عرض مشاركة واحدة
قديم 09-14-2009   رقم المشاركة : ( 4 )
أبو المظفر
عضو

الصورة الرمزية أبو المظفر

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 3579
تـاريخ التسجيـل : 15-02-2009
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : أبو المظفر يستحق التميز


أبو المظفر غير متواجد حالياً

افتراضي رد: بَنَان الطنطاوي؟ قتيلةُ الإسلام التي لا يعرفها أحد؟!



جهادها وصبرها على البلاء

كان زوجها عصام العطار هو المراقب العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، وقد ضيّق عليه النظام السوري في أعقاب استيلاء حكومة البعث على السلطة: 8/3/63مـ

فكان عصام مرصودًا دائمًا من قِبَل النِّظَام السوري واللبناني في حركاته وسكناته، وكم كانوا يَطْرُقون بيته في ظلمات الليالي، ويسوقونه إلى غياهب السجون والمعتقلات !

وكانت كل هاتيك الأحداث الجسام تدور على مَرْأىً من زوجته بنان ومسمع! فكانت تتجرَّع مع زوجها ويْلات الأيام والاضطهاد، وتكتوي بنار اللوعة التي تَفْرِي الأكباد ! وكم كانت تعيش في خوف وقلقل في كل ساعة ؟ وهي ثابتة الجأْش مقيمة على الابتهال والطاعة ، فلم تكن كغيرها من النسوة اللاتي يصرخن ويَنْدبْن ويَلْطمنَ إذا مسهنَّ السوء والبأساء ؟

كلا ! بل كانت تضرب بجميل صبرها الأمثال ، وتتجشَّم الخوض فيما يحجم عنه كثير من الرجال ! لم تُضْعِف من عزيمة زوجها ، ولا تنكَّبتْ عن مؤازرته في محنته العصيبة البائسة ! فكانت تضمد جروحه ، وتُخَفِّف آلامه ، وتُداوي بروعة كلامها أسقامَه، وتسعى جاهدة للنهوض به إلى ما يُرضي الله والرسول في كل لحظة !

يقول د/ أحمد البراء بن عمر الأميري في مقال له بعنوان : « المرأة التي أبكتْ الرجال» : ( في سجل ذكرياتي مواقف عديدة كان للمرأة دور البطولة فيها، وبعض هذه المواقف لا يزال حاضراً في ذهني حتى كأنه واقع اللحظة.

منها: موقف عايشته شخصياً مع الأخت بنان بنت علي الطنطاوي -رحمها الله- بعد ما اعتقل زوجها، موقفٌ جعلني أفهم معنى المقولة الشهيرة: « وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة!»

ففي عام 1964م، كنتُ طالباً في جامعة دمشق أَدْرُسُ في كُلّيتيْ الشريعة والآداب «قسم اللغة الإنجليزية» ، فذهبت لزيارة والدي الشاعر الكبير الراحل عمر بهاء الدين الأميري في بيروت التي كان يمضي فيها بعض الوقت، كان بيت الأستاذ عصام العطار –المراقب العام للإخوان المسلمين آنذاك– قريباً من البيت الذي استأجره أبي، وكانا يلتقيان دائماً.

كان جمال عبد الناصر حاكماً لمصر آنذاك، وكانت سلطتُه وشعبيّتهُ في لبنان كبيرتين، وعِداؤه للإخوان المسلمين، وسَجْنُه لهم، وتعذيبُهم، وقتلُهم، وإعدام قياداتهم معروف. وكان للسفارة المصرية، واستخباراتها صولةٌ وجولة في لبنان، فتمَّ اعتقال والدي أمام عينيَّ، واعتقالُ الأستاذ عصام العطار في نفس الوقت.

مكثتُ في بيروت أيامًا، كان خلالها والدي والأستاذ العطار في السّجن، وكنتُ في صحبة زوجته السيدة بنان الطنطاوي وهي من مواليد عام 1941م وكان عمرها -آنذاك- ثلاثاً وعشرين سنة، كنتُ معها طوال الوقت؛ لأنّ لنا مصلحةً واحدة؛ أذهب معها لمقابلة المحامين، وبعض الشخصيات من أجل الإفراج عن المعتقليْن.
في خلال هذه الأيام رأيتُ من قوة شخصيّة السيدة بنان، ولباقتها، وحُسْن تصرُّفها، وحكمةِ حديثها، ما يدعو إلى الإعجاب.
استطعنا أخذَ موعدٍ لزيارة والدي وزوجِها في السّجن لبضع دقائق.

