تركي الدخيل
ملاكمة انتخابات جدة!
جزى الله خيرا المصوّرين الذين رصدوا الملاكمات التي حدثت بين الأعضاء المرشحين في انتخابات غرفة جدة، حيث ساعدوني على الضحك من أعماق قلبي، على هذه المشاهد التي تكشف عن أن إنسان الغابة البدائي لم يتغير مع أنه وصل إلى بلاط غرفة جدة. فاللكمات المتبادلة كانت مدروسة، أحدهم يحاول الوصول بكفه المقبوضة إلى عين الخصم ليوجه له ضربة قاضية تنهي تاريخ نظارته أو تنهي تاريخ عينه، أو على الأقل يضع له في عينه "تاتو" يذكّره بالملاكمات الديمقراطية التي تتحفنا بها الغرف التجارية كل سنة!
لا تكاد تشاهد في الصور إلا الشمغ وقد ترجّلت عن جماجم أصحابها، ليبقى العضو الشامخ حاسر الرأس، مشتبكاً بيده مع العضو الآخر، كأني بهم وقد تأجج غضبهم يريدون الفوز من أجل خدمة الوطن!
إذا كانت لديكم المشاريع التي ستخدم الوطن فلماذا تستخدمون تقنية الملاكمات والمضاربات والعضّ؟
كل مشاريعكم موجودة في الأوراق والملفات، وبعضكم لم يقصر، وضع إعلانات على الانترنت وظهر حتى شبع في الفضائيات، فهل تريدون فرض مشاريعكم الورقية بالقوّة؟!
الديمقراطية أساساً تقوم على المنافسة وتوطين النفس على إمكانية الخسارة... الديمقراطية لا تعني شراء الأصوات، ولا الفوز بالقوة ولا الضرب والركل، إنما تعني التصويت، والشريحة التي تقرأ المشاريع أو المخططات هي ترشح من تقتنع به، ولا داعي لكل المناوشات، والملاكمات اليدوية. الناس الذين يطمح المرشح إلى استمالة أصواتهم ليسوا موظفين عنده في شركته أو في مشروعه، وإنما يريدون مبررات مقنعة لانتخابه، ولا يحق له مهما مارس كل أنواع الملاكمة أن يقوم باستمالتهم ولو سنّ عقاله وساطهم به على ظهورهم.
إنني هنا لا أعمم، أعلم أن الذين اشتبكوا هم فئة محدودة، لكن هذا لا يعني الكف عن نقد الممارسات التي تحدث في الانتخابات.
بعض الصحف هوّنت من الحادث واعتبرته اشتباكاً طفيفاً بين أبناء المرشّحين!
يعني أن آباءهم أتوا بهم إلى الغرفة للتسلية واللعب بالأجهزة، والتلهي بها، ثم بعد أن ملّوا وضجروا من اللعب بدأوا بالعراك!
الديمقراطية ثقافة وليست ممارسة، وكي تمارس الديمقراطية لا بد أن تكون ثقافتك متحضرة، فتحترم الآخر، و تمنحه فرصة الحديث. بل وأن تعترف له وتبارك له في حال فوزه عليك. هاتوا لي مهزوماً عربياً اعترف أن خصمه قد هزمه لأنه مجتهد، ولأنه تفوق عليه في مشروعه! قصارى ما يقولون في حال الخسارة "الانتخابات مزورة" أو: "هذا مدعوم".