رد: الملف الصحفي لتربية ليوم الأثنين 24---9
صحيفة اليوم:الأثنين 24 رمضان 1430هـ العدد:13240
تجربة طالبة في المدرسة
مريم عبدالرحمن الغامدي
جاءت إليّ ابنتي في المرحلة الثانوية وقالت .. أمي لي عدوة في المدرسة يبدو أن مهمتها في الحياة هي إظهار عيوبي والتحدث عني في كل زاوية من زوايا المدرسة ومع كل طالبة من طالبات المدرسة وأخشى أن أكون واحدة من موضوعات الإذاعة في المدرسة فهي المسؤولة عن جمع موضوعات الإذاعة وتنظيمها واختيار من يقدمها تم اختيارها لهذه الوظيفة لأنها جريئة واجتماعية وخدومة ومؤثرة هذه صفاتها كما تراها إدارة المدرسة ومعلماتها أما أنا فأرى أنها عبيطة وهبلة تقرأ بلا فهم وتتمتع بإحساس بارد لذا اختاروها في الإذاعة المدرسية وهي تسرد أوصافها تذكرت كالبرق معظم من يقدم البرامج في القناة الأولى في السعودية ...أمي .. قائمتها تتضخم بعيوبي أسبوعا بعد أسبوع فأنا كما تقول ضخمة ومتعالية ومتباهية وغريبة الأطوار وصوتي مرتفع وعنيفة ورصيدي من الذوق صفر.. وقد تحملتها كثيرا وها أنا أشكو أمرها إليك لتحضري إلى المدرسة وتقابلي المرشدة أو المديرة لتضعي معهما حدا لقائمة السمات السلوكية المتدنية التي تسجلها في ملفي الذي تحمله معها يوميا وتحضره كواحد من كتبها المدرسية أو كواحد من صفحات سجل الإذاعة ..أصغيت بهدوء إلى ثورتها وغضبها ولا أخفيكم أن صوتها بدا مرتفعا وكانت تتحدث معي بثورة وغضب وثقة بأن صفحاتها في الحياة ناصعة وطاهرة .. كانت تحرك يديها بتعالي فمرة تشير بإصبعها إلى وسط صدرها ومرة تغلق كلتا يديها ومرة تفتحها كأنها ستجمع رملا ناعما لتبني به جبلا على حافة بحر مالح .. تردد بعض الكلمات التي أحزن إن سمعت ممثلا يرددها أمام والدته في أحد المشاهد وبعدما أنهت الكم الهائل من الكلمات التي ترى لنفسها فيها مخرجا من المجاهل وفرصة لتطلق معي حوارا يتسع لاستيعاب أخطائها التي سردتها أمامي وهي لا تشعر كسيل عارم يفسد تربة صالحة للحياة وللزرع طلبت منها أن تهدأ ثم تجلس وتقابلني ..فعلت وباشرتها بالسؤال هل ما تقوله عنك هذه الطالبة صحيح؟؟ شعرت أن سؤالي أذهلها وتساءلت بغرابة ...صحيح ؟؟ وما شأن الحقيقة بوضعي.. أنا أريد أن آخذ بثأري وأرد لها ضرباتها وانتصر عليها وانتقم منها وأهينها ..أعدت عليها السؤال مرة ثانية ألم تسألي نفسك عن حقيقة ما انت عليه .. أنت الآن تعرفين رأي هذه الفتاة فيك وما يتردد عنك في المدرسة بفضل جهودها اذهبي وسجلي قائمة بجميع ما يقال عنك وضعي علامة صح امام العبارات الصحيحة ويمكنك أن تتجاهلي الخطأ ثم عودي لنناقش القائمة. تأخرت ابنتي في العودة لكنها عادت وكأن الحيرة قد أضنتها فقد كانت شجاعة في إظهار حقيقة نفسها فتيقنت أن الإنسان هو صانع التجربة وهو الذي لا يلحق بسريته سواه وقليل من البشر من قال للآخرين هأنذا إقرأوني كما كنت .. بعد أن فعلت ابنتي ما طلبته منها سألتها ماذا وجدت وبأمانة ؟؟ أجابت نصف الأشياء التي ذكرتها تلك الفتاة عني صحيح! ولكن بأي حق تتحدث عني وتجاهر بعيوبي في المدرسة .. ناولتني القائمة ورفضت استلامها وقلت إنها لك .. لأنك أكثر من أي إنسان آخر يجب أن يعرف حقيقة نفسه وبكل ما فيها .. تعلمي أن تصغي لنفسك وألا تصمي أو تغلقي أذنيك وألا تشعري بأن الآخرين ينوون إيذائك عندما يجاهرون بعيوبك وثقي بأن العيوب الحقيقية تجد صدى وإصغاء في قرارة نفسك ..سألتني لماذا تعاملين عدوتي معاملة حسنة ولينة وكأن من حقها أن تسيء إلى ابنتك .. قلت لها هناك طريقة واحدة تمنعها من التحدث عنك أو تنتقدك وهي أن تسمعي ولكن لا تفعلي أو تقولي شيئا ونتيجة لذلك طبعا سوف تشعرين أنك أصبحت لا شيء وهذا لن تفضلينه لنفسك .. ولكنه الأفضل لك.. وفعلت ابنتي ومرت الأيام ولم تعد تشكو من أحد يلاحقها بعيوبها فحميت نفسي من مقابلة المرشدة والمديرة .. قديما قالوا رحم الله من أهداني عيوبي .. يحكى أن امرأة تركت عملها كخادمة وهي في السبعين واحترفت تمثيل أدوار الجدات وهي في الثمانين وفي التسعين صرحت بأنها مازالت تتمتع بروح الشباب وتبحث عن شريك لحياتها ..عيوبنا تقتل أرواحنا وأعمارنا وتبدد طاقاتنا إن أصغينا لها ..لن نصبح مثاليين مهما حاولنا ولكن لا بأس إن اقتربنا من المثالية ونقترب من أرواحنا لا أن نتغرب عنها.
|