عرض مشاركة واحدة
قديم 09-14-2009   رقم المشاركة : ( 8 )
أبو المظفر
عضو

الصورة الرمزية أبو المظفر

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 3579
تـاريخ التسجيـل : 15-02-2009
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : أبو المظفر يستحق التميز


أبو المظفر غير متواجد حالياً

افتراضي رد: بَنَان الطنطاوي؟ قتيلةُ الإسلام التي لا يعرفها أحد؟!

تربيتها الصالحة لأبنائها

ومع ما كانت تعانيه تلك المرأة من الشدائد والأهوال؛ إلا أنها لم تتوانى عن تربية أبنائها تلك التربية المستقيمة، مع تزويدهم بأصول التوحيد ، والاعتماد على الله في ما دقَّ وجلَّ، مع مراقبته في الأقوال والأفعال، وطلب الغوث منه في وقت وحال.

تقول ابنتها هادية عصام العطار عن أمها بنان :
( وكانت -رحمها الله- تُعلّمني وأخي - ومَنْ لعلّه يكون معنا - الدعاءَ ونحن صغار .

وكانت تُشعِرنا دوماً بوجود الله، وقدرة الله، وفضل الله عز وجل.

وإذا مرضنا علَّمتنا أن نطلب -مع تناول الدواء- من الله الشفاء.

وإذا أردنا أمراً واجباً، أو محبوباً ممكناً، علَّمتنا أن نستعين عليه - مع الجهد الضروري للحصول عليه- بالدعاء.
وكانت تعلّمنا أنَّ الله أقربُ إلينا، وأحْنَى علينا، وأرحم بنا، وأقدر على عوننا من الآباء والأمهات وكلّ مخلوق، وأن نتوجه إلى الله في السرّاء والضرّاء وسائر الأمور قبل أن نتوجه إلى أيّ مخلوق، وأن نحبّه، ونطيعه، ونثق به، ونرضى بقضائه وقدره.. أكثر مما نحب ونطيع أيّ مخلوق..

وهكذا عرفنا الصلة القلبية العاطفية الحميمة بالله عز وجل، مع الصلة العلمية والفكريّة، وذُقْنا حلاوة الإيمان ونداوته ودِفئه، وشعرنا في تلك الأيّام حقًّا بأنّ ربَّ الوجود أقرب إلينا من كلّ موجود....).

قيامها بواجبات الزوجة كم أمر الله
ومع كونها كانت الأم الفريدة في تنْشئة أبنائها، فكذلك كانت نِعْمَ الزوجة الصالحة لزوجها.
فيقول عنها زوجها عصام العطار: ( كانت -رحمها الله- قادرة رغم حساسيتها الشديدة ، وتأثُّرِها الشديد ، بكلّ ما يعرض لنا ، أو ينـزل بنا
قادرةً على أن تَسْتَنْبِتَ أزاهيرَ سُرورٍ في أراضي الأحزان ، وتُوَفِّرَ لنا لحظاتِ مُتَعٍ بريئةٍ في زحمة الواجبات والأعمال

وأن تُحَوِّلَ غُرَفاً حقيرةً سَكنَّاها إلى ما هو أحلى من قصور ، وأن تجعلَ سعادةً غريبةً تسكنُ معنا وتعيش بيننا حيثُ سَكَنّا من البلدان

وكثيراً ما شعرنا في غُرَفِنا الحقيرة بهذه السعادة الغامرة ، وبِنَشْوَةِ الاستعلاءِ على الشدائدِ والمغرياتِ في سبيل الله عزَّ وجلَّ ، فردَّدْنا أو أنشدنا - بنان وأنا وطفلانا الصغيران : هادية وأيمن - فُرادَى ومُجتمعين هذه الأبياتَ القديمة الرائعة التي كانت وما تزال تهزّنا هزّاً ،
والتي كانت تُعَبّرُ وما تزال تُعَبّرُ عنّا وعن حالِنا وخيارِنا الجميل النبيل الأليم :

فإن تكُنِ الأيّامُ فينا تبدلتْ *** بِبُؤْسَى ونُعْمَى والحوادثُ تفعَلُ
فَمَا لَيّنَتْ مِنّا قناةً صَليبَةً *** وَلا ذَلَّلَتْنا لِلَّتي لَيْسَ تَجْمُلُ
ولكنْ رَحَلْناها نُفوساً كَريمةً *** تُحَمَّلُ ما لا يُسْتطاعُ فَتَحْمِلُ

********

وكانت إذا أحَسّتْ في نفسها ، أو أحَسّتْ منّي في حِوارِنا ونقاشِنا في بعض الحالاتِ النادرةِ بَوَادِرَ زَعَلٍ أو غضب؛ لم تسمح لهذا الحوار والنقاش أن يستمرَّ ويشتدّ ، وانفردتْ بنفسها ساعةً - تطولُ أو تقصر- تقرأ القرآن -كما تَعَوَّدَتْ- بقلبها وعقلها ولسانها ودموعها ... ثم تنهض أَهْدَأَ ما تكونُ حالاً ، وأرضى ما تكونُ نفساً ، وأكثرَ ما تكونُ انشراحاً ونشاطاً .. لِلّهِ هذه المرأةُ المسلمةُ ما كان أَوْثَقَ ارتباطَها بكتاب الله عزَّ وجلَّ ، كان القرآن العظيم حقيقةً لا كلاماً ولا وهماً ربيعَ قلبِها ، ونورَ صدرِها ، وجَلاءَ حُزنِها ، وذَهابَ همّها .. كان القرآن حياتها وباعِثَها ، ودليلَها وهاديها في مختلف مشاعرها ومواقفها وخطواتها ، وكان حِصْنَها الحصين ، وملجأها الأمين ، عندما كانت تُطْبِقُ علينا في بعض أيامنا الظلمات ، وتعصفُ حولَنا العواصف ، وتطرُقُ أبوابَنا المخاوفُ والمخاطر ، فلا يكونُ أحدٌ في الدنيا أكثرَ مها وهي تعتصم بالإيمانِ والقرآنِ طُمَأْنينةً وأمناً ، ولا قدرةً على الثبات والصبر ، وعلى تحدّي الطاغوتِ ولو ملأ بطغيانه الدنيا ... )
ثم قال: ( ما أحبَّتْ زوجةٌ زوجَها أكثرَ ممّا أحبتْ بنانُ زوجَها.
وما فهمتْ زوجةٌ زوجَها أكثرَ ممّا فهمت بنانُ زوجها .
وما أعانت زوجةٌ زوجَها أكثرَ ممّا أعانت بنانُ زوجَها .
وما تعبت زوجة بزوجها ، ولا ضَحّت زوجة من أجل زوجها أكثرَ ممّا تعبت وضحَّتْ بنان.
وما شاركت زوجة زوجها في النعماء والبأساء ، والسرّاء والضرّاء ، واليُسر والعُسر ، والصحة والمرض ، والأمن والخوف ، والغربة والوطن بقلبها وفكرها وكلِّ كيانها وطاقاتها ، وآثرتْ زوجَها على نفسها في مختلف ظروفها وحالاتها أكثر من بنان .
لقد امتزجتْ حياتُها بحياتي قَلْباً وفكراً ، ورؤيةً وأملاً ، وإرادةً وعملاً .. كان قلبي ينبضُ في صدرِها فَتُحِسُّ ما أُحِسّ ، وتطلبُ ما أطلب ؛ وكان قلبُها ينبضُ في صدري فأُحِسُّ ما تُحِسُّ وأهفوا إلى ما إليه تهفو ، فكأننا في معظم أمورِنا شخص واحد : إذا تكلمتْ -كما يعرف ذلك كلُّ من صَحبنا أو عَرَفَنا أو سَمِعَنا - فالروحُ روحي ، والنّبْرَةُ نَبْرَتي ، واللهجةُ لَهجتي ؛ وإذا كتبتْ فاللغةُ لُغتي ، والأسلوب أسلوبي ؛ فما يُفَرِّقُ بين ما أكتُبه أو تكتبه إلاّ ذَوّاقَةٌ خبير ... ).