لم يزل المشهد ماثلاً أمام عينيّ: كنتُ أقف على يسار الأخت بنان أمام والدي، وهي أمام زوجها، وكلاهما خلف شبك الحديد داخل السجن، كان والدي يُطمئنُني ويعطيني بعض النصائح، فسمعَ وسمعتُ الأخت بنان تقول لزوجها: « يا عصام، أنا والأولاد بخير وسلامة، فلا تقلقْ علينا، كنْ قوياً كما عرفتُكَ دائماً، ولا تُرِ هؤلاء الأنذالَ من نفسك إلا القوة والصلابة واستعلاءَ الحق على الباطل.» فبكى أبي عندما سمع هذه الكلمات من شابةٍ في مقتبل العمر، كان قلقُ زوجها عليها وعلى أسرته، أكبر من قلقها عليه وهو في السّجن! )



ثم قال د/ الأميري : ( وبعد خروجنا من السجن وركوب السيارة أجهشَتْ بنانُ بالبكاء ! وعلمتُ أنّها إنّما كانت تتجلّد وتتصبّر؛ لِتُري زوجها من نفسها خيرًا، ولتربط على قلبه في موقف هو أشدّ ما يكون حاجة إلى من يربط على قلبه لا من يمزّقه ...).

قلت: فانظر إلى هذا المثال النادر من النساء في زمن الغربة الثانية !


أيُّ قلب كان يسكن صدر تلك المرأة الشريفة ؟ وأيُّ صبرٍ وجلَدٍ وعزيمة جعلها تنتصر على شديد أحزانها ، وتكتم عزيز دموعها حتى عن زوجها !

وكم كانت تُكاتب زوجها وهو في سجنه ومنْفاه، وتحثُّه على الثبات على الحق، وعدم الخضوع لرغبات أهل الفساد، وتُذكِّره بما أعدَّه الله للصابرين والشاكرين، وتُطْمئنه على أهله وولده ؟


وكانت قد أرسلت إليه مرة رسالة تقول له فيها:
« لا تحزن ولا تفكِّر فيَّ، ولا في أهلك، ولا في مالك، ولا في ولدك، ولكن فكِّر في دينك وواجبك ودعوتك؛ فإننا –والله- لا نطلب منك شيئًا يخصُّنا، وإنما نطلبك في الموقف السليم الكريم الذي يبيِّض وجهك، ويرضي ربك الكريم، يوم تقف بين يديْه حيثما كنت، وأينما كنت، أما نحن فالله معنا، ويكتب لنا الخير، وهو أعلم وأدرى سبحانه وأحكم.».


وأرسلتْ إليه مرة أخرى رسالة تقول فيها: ( نحن لا نحتاج منك لأي شيء خاص بنا، ولا نطالبك إلا بالموقف السليم الكريم الذي يرضي الله عز وجل، وبمتابعة جهادك الخالص في سبيل الله، حيثما كنتَ وعلى أي حال كنت، واللهمعك «يا عصام» وما يكتبه الله لنا هو الخير ).

ولمـَّا قرَّرتْ الحكومة السورية طرد زوجها من البلاد ، سافر إلى بروكسل ، وهناك أصيب عصام بالشلل ! فكان يعاني من مرارة الغربة مع عذاب المرض !

فكانت زوجته بنان ترسل إليه الرسائل تُبشِّره فيها بجزاء الصابرين ، وتُواسيه على ما هو فيه من البلاء المبين .
فكانت تقول له : ( لا تحزن يا عصام.. إنك إنْ عجزتَ عن السير سرتَ بأقدامنا.. وإن عجزتَ عن الكتابة كتبتَ بأيدينا.. تابع طريقك الإسلامي المستقل المميز الذي شكَّلتَه وآمنتَ به، فنحن معك على الدوام، نأكل معك ـ وإن اضطررنا ـ الخبزَ اليابس، وننام معك تحت خيمة من الخيام ! ).

تابع البقية ....
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس