رد: التربية والتعليم 14----9
الوطن : الجمعة 14 رمضان 1430 ـ 4 سبتمبر 2009 العدد 3262
رياض الأطفال... متى تصبح مرحلة تعليمية إلزامية؟
عبداللطيف الضويحي
ليس هناك ما يستصرخ ضمير الإنسان مثل قضيةٍ صاحبُها و المتضرر منها مكبلٌ بين جهله بحقوقه و قلة حيلته في تغيير واقعه. فالطفل ذلك المخلوق الذي تتجاذبه أو تتقاذفه مؤسسات المجتمع التقليدية منها والحديثة. فروضة الأطفال... هي الحلقة المفقودة بين أسرة، اهتزت الأرض من تحت أقدامها و مدرسة، فُرغَت من أغلب مقومات العمل التربوي... فهل تردم رياض الأطفال الهوة بين المؤسستين و تُخرج المجتمع من دوامة الفراغ والتفريغ؟ هل يصبح تعليم رياض الأطفال عنواناً للمرحلة التغييرية التي يقودها التشكيل الوزاري التربوي بكل ما يحمله من طموحات وما يواجهه من عقبات ومصاعب؟ ما مدى جاهزية وزارة التربية والتعليم إدارياً ومالياً ومزاجياً لتبني هذا العنوان وتحقيقه خلال السنوات القليلة القادمة؟ فهل يصبح الأطفال سبباً في حل مشكلات تعليم الكبار أم يبقى الصغار "صغارا" والكبار "كبارا" وتحول هذه دون تحقيق تلك؟ أين تقع رياض الأطفال في سلم أولويات وزارة التربية والتعليم؟ ولماذا الحديث عن وزارة التربية والتعليم، فيما جهات عديدة تمتلك وتشرف على رياض أطفال موظفاتها مثل المؤسسات الاجتماعية، والصحية والصناعية والعسكرية والأكاديمية؟ أم إن هذا الشتات في مرجعيات الطفولة السعودية يجعلنا أمام مبرر حقوقي وأخلاقي ومهني للبحث عن مظلة وطنية متخصصة مهتمة بالطفولة مثل هيئة عليا للطفولة تبدأ بوضع استراتيجية وطنية للطفولة وتنتهي بفرض إلزامية مرحلة رياض الأطفال. إن المردود الهائل لتجارب الأطفال في السنوات الأولى من أعمارهم حسبما تقدمه لنا الأبحاث البيولوجية والنفسية والاجتماعية في النمو البدني والنفسي والعقلي للأطفال، كفيل بأن يحتم مرحلة تعليم رياض الأطفال على سائر المراحل في التعليم العام كماً ونوعاً. ويكفي هنا الإشارة إلى أن تقرير اليونسكو في هذا الصدد نص مباشرة على أن هناك علاقة إيجابية مباشرة بين نسبة التحاق الأطفال برياض الأطفال، ونسبة نجاحهم في مراحل التعليم العام، فضلا عن العلاقة المباشرة التي أشار إليها التقرير بين التحاق الأطفال برياض الأطفال وانخفاض نسبة تسربهم من مدارسهم خلال مراحل التعليم العام. لقد حذرنا – نحن العرب – السيد ماتسورا، أمين عام منظمة اليونسكو، من مغبة تجاهلنا لتعليم الأطفال. ففي الوقت الذي يتراوح فيه تعليم الأطفال في الدول العربية بين 90% في دول مثل الأردن والكويت وفلسطين، يصل تعليم الأطفال إلى 55% في دول مثل اليمن وموريتانيا حسب مدير عام منظمة اليونسكو.. في حين تتجه دولٌ مثل الإمارات العربية المتحدة إلى اعتبار مرحلة رياض الأطفال مرحلة إلزامية لأول مرة في الدولة. أما في الدول النامية ككل، فتعد دول أمريكا اللاتينية ودول الكاريبي، الأفضل في توفير تعليم رياض الأطفال بين الدول النامية حيث بلغت النسبة 62% مقابل 35 % في شرق آسيا و32% في جنوب آسيا وغربها، ونأتي نحن العرب قبل الأخير حيث بلغ ما نوفره من تعليم لأطفالنا 16%. حسب تقرير اليونسكو. تشير المعلومات المتوفرة إلى أن تعليم رياض الأطفال بدأ في المملكة سنة 1396 هـ في مكة المكرمة بروضة كانت تضم 200 طفل، ووصل سنة 1428 إلى 1512 روضة تضم 104999 طفلاً يعمل بها 10655 معلمة. أي ما يعادل معلمة واحدة لكل عشرة أطفال. فضلا عن 1325 من الإداريين والفنيين. وإذا كانت نسبة المواليد في المملكة حسب وزارة الصحة 2005 هي 209149 مولودا في السنة، فهذا يعني أننا بحاجة إلى ما يقارب 20900 مدرسة رياض أطفال.. وتصر -بعد كل ذلك- وزارة العمل الموقرة على أن السعودة تعني الإحلال وليس خلق فرص العمل! عجباً أنا في الحقيقة، أطالب من هذا المنبر، بإعطاء الفرصة للسعوديات المتخصصات في رياض الأطفال وكذلك المتخصصين للاستثمار في مجال رياض الأطفال وليس فقط العمل في مجال رياض الأطفال وتذليل كل الصعوبات التي تعترض طريقهم بما في ذلك المنح والقروض والتمويل. لكني، أطالب بألا تكون رياض الأطفال المقصودة هنا نُسَخاً و مَسخاً مكررةً عن التعليم العام (ابتدائي، متوسط، ثانوي) من الحفظ والتلقين. بل أعتقد بضرورة أن تنأى رياض الأطفال المقصودة هنا تماما عن كل ما يتعلق بالعملية التعليمية وتكون عملية تربوية فقط والاكتفاء فقط ببعث القيم التي عزت في مجتمعنا ونشئنا المعاصر من القدرة على صناعة القرارات بأنفسهم، وإحياء روح العمل الجماعي وفريق العمل فيما بينهم. تماما مثلما هي المنهجية اليابانية في رياض الأطفال، التي تقوم أساسا على ألا ينفرد الطفل بأي قرار دونما الرجوع لمجموعته المنتمي إليها ضمن تقسيم المجموعات. وفي هذا السياق، أذكر قصة رواها لي أحد التربويين وكان يجلس بجانبي في الطائرة، أن مقارنة أجريت في إحدى مدارس المرحلة الثانوية حول مستوى اللغة العربية، بين طلاب سَبَقَ لهم أن التحقوا بروضة أطفال، لغة التخاطب فيها هي العربية الفصحى (لغة تخاطب المدرسات ولا أقصد تدريس الأطفال لغة عربية فصحى)، مقارنة بمجموعة من زملائهم في نفس المدرسة الثانوية الذين لم يلتحقوا بذات الروضة سابقاً، فكانت النتيجة أن المجموعة الأولى فاقت كثيرا جداً المجموعة الثانية بمستوى لغتها العربية.
|