توجُّعها لأحوال المسلمين المعذَّبين في جَنَبَات الأرض.

وكانت كثيرة التوجع على أحوال المسلمين هنا وهناك ، سريعة البكاء لهم ، مسارعةً بإيصال الخير لأقربهم، دائمة الدعاء بالتفريج عنهم.
وفي ذلك يقول عنها زوجها عصام العطار : (لم تحمل في قلبها وفكرها هموم بلدها وأهلها وأخواتها وإخوتها فحسب ، بل حملت مع ذلك هموم عالمها العربيّ والإسلامي ، وهموم الإنسانية والإنسان أَنَّى كان هذا الإنسان ، وفاضت في قلبها الرحمة فشملت سائر المخلوقات ، وكم رأيتُها تبكي لمآسي ناس لا نعرفهم في بلاد لا نعرفها ، وكم سمعتها تُذكِّر في أحاديثها ودعوتها إلى تعارف الشعوب وتراحمها وتعاونها على الحق والعدل والخير ، بقول الله عزَّ وجلَّ لرسوله الكريم : ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( [الأنبياء : 107] وقول الرسول r : « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ تبارك وتعالى . ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ الرَّحِمُ ... » رواه الترمذي وأبو داود وأحمد ، وقول الله تبارك وتعالى : ) ... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... ( [المائدة :2 ]

ثم يسترسل زوجها قائلا: (كانت الشهيدة الكريمة «أم أيمن» - رحمها الله- تقول: «لا يكفي أن يسمعَ الناسُ منّا عن الإسلام؛ بلْ يجب أن يَرَوْهُ فينا ويُحِسّوه ويَلْمسوه لَمْسَ الأيدي.. يجب أن يَرَوْه دَمْعَةً لاهِبَةً في أعيننا لآلام المصابين،
ويداً حانيةً تمسح جراحاتِ المعذّبين،
وصَرْخَةً مُدَوِّيةً في وجه الظلم والظالمين،
وعَوْناً خالصاً على الهداية والحق والخير في متاهات الحياة ونوازل الحياة
وأن يُحِسّوهُ حُبّاً دافِقاً يَنْسَرِبُ من القلوب إلى القلوب ومشاركةً وجدانيّةً صادقة في السرّاء والضرّاء ، ورحمةً واسعة تَسَع الإنسانيّةَ كلَّها، وتَبْلُغُ الإنسانَ حيثما كان، وتتجاوزه إلى كلّ مخلوق..
الدعوةُ الإسلاميةُ المُثلَى ليست مجرّد كلماتٍ، ومعرفةٍ قليلة أو كثيرة، وبراعةِ فكرٍ وبيان، وطلاقةِ لسان.. ولكنّها روحٌ ينطلق من أعماق الأعماق، ويَسْري دَماً في العروق، ويَنْتَظِمُ القلبَ والعقل، والمعرفةَ والفكر، والإحساسَ والشعور، والقولَ والعمل، ويتجسّمُ في مختلف بواطنِ الحياةِ وظواهرِها ومجالاتِها المتعدّدة، فتبصرُه العيون، وتُحِسُّهُ النفوس، وتَلْمسُهُ الأيْدي، في كلّ حركةٍ من الحركات، ويومٍ من الأيام..»

