رد: الملف الصحفي للتربية 12----9
صحيفة اليوم:الاربعاء 12 رمضان 1430هـ العدد:13228
طاش ما طاش و«التطوير»
عبدالله العبد المحسن
أثارت حلقة «تطوير» لطاش ما طاش جدلا واسعا في الأوساط الاجتماعية المختلفة، وردود فعل متفاوتة، بسبب تعرضها لقضية تطوير التعليم.أتاح لي عملي بمكتبة الملك فهد الوطنية فرصة الاطلاع على مناهجنا منذ نشأة التعليم. من يتصفحها سيفاجأ بما مرت به مناهجنا من تطوير مستمر، فرضته توجهات السياسة التعليمية، وتطور العلوم، وضرورة مواكبة تطورات العصر.من اللافت أن هذا التطوير المستمر كان يجري بهدوء، ودون خوف وهلع على سلامة مجتمعنا. ولم نشعر بأن ذلك التطوير موجه ضد هويتنا، وخصوصية مجتمعنا، ولم توجه لمن تولوا تطوير المناهج تهمة الإذعان لتوجيهات من الخارج، ولم ينسبها أحد لضغوط الدوائر الغربية المتآمرة على استقلالنا وعقيدتنا. بل تم تقبلها بأنها نابعة من حاجتنا الملحة للبناء، واللحاق بركب الحضارة الإنسانية.فما سر هذا الخوف، الذي ينتابنا الآن كلما طرحت مسألة تطوير المناهج في وسائل الإعلام؟ أو أثيرت في مسلسل فني كوميدي؟!لماذا ينتابنا الخوف من تطوير المناهج، وطرق التعليم لتستوعب الانفجار المعرفي؟ وما مبعث التشكيك في النوايا الحسنة، وإظهارها بأنها تستهدف ما هو قائم، والتهويل من مخاطر هذا التوجه ؟ألا ينبغي أن نتحرر من سوء الظن هذا، لئلا يتحول أي إجراء يستهدف التطوير الى خوف مرضي، يؤدي إلى الانكفاء على الذات والتقوقع. في زمن أصبح العالم فيه أشد انفتاحا على أطرافه، وأكثر تقاربا، بفضل تطور وسائل تواصله واتصاله. حيث غدا من المتعذر إقامة السدود وبناء الحواجز.حلقة «طاش ما طاش» لامست مشكلة المناهج، واختيار المعلم ملامسة فنية، أقل حدة بكثير مما يثار بوسائل الإعلام بين حين وآخر، ومما تداولته لقاءات الحوار الوطني، ومما اتخذت من توصيات وقرارات حول المناهج وقضايا التعليم.ففي اللقاء الوطني السادس للحوار الفكري المنعقد تحت عنوان ( التعليم: الواقع وسبل التطوير) تم التأكيد على إعادة صياغة المناهج العلمية والمقررات الدراسية لتلبي متطلبات العصر، وبناء الشخصية السليمة القادرة على التفكير والإبداع. ولم يترتب على ذلك مثل هذا الضجيج!.هل الفن أقوى على تحريك الساكن؟ أم أن المرحلة التاريخية التي نمر بها تستدعي الحذر الشديد؟ أم هو التجاذب التقليدي بين من يقلقهم أي إجراء يستهدف التغيير، ومن يرون ضرورة التغيير من أجل مواكبة التطور؟.من يعرف حجم معاناة طلابنا المبتعثين إلى الخارج بسبب تدني مستوى مناهجنا، وطرق إعداد أبنائنا، ويعرف الفرق بين مستوى مناهجنا ونوعيتها، ومناهج تلك الدول لابد أنه سيشدد على المطالبة بتطوير مناهجنا. لأن المناهج هي المسؤولة عن خلق العقول القادرة على التلقي أولا، والعطاء ثانيا. ولن تكون المناهج كذلك إلا إذا وجهت لإيقاظ الوعي الذكي، وتحقيق انسجام أبنائنا وتفاعلهم مع الحياة، وغرس مشاعر حب واحترام الآخر فيهم. مناهج تحمي مجتمعنا من المخاطر، التي تهدد أمنه وسلامته من الداخل.والتأكيد على مناهج لا تعتمد التلقين والترديد، وحشو أدمغة الطلاب بما لن يستخدموه في حياتهم العلمية والعملية، بل تقوم على التفكير المبدع. وترتكز على التعليم الإبداعي، وتنمية مهارات التفكير. مناهج تعلمنا كيف نخلق حضارة، وثقافة حية متعافية تتفاعل مع الحضارات الإنسانية، كما تفاعل بناة الحضارة الإسلامية، الذين لم يعانوا عقدة الخوف من الانفتاح على الآخر والأخذ منه. فبنوا حضارتهم العظيمة المتفاعلة بحيوية، التي قدمت للإنسانية الكثير، وانتزعت احترام الجميع. ينبغي أن نتحرر من الخوف وأن نمتلك الشجاعة، التي امتلكها أسلافنا في العصر الإسلامي الذهبي، عندما ترجموا كنوز المعرفة الإنسانية. من الإغريق الوثنيين، والبيزنطيين المسيحيين، ولم يترددوا في أخذ العلوم والثقافة من جيرانهم المجوس والهندوس، ولم تصب عقيدتهم وهويتهم بأذى.
|