عرض مشاركة واحدة
قديم 09-26-2009   رقم المشاركة : ( 13 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: ومنوعات ليوم السبت7 شوال 1430هـ - 26 سبتمبر 2009م

أحمد محمود عجاج

مال العرب السائب وعدالة الغرب

مَنْ يرى المقراحي وهو يهم بالنزول من على سلم الطائرة لا يمكنه نكران تعاطفه معه رغم بشاعة الجريمة التي يزعم أنه ارتكبها؛ بمقابل هذا التعاطف يشعر المرء أيضا بالقرف والاشمئزاز من المتاجرة في قضية هذا الإنسان، وتحويلها إلى مناسبة لكسب الأنصار، ومناسبة لحصد العقود التجارية. قدمت الحكومة البريطانية، بالنيابة عن الحكومة المحلية الأسكتلندية، مبرر الإفراج بأنه لدواع إنسانية، ولأن المقراحي على حافة الموت؛ وطبقا للقانون الأسكتلندي فإنه يسمح للمعتقل مهما كان جرمه أن يخرج من السجن إذا كانت فترة عيشه ضئيلة جدا ليموت بين أهله وأحبائه. لكن هذه الالتفاتة الإنسانية تحولت إلى عاصفة سياسية بدءا بواشنطن وانتهاء ببريطانيا. وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون أعربت عن غضبها، وكذلك المدعي العام الأمريكي عن استيائه الشديد، والمعارضة البريطانية على لسان المحافظين عن شكها في نزاهة الإفراج، ولمحت إلى أن ثمة صفقة ما قد عقدت مع العقيد القذافي.
المتابع العربي العادي قد يجد في هذه الزوبعة المفتعلة دليل عافية على ديموقراطية الغرب، وبرهانا على عاطفته الإنسانية، وتعاليا على جراحه. لكن ما يراه لا يعدو عن كونه قشرة رقيقة تخفي تحتها الكثير من الحقائق والوقائع؛ أولا، قبل الحديث عن الإفراج لدواع صحية كان محامو المقراحي قد تقدموا بطلب استئناف لقرار المحكمة، بعدما توفر لديهم أدلة جديدة وشهود لم تكن موجودة في المحاكمة الأولى. وحسب رجل المخابرات الأمريكي السابق الذي شارك في تحقيقات حادثة لوكربي، روبرت بير، فإن " اللعبة بأكملها انتهت بالعمل على الحد من الأضرار لأن الأدلة التي جمعها محامو المقراحي قوية جدا ومدينة للغاية للنظام القضائي الأسكتلندي". كذلك ثمة شهود جدد في القضية إذا ما استدعوا للمحكمة فإنهم سيثبتون أنه من المستحيل أن يكون المقراحي قد اشترى الثياب التي عثر عليها المحققون في حطام الطائرة؛ فهذه الثياب كانت دليلا دامغا عليه لأن التاجر المالطي شهد على أن المقراحي قد اشترى الثياب من متجره. كما توجد أدلة أيضا تؤكد أن علماء البصمات تأكدوا بعد إجراء فحوصات على حقيبة المقراحي لم تكن فيها متفجرة كما يزعم. إضافة لذلك فإن الصحفي الأسترالي جون بليجر الذي تعرض لكل الأدلة السابقة، قال إن ثمة شاهداً أساسياً في المحاكمة كان سببا في إدانة المقراحي عندما أكد في إفادته أنه رأى المقراحي بأم العين مع شريكه خليفة فهيمة، الذي برأته المحكمة لاحقا، يضع المتفجرة على متن الطائرة. هذا الشاهد تبين في الأدلة الجديدة أنه مدرج في برنامج حماية الشهود الأمريكي، وأن محامي المقراحي عرفوا أنه مخبر يعمل في جهاز المخابرات الأمريكية وأنه نال لقاء شهادته جائزة تصل إلى أربعة ملايين دولار.
هذه الأدلة الجديدة كان من شأنها أن تحدث دويا هائلا كان سيزلزل حتما الكثير من النخب السياسية في بريطانيا وأمريكا وبعض الدول الغربية الأخرى؛ لذلك ليس عجبا على الإطلاق أن تسارع الحكومة المحلية في أسكتلندا وكذلك غوردن براون إلى عقد صفقة لا أخلاقية تنتهي بالإفراج عن المقراحي لدواع إنسانية مقابل إسقاط حقه في الاستئناف. هذه الصفقة سترضي بالطبع الجميع؛ القذافي سيظهر أمام شعبه بأنه لن يتخلى عن أي مواطن، وسيظهر نجله كبطل، وستكتمل الفرحة مع احتفالات مرور أربعين عاما على ثورة الفاتح. كذلك ستظهر الصفقة أن براون والحكومة الأسكتلندية فعلا ما يستوجبه القانون، وضمنا فتح صفحة جديدة مع نظام القذافي، والكثير من العروض والعقود. وقد أكد مسؤولون بريطانيون أن نجل القذافي، سيف الإسلام، كان دوما يثير قضية المقراحي كلما أثيرت قضايا تجارية وصفقات. وقد تبين لرجال الأعمال انه من الصعب عقد صفقات مع بقاء تلك القضية، فكان الضغط على الحكومة أيضا لحثها على فعل شيء ما. ولما تبين أن المسألة لم تعد تحتمل التعليق كان قرار الإفراج لدواع إنسانية.
كثير من أهالي ضحايا لوكربي شعروا بخيبة الأمل والغضب لرؤية قاتل، حسب اعتقادهم يخرج من السجن، وبعض منهم استمر في الاعتقاد أن المقراحي ليس القاتل مثل الدكتور سواير الذي فقد ابنته في الحادثة. وبالفعل فإن الاتهام في الحادثة لم يكن محصورا فقط بليبيا بل حامت شكوك قوية آنذاك حول إيران التي هددت وتوعدت بأنها سترد بعنف على إسقاط الأمريكان لطائرة ركاب إيرانية فوق المياه الإقليمية الإيرانية. ورغم تلك الشكوك فإن حكومة تاتشر آنذاك لم تلق لها بالا بل مضت قدما في اتهام ليبيا، لأنها الحلقة الأضعف كما يقول الصحفي بول فوت في تحقيقه المميز " لوكربي: الهرب من العدالة".
القضية انتهت الآن بالإفراج عن المقراحي واحتفالات العودة به في ليبيا على قدم وساق، لكن التداعيات لا تزال قائمة في الغرب؛ ومع اشتداد الانتقادات فإن براون فتح ملفا آخر لتحويل الأنظار عن القضية بطرحه أنه سيساعد أهالي ضحايا الإرهاب الذين سقطوا على يد الجيش الجمهوري الايرلندي. كيف سيساعد هؤلاء؟ قال: بإثارة المسألة مع ليبيا لكونها كانت تدعم الجيش الايرلندي، والبحث مع المسؤولين فيها احتمال دفع تعويضات للضحايا!
مرة أخرى تنتهي المسألة بالمال وبالذات من كيس العرب.
آخر مواضيعي