الأحد عشر شهرا الماضية.
في رأيي أن علل وأمراض السوق المحلية داخلية أكثر من كونها خارجية! اجتمعت على رقبة السوق من عدّة مصادر مؤثرة جداً؛ لعل من أبرزها السياسة النقدية المتقلبة منذ مطلع نوفمبر 2007م، بدءاً من تضييق الخناق المتتابع على السيولة حتى نهاية صيف 2008م، ما أنهك معه السوق المحلية بصورةٍ كبيرة، لم تستطع على أثره حتى الصمود في وجه الضوضاء الإعلامية التي صاحبت نشوء الأزمة المالية حينها، ولتفقد نصف قيمتها الرأسمالية في ظرف خمسة أسابيع! ولم تفلح السياسة النقدية فيما بعد في إنقاذ تحطم من أركان السوق الخاسرة، إذ نتج عن تلك السياسات المتوسعة في اتجاه توفير السيولة للاقتصاد المحلي، أن خرجت السيولة للخارج العالي المخاطر، فيما توقفت وتيرة نمو التمويل من البنوك للاقتصاد والسوق منذ مطلع العام الجاري، حتى النمو في مستويات السيولة المحلية الذي ناهز 9 في المائة منذ مطلع 2009م حتى نهاية يوليو الماضي، وجدناه تأتى من نمو الودائع بالعملات الأجنبية بنسبٍ وصلت إلى 30 في المائة، وارتفع خلال نفس الفترة صافي الأصول الأجنبية بأكثر من 129 في المائة. كان من الصعوبة بمكان في ظل إحجام السيولة المحلية عن اقتناص الفرص المواتية فيها، وتحت الموجة الكبرى لخروجها خارج الاقتصاد الوطني وليست السوق المالية فحسب، أؤكد كان صعباً جداً أن تجد مجالاً للاستقرار والنمو. على أنه من غير المستبعد أن نشهد تحولاً ملفتاً للانتباه في مجريات تعاملات السوق المحلية بعد عيد الفطر المبارك، قد يدعمه عودة جزء كبير من السيولة المواطنة التي قد تجني أرباحها في بعض الأسواق الرئيسة في العالم؛ خاصةً بعد مكاسبها خلال أقل من شهرين مضيا التي تراوحت بين 20 و40 في المائة، بمعنى أن السوق المحلية مهيأة للصعود بقوة في حال استمرّت حالة التفاؤل الراهنة في الأسواق الرئيسة، ولكن لا يعني هذا تخلّص السوق من مصادر زعزعتها وعدم استقرار أدائها. كما لا يمكن نسيان عشوائية قرارات الكثير من المتعاملين، التي ساهمت هي أيضا بدورها السلبي في الكثير من الانتكاسات، والشوكة القوية للشائعات التي غذى قوتها غياب المعلومات الآنية، والإفصاح الآني عن الأخبار والتطورات الجوهرية ذات التأثير المباشر على أسعار الأصول المتداولة في السوق.
هذا بدوره يؤكد مرة أخرى على ضرورة إيجاد آلية تنسيق محددة وواضحة بين مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية، فوفقاً للتجربة السابقة ظهر بادياً للعيان حجم التأثير الكبير لقرارات الأولى على نطاق عمل ومسؤوليات الثانية، وهذا دون شك سيكون فيه مصلحة كبرى ليس فقط للسوق المالية المحلية، بل حتى للجهتين (ساما، الهيئة) لكيلا يقع أي منهما في أخطاء مكلفة وباهظة الثمن لأي سبب، وما أكثر ما وقع ما يشابهه خلال الخمس سنوات الماضية، لعل أخطر نتائجها الوخيمة الانهيار الكبير الذي ضرب مقدرات السوق المالية صباح 26 فبراير 2006م.
انتهى جزء من التقرير، ولكن لم ينته بعد من تناول كامل مناطق اختناق الاقتصاد الوطني، التي تضم في جعبتها محور التدريب والتعليم الذي لم يتجاوز بعد سرعة الصفر! إضافة إلى ملف بيئة الاستثمار المحلية، وارتباطها بالهدف الإستراتيجي لخطط التنمية ممثلاً في ضرورة التنويع الإنتاجي، وتشجيع ودعم الكيانات المتوسطة والصغيرة في القطاع الخاص. أيضا سيتم الحديث عن قضايا تتعلق بالبيئة التجارية المحلية بدءاً من حماية المنافسة والتصدّي للاحتكار، مروراً بضرورة فك الاختناق والتضاد بين بعض الأنظمة والإجراءات في قطاع الأعمال المحلي، وبعضاً من الإشكالات المتفرقة على السطح الاقتصادي ثبت تأثيراتها السلبية على قدرة الاقتصاد الكلي فيما يتعلق باستقراره وإمكانيات نموه.