رد : ما وراء ألأكمه / الحلقة السادسه
الجزء الثاني من البحث :.........................
هناك ستّة عناصر لقيام الدولة الثانية ( الآخرة ) نجدها في القرآن الكريم، تُدهش وأنت تراها بعينها عناصر قيام دولة إسرائيل عام 1948م :
1ــ تعاد الكرة والدولة لليهود على من أزال الدولة الأولى. وهذا لم يحصل في التاريخ إلا عام 1948م كما أسلفنا.
2ــ تُمدّ إسرائيل بالمال الذي يساعدها في قيامها واستمرارها، ويظهر ذلك جليّاً بشكل لا نجد له مثيلاً في دولة غير إسرائيل.
3ــ تمدّ إسرائيل بالعناصر الشابّة القادرة على بناء الدولة. ويتجلى ذلك بالهجرات التي سبقت قيام إسرائيل والتي استمرت حتى يومنا هذا.
4ــ عند قيام الدولة تكون أعداد الجيوش التي تعمل على قيامها أكبر من أعداد الجيوش المعادية. وقد ظهر ذلك جليّاً عام 1948م ، على الرغم من أنّ أعداد العرب تتفوّق كثيراً على أعداد اليهود.
5ــ يُجمع اليهود من الشتات لتحقيق وعد الأخرة. وهذا ظاهر للجميع. [ يأتى بيان ذلك بعد أسطر].
6- عندما يُجمع اليهود من الشتات يكونون قد انتموا إلى أصولٍ شتّى، على خلاف المرة الأولى فقد كانوا جميعاً ينتمون إلى أصل واحد و هو إسرائيل عليه السلام . أما اليوم فإننا نجد أنّ الشعب الإسرائيلى ينتمى إلى (70) قومية أو أكثر.
انظر إلى هذه العناصر الستّة ثم قل لى : هل هناك عنصر سابع يمكن إضافته ؟! وهل هناك عنصر زائد يمكن إسقاطه ؟! وبذلك يكون التعريف جامعاً كما يقول أهل الأصول.
لم يرد تعبير: (( وَعْدُ الْآخِرَةِ )) فى القرآن الكريم إلا فى سورة الإسراء، فى الآية (7)، والآية (104). و الحديث فى الآيتين عن بنى إسرائيل: (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ )) ، (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا(104) )) فى بداية سورة الإسراء تمّ تفصيل الحديث فى المرتين، و فى نهايات سورة الإسراء تمّ الإجمال فى الحديث عن المرتين (( فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنْ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا(103)وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا(104) )) أى قلنا من بعد غرق فرعون لبنى إسرائيل: اسكنوا الأرض المباركة، وبذلك يتحقق وعد الأولى. وقد كان القضاء بحصول المرتين بعد خروج بنى إسرائيل من مصر. (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )) . وهذا يعنى أن اليهود بين (الأولى) و (الأخرة) يكونون فى الشتات، بدليل قوله تعالى: (( جِئْنَا بِكُمْ )) ومن هذه الأية تم استنباط العنصر الخامس والسادس: (نجمعكم من الشتات فى حالة كونكم منتمين إلى أصول شتّى). و هذا معنى: (( جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )) . والله أعلم. أما قولنا إنّ الأرض هي الأرض المباركة، فيظهر ذلك جليّاً في الآيتين: (136'137) من سورة الأعراف: (( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ(136)وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا...)) من هنا يمكن أن نوظف التاريخ لتحديد الأرض المباركة شرقاً وغرباً. و المعروف أن بنى إسرائيل سكنوا واستوطنوا فلسطين والتى لم تكن فى الصورة الجغرافية المعاصرة، إلا المشارق والمغارب. وقد بوركت فلسطين فى القرآن الكريم خمس مرات، وقُدّست مرة واحدة:
1- (( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا )) الأعراف: 137 ]
2- (( إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ )) [ الإسراء: 1 ]
3- (( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(71) )) [ الإنبياء: 71 ]
4- (( تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا )) [ الإنبياء: 81 ]
5- (( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً )) [ سبأ :18 ]
6- (( يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ )) [ الملئدة: 21 ]
تتحدث الآية الأولى عن الأرض التى سكنها بنو إسرائيل بعد إخراجهم من مصر و غرق فرعون. وهى الأرض المقدسة التى التى وعدوا أن يدخلوها فى الأية السادسة.