وكذلك كانت «أم أيمن» - رحمها اللهُ - إلى حدٍّ بعيد.. بعيد
كانت الشهيدة «أم أيمن» تقول:
« لا أستطيع أن أنام وعيونُ أخواتٍ أُخْرَياتٍ ساهراتٌ، إذا كنتُ قادرةً على أن أحملَ إليهنّ بعضَ البلْسَم، أو أُضَمِّدَ لَهُنَّ بعضَ الجراح، أو أُساعِدَهُنّ على بعض العَزاء..»
وكم قَطَعَتْ بي -وكانت هي التي تقود سيارتنا- مِئاتٍ ومِئاتٍ من الكيلومترات، في ضوءِ النهارِ أو ظُلمةِ الليل، وبهجةِ الصَّحْوِ أو كآبةِ المطر، واعتدال الجوّ أو شدَّةِ الحرِّ والبردِ وتَساقُطِ الثلج، لِنُلَبِّيَ استغاثةَ أُخت، أو لِنَحُلَّ مشكلةَ أُسرة، أو لِنشاركَ بقلوبنا قبلَ أجسامنا وألْسِنَتِنا بعضَ أفرادِ أُسرتِنا الإسلاميّة الكبيرة في بعض الأفراح أو الأتراح.
قلت لها مرّةً:
« ماذا تستطيعين لفلانة؟.. لا أظنُّك تستطيعينَ لها شيئاً
قالت لي:
سأحاول جهدي، فإن عَجَزْتُ.. بكَيْتُ معها على الأقلّ، وشاركتُها الحزنَ والآلام، فأعانتِ الدُّموعُ الدموعَ، وخَفَّفتِ المشاركةُ لَذْعَ المصاب، ونَفّسَتْ شيئاً من كُرْبَةِ الصدرِ والقلب » )

ثم قال السيد عصام : ( يا قارئاتِ ويا قرّاءَ هذه السطور:
قد يُصادفُ الإنسانُ في مجرى حياته كثيرين من أصحابِ العلم والبيان والنشاط والتأثير؛ ولكن قَلَّ أن يُصادفَ مثل هذه المشاركةِ الوجدانيّةِ الحارّةِ المخلصة، وهذه المشاعرِ والعواطفِ الفيّاضةِ الصادقة، التي تسعُ برحمتها وبرِّها وعونها العدوَّ والصديق، والتي تجد ترجمتها الرائعةَ دوماً في العمل قبلَ القول، وفي عطاءٍ عَفْوِيٍّ طبيعيٍّ متّصلٍ لا ينقطع، فما كانت تملك في حياتها إلاّ الرحمةَ والبرَّ والعَطاء..
كانت تقول:
«كم أَسْعَدُ عندما أحمل إلى أخت حزينة شيئاً من العزاء والأمل، وأرُدُّ إليها ابتسامةَ القلبِ والشّفَتَيْنِ ، والأَسارير!
لقد أراد الله لي أن أَسْعَدَ بسعادةِ غيري، وأشقى بشقائهم، كما أسعدُ وأشقى من خلال زوجي وأولادي وأسرتي ونفسي؛ فما أعظمَ سعادتي وأوسعَها، وما أشدَّ ما ينطوي عليه صدري من آلام الأشقياء والبؤساء»

ثم ختم السيد عصام كلامه قائلا : ( شيءٌ غريبٌ نادرٌ هذا الذي أرويه.. أقربُ إلى الخيالِ والأحلامِ والأساطيرِ منه إلى واقع الناسِ هذه الأيام!!

ولكن هكذا كانتْ «أمُّ أيمن» في واقعِها -رحمها الله- إلى حدّ بعيدٍ بعيد ...

إنها حكاية واقعية بطلتها امرأة كانت تأكل الطعام.. ولها من الهموم والرغبات ما لك.. لكنها بقوة إيمانها انتصرت على الرغبات الدنيوية الدنيئة، وسارت بِخُطَىً حثيثة ثابتة في طريق الدعوة الشائك، وعبَرتْه بكل صبر ويقين، حتى فازت بالشهادة ـ نحسب ذلك ـ والله حسيبها وكفيله ).

تابع البقية ....
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس