رد: التربية والتعليم 18--9
صحيفة اليوم: الثلاثاء 1430-09-18هـ العدد 13234 السنة الأربعون
د. عبدالسلام الوايل
إصلاح التعليم مبالغة في التسييس وغياب للبعد التقني
د. عبدالسلام الوايل
استتباعا لمقالتي الأسبوع الماضي حول إصلاح التعليم, أكتب هذا اليوم عن نفس الموضوع مركزا على عامل مجتمعي كان له- في نظري- أثر بالغ على تطوير التعليم لدينا وإصلاحه. حين أكتب عن ذلك العامل, فإني لا أزعم أنه العامل الوحيد في هذه القضية. بل ربما تكون هناك أسباب وعوامل أخرى ربما يكون لها تأثير أكبر. لكن يتميز هذا العامل بوضوحه وبسهولة إدراكه وتبين تأثيراته السلبية. ذاك هو تسييس قضية إصلاح التعليم وتحوله إلى أحد أشد مناطق التجاذب حرارة و اشتعالا بين التيارات الفكرية لدينا. وأقصد بالتسييس هنا خروج قضية إصلاح التعليم عن مسارها التقني البحت إلى أن تكون في جوهر الصراع السياسي بين التيارات الفكرية المحلية. والمقصود بالصراع السياسي التنافس والمدافعة على احتلال مواقع أكثر تقدما في بناء القوة والنفوذ على المستوى المحلي. يمكن , في هذا السياق, التنبه إلى أن المطالبة بإصلاح التعليم بدأت تقنية في الأساس, إذ أنها أخذت دفعتها القوية محليا من أزمة البطالة والرفض المتعاظم من قبل قطاع الأعمال لتوظيف خريجي التعليم العام والجامعات وإحلالهم بدل الموظفين الأجانب. وفي نقاشات المؤسسات الحكومية, من جامعات و وزارات مختصة, مع قطاع الأعمال حول عدم توظيف الشباب السعوديين تلقت المؤسسات الحكومية الإجابات نفسها من تلك القطاعات: هناك مشكلة في تأهيل هؤلاء الشباب, المؤسسات التعليمية لم تؤهلهم بشكل مناسب لسوق العمل. كان ذلك تقريبا في بداية تسعينيات القرن الماضي. ومنذ تلك اللحظة تحول نقاش إصلاح التعليم إلى موضوع مفتوح. التأثير الأقوى على تسييس قضية إصلاح التعليم جاء بعد هجمات تنظيم القاعدة على نيويورك في سبتمبر 2001. إذ وضعتنا تلك الأحداث المريعة في مواجهة العالم, واستتباعا لذلك, في مواجهة أنفسنا متسائلين عن الأسباب التي جعلت بيئتنا الثقافية تنتج شبابا بتلك الأفكار والمعتقدات. مثل التعليم أحد المفاتيح الأساسية للإجابة على السؤال, وهي إجابة أتفق شخصيا معها. لكن, ترافق بث هذا الإجابات مع حراك فكري وتجاذب أيديولوجي على الساحة المحلية بين التيارين اللذين اتخذا تسمية الليبراليين والصحويين. وتحول التعليم والمناهج إلى واحد من أشد ساحات المعارك سخونة.يمكن سوق العديد من الأدلة على هذه الرواية الكرنولوجية. لكن لنترك التنبيش في الماضي ولنعود فقط للحدث المحلي الأخطر الذي مرت به بلادنا خلال الأسبوع الماضي, محاولة اغتيال سمو مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية. فجأة أقحم التعليم في القضية. وأقحم بطريقة تبين أن المحكات التقنية البحتة, والتي بدأ حولها موضوع إصلاح التعليم أصلا قبل حوالي عشرين سنة, لم تعد مهمة الآن. ماعاد مهما ومحل الحكم هو الأسس الفكرية التي تنتج ولاءات سياسية فيما بعد. بكلام آخر, ماصار مهما هو هل التعليم مسئول عن ظاهرة الإرهاب التي مافتئنا نعيشها منذ ست سنوات أم لا؟. للتدليل على هذه التحولات لنتبين حدثين تولدا عن محاولة الاغتيال الفاشلة. الأول, هو مداخلة الداعية سعد البريك لبرنامج تلفزيوني للتعليق على تلك المحاولة الأثيمة. إذ قال الشيخ سعد مانصه : « نحن لن نقبل أبداً بأي محاولة لتغيير المناهج». أما الثاني, فكان بيانا أصدره 29 «عالما» سعوديا برأو فيه المناهج من المسؤلية عن إنتاج القابلية لاعتناق أفكار الإرهاب ومعتقداته. لن أقحم معتقداتي الشخصية في الموضوع. لكني ألاحظ أن في كلا الحدثين أصبح المحك هو البعد الأمني في مناهج التعليم, وهو قضية لا أنكر أهميتها. لكن, لنتصور أن المناهج بريئة حقا من ظاهرة الإرهاب ولا تأثير لها على إنتاج ذهنيات قابلة لاعتناق الفكر المتطرف فهل يعني ذلك أننا أصبحنا في حل من تغيير مناهجنا؟ ألسنا نعيش في عصر فيها مفردات التنافسية والعولمة والانتاجية والبطالة والسعودة؟ ألا تضغط تلك المفاهيم والمصطلحات على الطريقة التي نقارب بها محليا مسألة تغيير المناهج؟ لما لانذكر, حين نفتح النقاش حول تغيير المناهج, موقع منتاجتنا التعليمية (أي طلابنا) في التنافسية الدولية حول الرياضيات والعلوم؟ لماذا تغيب مسألة موقعنا السئ جدا والذي لايليق بنا في هذه المقاييس, حيث دخلت السعودية المسابقة الدولية للعلوم والرياضيات مرتين. احتلت في المرة الأولى المركز ما قبل الأخير, حيث كان الأخير لغانا. أما في المرة الأخيرة, فقد تحسنا قليلا. إذ أن قطر شاركت في المسابقة الأخيرة فاحتلت بدلا منا الموقع ما قبل الأخير لنصبح أحسن من دولتين في العالم هما قطر وغانا. أتساءل, أبعد هذه الحقائق يمكن لشخص يفكر بمسؤلية تجاه وطنه أن يقول : «نحن لن نقبل أبدا بأي محاولة لتغيير المناهج»؟
|