أمّا المسجد الأقصى فمعلومٌ أنّه فى فلسطين. أمّا الآية الثالثة فتتحدث عن نجاة إبراهيم و لوط (عليهما السّلام) إلى الأرض المباركة. ويتفق أهل التاريخ على القول بأن لوطاً عليه السّلام كان فى منطقة (أريحا)، فى حين سكن إبراهيم عليه السّلام (الخليل) ودفن فيها. أما الآية الرابعة فتتحدث عن سليمان عليه السّلام ، و معلوم أن مملكته كانت فى فلسطين، وعاصمتها القدس. أما الآية الخامسة فتتحدث عن العلاقة بين (سبأ) و ( مملكة سليمان) عليه السّلام ، ومعلوم أنّ مملكته عليه السّلام تعدّت في اتساعها حدود فلسطين المعاصرة. أمّا فلسطين فقد كانت الجزء الأساسي والرئيسي في مملكته عليه السّلام .
(( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا )) وَعْظٌ يحمل معنى التهديد.
(( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ )) : إذا تحقق وعد الإفسادة الثانية، وحصل من اليهود العلو و الطغيان، عندها ستكون العقوبة:
(( لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ )) ولم يقل ( ليسوؤن وجوهكم). و فى الأولى كان جواب (إذا) هو (بعثنا). فأين جواب (إذا) فى الثانية؟ أقول : هو أيضاً (بعثنا) و المعنى : فإذا جاء وعد الثانية بعثناهم لتحقيق ثلاثة أمور : ليسوءوا ... وليدخلوا ... وليتبروا.
(( ِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ )) أى يلحقوا العار بكم، أو يُسيئوا إليكم إساءة تظهر آثارها فى وجوهكم . وقد يكون المقصود تدمير صورتهم التى صنعوها عبر الإعلام المزيّف، بحيث تتجلى صورتهم الحقيقيّـة، ويلحقهم العار، وتنكشف عوراتهم أمام الأمم التى خُدعت بهم سنين طويلة. وهذا يكون بفعل العباد الذين يبعثهم الله لتحقيق وعد الآخرة.
(( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ )) المقصود المسجد الأقصى، و الذى بنى بعد المسجد الحرام بأربعين سنة، وفق ما جاء فى الحديث الصحيح.
(( كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) تكون نهاية كل مرة بدخول المسجد الأقصى، و سبق أن بيّنّا أنّ نهاية المرة الأولى كانت عام (586 ق.م)، إذ دمّرت دولة يهوذا. وسقطت القدس فى أيدى الكلدانيين. أما اليوم فقد اتخذ الإسرائيليون القدس عاصمة لهم، ولا شكّ أن سقوط العاصمة، والتى هى رمز الصّراع، لهو أعظم حدثٍ فى المرة الثانية، والتى سمّاها الله (الآخرة)، مما يشير من طرفٍ خفىًّ إلى أنْ لا ثالثة بعد الأخيرة. وهذا مما يعزز قولنا: إنّ هذه هى الثانية إذ لا ثالثة، وقد سبقت الأولى.
(( وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا )) : يدمّرون، ويهلكون، ويُفتّتُونَ كل ما يسيطرون عليه، إهلاكاً، و تدميراً، وتفتيتاً. وذلك يوحى بأن المقاومة ستكون شديدة تؤدى إلى رد فعل أشد. و (ما) تدلّ على العموم وهى بمعنى (كل) و الضمير فى (عَلَوا) يرجع إلى أعداء بنى إسرائيل. ويجب أن لا ننسى لحظة أنْ المُخَاطَب فى هذه النّبوءة هم اليهود: (( لَتُفْسِدُنَّ ... وَلَتَعْلُنَّ ... عَلَيْكُمْ ... رَدَدْنَا لَكُمْ ... وَأَمْدَدْنَاكُمْ ... وَجَعَلْنَاكُمْ ... أَحْسَنتُمْ ... أَسَأْتُمْ ... وُجُوهَكُمْ ... يَرْحَمَكُمْ ... عُدْتُمْ ... )) لذلك يجب أن نَصْرِف الَضّمائر التالية إلى أعداء اليهود فى المرتين : (( فَجَاسُوا ... عَلَيْهِمْ ... لِيَسُوءُوا ... وَلِيَدْخُلُوا ... دَخَلُوهُ ... وَلِيُتَبِّرُوا ... عَلَوْا ... )) .
هل يكون التدمير فى كل الأرض المباركة، أم فى جزء منها؟ النّص لا يبت فى احتمالٍ من الاحتمالين. ولكن يلاحظ أنّ الحديث عن التّتبير جاء بعد الحديث عن دخول المسجد الأقصى، مما يجعلنا نتوقّع أن يكون التّدمير فى محيط مدينة القدس. وتَجْدر الإشارة هنا إلى أنّ (الواو) لا تفيد ترتيباً ولا تعقيباً : ( ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد وليتّبـروا... ) ولكن الترتيب يرهص بذلك. ويمكن تصوّر تراخى الدخول عن إساءة الوجه أمّا الدخول و التتبير؛ فقد يسبق التتبير الدخول، وقد يتلازمان، وقد يأتى التتبير بعد الدخول وهذا بعيد إذا كان من سَيَدْخُل هم أهل الإيمان.
(( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ )) : دعوة إلى التوبة و الرجوع إلى الله.
(( وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا )) : وإن عدتم يا بنى إسرائيل الى الفساد عدنا إلى العقوبة ترغيب و ترهيب يناسبان المقام. فهل يتعظ اليهود بعد هذا الحد؟ المتدبّر للقرآن الكريم يدرك أنّ فئة منهم ستبقى تسعى بالفساد أينما حلوا. قال سبحانه و تعالى فى سورة الأعراف : (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ )) [ الأية: 167 ]. وقال سبحانه فى سورة المائدة : (( وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ …)) [الآية: 64] . وهذه عقوبات دنيويّة تحل بهم لفسادهم.
(( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ..)) فهي إذن بشرى قرآنية.
(( وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ )) : فهي بشرى للمؤمنين السّالكين طريق الحق.
(( وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) )) هي بشرى للمؤمنين وإنذار لبني إسرائيل الذين يؤمنون بالله والرسل بوجه من الوجوه، ولكنهم لا يؤمنون بالآخرة؛ فالعهد القديم يزيد عن الألف صفحة، ومع ذلك لا تجد فيه نصّاً صريحاً بذكر اليوم الآخر.
ختمت النبوءة بالحديث عن القرآن الكريم، فهو يهدي، ويبشّر، وينذر. وهي الخاتمة نفسها التي ختمت بها النبوءة المجملة في الآية (104) : (( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا )) [سورة الإسراء، الآية: 105]. وجاء في التعقيب على النّبوءة المفصّلة: (( وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا )) [الإسراء، الآية: 11] وجاء في التعقيب عليها مجملة: (( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا(107)وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا(108)وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا )) [الإسراء، الآيات: من 106ــ 109] .
هل يقصد بهذه الآيات الحديث عن بعض ردود الفعل على الحدث في حينه، وانعكاسه على أهل الكتاب إيجابياً وإدراكهم أنّ الإسلام حق، واندهاشهم وانبهارهم لحصول النبوءة وفق ما أخبر القرآن الكريم: (( سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا )) : نعم لا بد لوعد الله أن يتحقق. وانظر إلى قوله تعالى (( وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا )) وقوله في الثانية: (( إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا )) . ثم تدبّر خاتمة سورة الإسراء من جهة المعنى والموسيقى: (( وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا(111) )) .
نقرأ في السيرة النبوية الشريفة أنّ الرسول صلى الله عليه و سلم أخرج يهود بني قينقاع من المدينة، ثم أخرج يهود بني النّضير، فنزلت سورة (الحشر) والتي تستهل بالتسبيح كسورة الإسراء: (( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(1)هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ )) قال المفسرون: ( لأول جمعٍ لهم في بلاد الشّام ). والسؤال: ما الحكمة من جمعهم في بلاد الشّام؟ ولماذا اعتبر هذا الإخراج أول الجمع؟ وماذا سيحصل في آخر الجمع؟
ورد فى تفسير النّسفي أنّ الرسول صلى الله عليه و سلم قال عندما أخرج بني النّضير: " امضوا لأول الحشر وإنّا على الأثر" فهل يشير ذلك إلى وعد الآخرة (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )) ؟
فدخول بنى إسرائيل الأرض المباركة بعد موسى عليه السّلام كان مقدمة لتحقق وعد الأولى.
ودخولهم بعد أن أخرجهم الرسول صلى الله عليه و سلم كان أيضاً مقدمة لتحقق وعد الآخرة. أما التراخي في الزمن فلا يعني شيئا، لأن المقصود أنّ هذا مقدمة لحصول الوعد الذى نزل فى سورة الإسراء. فهو مجرد بداية رمزيّة. وأخرج النسفى أن قسماً من بنى النضير سكنوا (أريحا). أقول: لا يكون الجمع فى بدايته حشراً، وإن كان يصح أنْ نقول أول الحشر، لأن الحشر يعنى الجمع الذى يكون معه ضيق فى المكان، والضيق النفسى. وهذا يرهص بأن وعد الأخرة يتحقق عندما يصبح جمع بنى إسرائيل فى الأرض المباركة حشراً.
يقول علماء الأجناس إنّ 90% من يهود العالم هم من الأمم التي تهوّدت ولا يرجعون في أصولهم إلي بني إسرائيل. ويُقرُّ اليهود بأنّ هناك عشرة أسباط ضائعة: ( رأوبين، شمعون، زبولون، يساكر، دان، جاد، أشير، نفتالي، أفرايم ومنسي) [ من هو اليهودي في دولة اليهود ــ عكيفا أورــ دار الحمراء ــ بيروت ــ ط1 ــ 1993 ص147. من هنا ندرك أنّ مسألة الحق التاريخي هي أسطورة اخترعها اليهود الصّهاينة، لأن الغالبية العظمى من بني إسرائيل تحوّلوا إلى المسيحيّة والإسلام.] على ضوء ذلك كيف نقول إنّ يهود اليوم هم أبناء إسرائيل؟ نلخّص الإجابة بما يلي:
1ــ يقول الله تعالى في سورة الإسراء: (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )) والمقصود نجمعكم من الشتات في حالة كونكم منتمين إلى أصولٍ شتّى، على خلاف المرة الأولى.
2ــ أصرّ اليهود على تسمية الدولة الأخيرة هذه (إسرائيل)، فأصبحت البُنُوّة هي بُنُوّة انتماءٍ للدولة. فلا شكّ أنّهم اليوم أبناء إسرائيل.
3ــ إنّ الحكم على النّاس في دين الله لا يكون على أساس العرق والجنس، بل على أساس العقيدة والسلوك. وقد آمن بنو إسرائيل باليهوديّة على صورة منحرفة، فيُلحقُ بهم كل من يشاركهم في عقيدتهم وشرعهم.
4ــ الانتماء الحقيقي هو انتماء الولاء، يقول سبحانه وتعالى في سورة المائدة: (( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )) [المائدة، الآية: 51]
5ــ لا نستطيع أن ننكر أنّ قسماً من يهود اليوم يرجعون في أُصولهم إلى بني إسرائيل، وعلى وجه الخصوص الشّرقيّون منهم.
6ــ قولنا إنّ هناك قسماً من يهود اليوم يرجعون في أصولهم إلى بني إسرائيل هو قول صحيح، لكننا لا نستطيع أن نُعيّنهم ونُسمّيهم. ومن هنا تعتبر القضيّة قضيّة غيبيّة.
يظن البعض أن نهاية الدولة الإسرائيليّة تعني اقتراب اليوم الآخر، وهذا غير صحيح، ولا أصل له.
أمّا قول الرسول صلى الله عليه و سلم " لا تقوم السّاعة حتى يقاتل المسلمون اليهود.... " فقد ذهب بعض العلماء إلى القول إنّ المقصود أنّ الأمر لا بد أنْ يحصل، وليس المقصود أنّ قتالهم من علامات القيامة. أقول: حتى لو كان المقصود أنّ قتالهم هو من علامات يوم القيامة. فمن قال إنّ زوال دولتهم هذه فى فلسطين هو آخر قتالٍ لهم فى الأرض، وإلا فما معنى قول الله تعالى: (( وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا )) ؟! وهل نسينا أن عامّة أتباع الدّجال هم من اليهود وفق ما جاء فى الحديث الصحيح؟!
جاء فى سنن أبى داود، فى كتاب الجهاد: " ... يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدس، فقد اقتربت الزلازل والبلابل والأمور العظام. و السّاعة يومئذ أقرب إلى النّاس من يدى هذه من رأسك" أو كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم . قول الرسول صلى الله عليه و سلم "... الخلافة قد نزلت ..." دليل على أنّ الخلافة سَتُسافر حتى تنزل فى بيت المقدس فتكون آخر دارٍ للخلافة. والتاريخ يخبرنا أنّ الخلافة سافرت من المدينة، إلى الكوفة، إلى دمشق، إلى بغداد، ثم إلى اسطَنْبُول ...ثم ... ثم ... حتى تنزل بيت المقدس. ويؤيّد معنى هذا الحديث قول الرسول صلى الله عليه و سلم : " هم فى بيت المقدس و أكناف بيت المقدس " فعندما يأتى أمرُ الله يكون آخر ظهور للمسلمين فى بيت المقدس و أكناف بيت المقدس. واللافت للانتباه أنّ المسلمين لم يتخذوا بيت المقدس داراً للخلافة، مع أنّ دواعى ذلك كثيرة. ولا أظنّ أنّ الذين سيحرورنها فى هذا العصر سيتّخذونها عاصِمةً و داراً للخلافة. أو بمعنى آخر لا أظنّ أنّ آخر ظهورٍ للمسلمين سيكون عند تحرير بيت المقدس. بل إن آخر ظهور سيكون على يد المهدى الذى سيحكم الأرض بالإسلام، و تكون عاصمة دولته القدس. كانت البداية فى مكة، وستكون الخاتمة فى القدس.
(( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ))
[ الإسراء، الاية: 7 ]
|