[رويعي الغنم]

الشيخ سلام وابو عبدالرحمن وبقية الأخوان : من المصادفات الغريبة ألحاحكم على الحديث عن المنشار الكهربائي , ومن المصادفات أن يكون للمنشار الكهربائي علاقة بهذه الشجرة بالذات , وقد أردت أن أرويها في مداخلتي السابقة , ولكنني عزفت عنها , وهاهي تتوارد الخواطر ثانية لتعيدني الى ذلك .
أما وقد رددتم تهمة المنشار, فخذوا هذه القصة المليئة بالعقد , وتعرفون المثل المكاوي , وماذا يحصل للنجارعند عقدة واحدة , فما بالكم أذا تكاثرة العقد على خراش ؟.
وقصتي مع المنشار الكهربائي , أو ما نستطيع تسميته حاليا شجرة الشيخ سلام , حقيقية والله .
فقبل ما يزيد على خمسة أعوام كان لدي منشار كهربائي جلبته من الخارج , ولكنني تذكرت أن كهرباء الطائف لا تصلح لأستخدامه ألا بمحول من نوع خاص ,فأهديته على خال أولادي بالجبيل , وذهبت ذات يوم الى أهل ألأدوات الذين يبيعون المناشير وغيرها في الحفر(بالطائف) لعلي أجد منشارا كهربائيا بمبلغ لا يزيد على الخمسمائة ريال .
ولكنني وجدت المناشير غالية , وقررت صرف النظر عن شراء المنشار , ولكن صاحب محل حضرمي ألأصل في سني تقريبا , أغراني بمنشار أيطالي , وظل يكيل لي المديح في هذا المنشار قائلا أنه يمشي في أثخن ساق شجرة كما تمشي السكين في الزبدة ,وظل يرددها حتى سيل لعابي وغسل مخي , فسألته عن قطع الغيار والأصلاح , فأجابني أنها متوفره , والح علي بشرائه وأقسم أنني لن أندم , وأنه سوف يتكفل بأصلاحه أو أعادة المبلغ لو تعطل المنشار في خلال عام.
وثقت في الرجل وشريت المنشار بتسعمائة ريال , وسلمته حال وصولي الى البيت لسائقي الذي رافقني أثناء الشراء , وطلبت منه أن يقطع به عيدان حطب طوال من كوم كان أمام بيتي , وفي اليوم الثاني وجهت السائق لقطع شجرة ناشئة متعددة السيقان (ربما بسبب تعرضها للقطع سابقا) نبتت تحت صبة الميدة الى جوار باب قراج جاري مباشرة , وسبق أن شكى لي منها , وهي نفسها التي عرفتها مؤخرا بأنها شجرة الشيخ سلام .
ذهب السائق لقصها من الجزء الملاصق للتربة , ويبدو أن المنشار سحب معه مواد صلبة أثناء الدوران, توقف بسببها في منتصف العمل , وجاءني به السائق يحمله على جنبه ويقول : بابا منشار كربان .
فوجهته أن يكمل المهمة بالمنشار العادي , ويعيد المنشار للحضرمي صاحب المحل مع الفاتورة التي لم يجف حبرها بعد , الحضرمي الذي قدم لي ضمانة شفهية أقسم لي فيها أن المنشار لو تعرض لخلل خلال سنة سوف يصلحه على حسابه أو يعيد المبلغ .
سلم السائق المنشار والفاتورة للحضرمي وطلبه مراجعته بعد عشرة أيام ليستلمه بعد ألأصلاح , وعاد اليه مرات وكرات , وأخيرا بعد مضي أكثر من شهرين , أفهم السائق بأن قطع الغيار غير متوفره , وسلمه المنشار عاطلا حيث عاد به الي بدون الفاتورة , فثرت ثورة يعربية وتوجهت مع السائق الى الحضرمي الذي أعتذر عن أعادة الفاتورة بدعوى فقدها بين ألأوراق ووعدني بالبحث عنها وأعادتها , أو تزويدي ببدل فاقد عنها, وطلب تسليمه المنشار ثانية لعله يرسله الى جدة , فهناك ربما تتوفر قطع غياره .
وجلس يماطلنا الحضرمي أشهرا , وأخيرا بعد أكثر من سنه , كنت مارا صدفة في يوم من ألأيام من أمام المحل فتذكرته وركنت سيارتي أمامه بأحد المواقف , وجئت الرجل وسلمت عليه , وكان مزاجي معتدلا , وقلت له أخي , يبدو أنك عزمت على باطل في نفسك , ولقد تعبنا من مراجعتك , وأنت ماطلت في التصليح ورفضت أعادة المبلغ , أو تبديل المنشار , وأدعيت بضياع الفاتورة , ولكن هذا رقم تلفون منزلي , ولك مني يمين بأن لا أعود عليك ثانية حتى تطلبني , أما لتسليمي القيمة أو تسلمني المنشار صالحا , وأن لم تف بما عاهدتني عليه فخذ راحتك , واللقاء معك والحساب يوم الحساب .
ذهب المنشار الذي لم أكن بحاجة ماسة له , ولا بحاجة للآخر الذي جلبته من الخارج , وذهبت معهما الدراهم التي كنت ولا لا زلت بحاجة اليها, وعادت الشجرة أكبر مما كانت عليه , ولا زالت تكبر وتثمر , وعسى أن لا يطال نحسها خزان ماء بيتي الذي لا يبعد عنها سوى قرابة الثلاثين مترا, وأن لا تسحب مني ألأوسمة والنياشين بجريرتها .
ويبدو أن الحضرمي أرتاح للعرض ألأخير, وفضل الحساب يوم الحساب .
والنتيجه , طلع الرويعي هو الكربان (بلهجة السائق).
هذه قصتي مع المنشار الكهربائي , لا أراكم الله كربا ولا كروبا, القصة التي لم أكن أرغب في روايتها , قصتي مع المنشار الكهربائي , ومع شجرة الشيخ سلام سلمه الله , ومع الحضرمي , وشكرا ...