عرض مشاركة واحدة
قديم 10-17-2009   رقم المشاركة : ( 6 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: أخــبــار ومنوعات ليوم السبت 28 شوال



عقلنة الدوافع
الأربعاء, 14 أكتوبر 2009
محمد على باناجة


أقوى دوافع السلوك البشرى تلك المستمدة من مشاعر الحب والكراهية، وأخطر ما فيها أنها غير معروفة المصدر والسبب، وكل ما هو غير مضاء بالإدراك والفهم الواعى يستحق الريبة ويستدعى الحذر، فمن ههنا تتسلل الشرور بأمان لا تكتشفها حواس. الحب والكراهية المبنيان على أسباب موضوعية ليسا ما أقصده هنا، وتصفهما بصورة أدق كلمات التقدير والإعجاب والرفض والمقت. فقط عندما لا يتوازن الشعور مع مبرراته يصح أن نفترض مؤثرات من خارج إدراكنا تعمل، وهو افتراض يوجب الحذر والتوقى وإلاَّ سمحنا للحب والكراهية بالعمل خارج السيطرة، وكل شرور هذا العالم راجعة إلى أن هذين الشعورين (بخاصة الكراهية) غير مسيطر عليهما. وفى العلاقات الإنسانية ترى العجب بسبب هذه الدوافع، أعاجيب تدهش مَن لم يكتوِ بالمشاعر المولدة لها، أمّا صاحب تلك المشاعر فيتصرف بتلقائية ولاوعي، وعلى يقين بأن الصواب ما يفعله.. العلاقات السياسية والدولية باعتبارهما علاقات إنسانية ليسا بمنجى من هذا السلوك، وإن بدرجة أقل، لذلك فالعلاقات الإنسانية مدخل من مداخل فهم السياسة والعلاقات الدولية، وهذا ينبئك بأن أمورهما لا تدار أحيانًا بمنطق واعتبارات المصالح والعقل. سأستعين بالعلاقات التركية الأرمينية كمثال للتوضيح، وقد وقّع البلدان فى سويسرا مؤخرًا اتفاقية بفتح الحدود المشتركة، وتبادل التمثيل الدبلوماسي، الحدود التي أغلقت عام 1993 عقب غزو أرمينيا لإقليم ناجورني كاراباخ في أذربيجان التي تعتبر تركيا حليفتها الإقليمية الوحيدة، بينما ترتبط أرمينيا بعلاقات مشابهة مع روسيا. وراء هذه التحالفات والخصومات كالمعتاد منافسات إقليمية ومصالح إلاّ أنهما ليسا كل ما هنالك، وراءها أيضًا عداوات خارج سياج العقل، وإلا لأدارت أرمينيا علاقاتها الخارجية بشكل أكثر حذرًا، فوضعها الإقليمى صعب ومعقد لكونها دولة داخلية بلا منفذ بحري إلى العالم الخارجي، صراعها العسكرى مع أذربيجان أغلق حدودها الشرقية كما أغلق حدودها الغربية مع تركيا، وما عاد لها من طريق الى الخارج سوى جورجيا المتورطة مع روسيا (حليفتها) في نزاعات لا تنتهي.. ثمة نزاع أرمني تركي قديم إلى درجة تجعله ساقطًا من ذاكرة الأحداث وسابقًا على أحداث عام 1915 التى تجعلها أرمينيا نقطة مركزية فى علاقتها مع تركيا، حيث تصر على استصدار قرار دولي أو على الأقل من الكونجرس الأمريكي باعتبار تلك الأحداث من أعمال الإبادة العرقية، رغم أن وقائعها غير موثقة بشكل مقبول علميًا ومختلف عليها بين المؤرخين، وهي في كل الأحوال ليست السبب فى النزاع إنما مظهر من مظاهره، الدوافع الحقيقية لم تعد معقلنة إنما مطمورة في حنايا اللاوعي. الاتفاق الذى وقعه البلدان في سويسرا بارد برود الجليد، وانفضت المفاوضات بلا بيان ختامي لأنهما اختلفا حول كلماته، ولولا الضغوط الأمريكية والروسية لما كان ثمة إتفاق. من بين ما توصلا اليه تكليف لجنة من المؤرخين لتقصي حقائق ما جرى عام 1915، وأؤكد لك من الآن أنها لن تتوصل إلى تقرير حاسم بسبب طبيعة الموضوع، وإن صدر تقرير فسيكون مسيسًا ضعيف التأصيل العلمى.
الرئيس أوباما أثناء حملته الانتخابية وعد بتأييد مطالب اللوبى الأرمني فى واشنطن، وهو لوبى هزيل إذا ما قورن باللوبى الإسرائيلي هناك ، وعلى هزاله هو مصدر صداع مستمر للعلاقات الأمريكية التركية. هذا ما جعل إدارة أوباما تتبنى مقولات أرمينيا حليفة روسيا ضد بلد عضو فى الناتو! ولأن موسكو وواشنطن بصدد تخفيف توترات علاقتهما فتلطيف النزاع الأرمني التركي نقطة مناسبة للبدء بها. يقولون بأن الغرض من ضغوط اللوبى الأرمنى الحصول على تعويضات مالية من تركيا ، لو أن الموضوع قانونى بحت لا أحسبهم سيحصلون على سنت، فالبحث فى قضايا انتهاكات حقوق الإنسان بأثر رجعى (لا يوجد نظريا ما يمنع عن امتداده الى أعمق أعماق التاريخ) لا قيمة عملية أو قانونية له ، مع اعترافى بأن للسياسة حلزونيات قد تفاجئنا، الأرجح لا غاية وراء هذا الجهد الأرمنى سوى الانتقام لشفاء ما فى الصدور من عداوات دون أن يخدم أو يحفز إيجابيات متوقعة . أهم ما يعيب العقلية الشرقية وقوعها تحت سحر أوهامها وتعلقها بها بما يسهل أسطرة التاريخ ، أى إلحاقه بعالم الأساطير وذلك بتجنب تمحيصه، فلا يعود مادة قابلة للتحليل إنما مقولات دجماتية لا تقبل النقاش وليس له إلاّ تفسير واحد وصورة واحدة، ممّا يجعل الماضى تراثًا غير مستفاد منه، والأخطر قد يجعله عبئًا على الحاضر والمستقبل. هذه حالة شرقية لا تخص الأرمن وحدهم ولا العرب وحدهم، تسيطر فيها حوافز اللاوعى على الأفكار والأفعال، ويتأسطر التاريخ بما يخدم الأيدولوجيا الغرائزية لا العلمية!
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس