الوطن :الثلاثاء 1 ذو القعده 1430 ـ 20 هـ العدد 3308
التعليم: تطوير أم إصلاح أم تغيير؟!
فاضل العماني
يبدو أن النزاع المحتدم بين الأطراف المختلفة حول التعليم في السعودية يُصاب ما بين الفينة والأخرى بنوبات من المد والجزر تبعاً لمعطيات الحالة المزاجية التي تقتضيها الظروف الموائمة لحضور هذه الأزمة المستعصية التي لم تزدها السنوات الطويلة إلا تعقيداً وصعوبة, ولعل البداية الاستثنائية للموسم الدراسي لهذا العام بسبب "الاجتياح" الكبير لأنفلونزا الخنازير والتداعيات الخطيرة التي نتجت عن هذا الوباء الخطير ـ بحسب منظمة الصحة العالمية ـ الذي أصاب كل دول العالم بلا استثناء في ظاهرة فريدة تطل على العقد الأول من القرن الـ21, لتُعيد للذاكرة الإنسانية تلك الصور المرعبة للأوبئة الفتاكة التي حصدت الملايين من البشر كالطاعون والكوليرا والسل والجدري والأيبولا والإيدز . تلك البداية المحبطة والمخيفة للدراسة في السعودية ـ وفي معظم دول العالم ـ بسبب أنفلونزا الخنازير لم تمنع, بل على العكس تماماً زادت من حدة الخلاف حول التعليم في السعودية, وهنا نستحضر المقولة القديمة: الأزمات تحضر مُجتمعة!أثناء تحضيري وإعدادي لهذا المقال البسيط, تابعت العديد من الدراسات والمقالات التي تُعنى بشأن التعليم, كما قرأت بتمعن وهدوء الكتاب المهم "إصلاح التعليم في المملكة بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية" للدكتور أحمد العيسى عميد كلية اليمامة, إضافة إلى خبرتي المتواضعة في مجال التعليم لأكثر من عقدين . آخر تلك الحِراكات ـ أو الحَركات لا فرق ـ التعليمية التي تُحاول تفكيك البنية المعقدة لواقع التعليم الوطني, أو تُمارس نوعاً من "وخز" الإبر الصينية لتنبيه جسد التعليم الوطني الذي يُعاني من الكسل والجمود والتخشب, هي الورشة العلمية "إصلاح التعليم في الدول العربية: المملكة العربية السعودية أنموذجاً" والتي أقيمت في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض قبل عدة أيام وتحديداً في الفترة 11 ـ 13/10/2009 . حقيقة لم أدهش ـ كما حدث لغيري ـ لمعركة المصطلحات التي دارت رحاها في تلك الورشة, لأنني ولله الحمد مُحصّن من كل تلك المصطلحات الرائجة بسبب حضوري للعديد من الورش والملتقيات والمؤتمرات والتي تعج عادة بحزمة كبيرة من المصطلحات والنظريات والإستراتيجيات جنباً إلى جنب مع تشكيلة واسعة من أطباق البوفيه المفتوح الممتلئ أيضاً بما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات, وكأن تلك "التجمعات النخبوية" لا تحفل إلا بالبوفيه المفتوح للمصطلحات والنظريات والمأكولات والمشروبات, أما غير ذلك فمجرد تفاصيل ونقاط هامشية لا تجد من يلتفت لها غير خانة محشورة بالكاد في سلسلة طويلة من التوصيات التي لم تتم مناقشتها فضلاً عن تفعيلها أو تنفيذ بعضها! لقد انشغل "المؤتمرون" بمصطلحي التطوير والإصلاح وأيهما الأكثر دقة وملاءمة لواقع التعليم في السعودية, في حين أن الموضوع أهم وأكبر بكثير من مجرد صراع لفظي أو تعريف افتراضي . لم أهتم بحرب المصطلحات تلك, ولكنني تابعت بدهشة وإعجاب ورقة العمل الرائعة "رؤية خاصة حول واقع التعليم في المملكة" التي قدمها الدكتور راشد العبدالكريم رئيس الجمعية السعودية للعلوم التربوية "جستن", وذلك ضمن فعاليات الورشة نفسها, تلك الورقة المهمة التي شخصت بكل دقة وصدق وشفافية الواقع الحقيقي للتعليم في المملكة العربية السعودية بعيداً عن المواربة والمزايدة والخداع . لقد وضعت ـ أي تلك الورقة ـ يدها على مكامن الخلل وكشفت أسباب العلل التي أدت إلى تدني النظام التعليمي في السعودية . أشارت الورقة إلى التخبط الذي لازم التعليم الثانوي بإصداراته المختلفة كالمطور والشامل والرائد والمرن أو ما يُعرف بنظام المقررات . والأمر نفسه تكرر في المرحلة الابتدائية التي تُعتبر الأساس المتين لنجاح مسيرة الطالب في كل مراحله الدراسية, حيث لم يتم تقويم نظام الصفوف الدنيا حتى الآن, كما لم يواصل "التقويم المستمر" صعوده للمرحلة المتوسطة كما قُرر له رغم فاعليته الواضحة . كما ناقشت الورقة أيضاً النقص الواضح في المهارات المختلفة للمعلمين بسبب ضعف التأهيل والاختيار غير الدقيق للمعلمين بناء على معايير يحكمها العرض والطلب بينما تغيب الكفاءة والملامح الشخصية والاستعداد العلمي والتربوي والنفسي . أيضاً تطرقت الورقة إلى المباني الحكومية التي تفتقر إلى البيئة الجاذبة للتعلم وممارسة الأنشطة واكتساب المهارات والهوايات . كذلك انتقدت الورقة بشدة فعالية النظام الإشرافي الخاص بالمعلمين والمدارس وذلك بسبب الزيارات الشكلية والمتباعدة والقليلة . الورقة مُشبعة بالانتقادات الكثيرة والتساؤلات الكبيرة والأرقام الخطيرة, دون أن تغرق في بحر المصطلحات الذي لا شاطئ له . لقد استطاعت هذه الورقة المهمة أن تدق ناقوس الخطر معلنة تدني مستوى التعليم في هذا الوطن في كافة تفاصيله, الطالب والمعلم والمدير والمنهج والإشراف التربوي والمبنى المدرسي والإدارات التعليمية بمختلف مستوياتها . إنها ورقة مثيرة وجديرة تستحق الإعجاب والتقدير والاهتمام . إن المملكة العربية السعودية وهي في خطواتها الأولى من القرن الواحد والعشرين تسعى لتحقيق التنمية الشاملة بأذرعها المهمة العلمية والاقتصادية والاجتماعية, وذلك من خلال الدفع بأجيال متعلمة ومستنيرة وقادرة على تحمل المسؤولية والعطاء والإنتاج والتفاعل والمشاركة والمنافسة لأنها الأمل المشرق والمستقبل الواعد لهذا الوطن الكبير, وذلك لن يحدث إلا بثورة حقيقية وصادقة على كل مفاصل النظام التعليمي . الدعوات الخجولة التي تُنادي بتطوير وإصلاح وتغيير التعليم في الوطن, تُقابلها صيحات مُنكِرة ـ أو مُنكَرة لا فرق ـ تُحرض على كبح جماح التيارات العلمانية والليبرالية والتغريبية التي تجعل من قضية التعليم ذريعة للتسلل إلى أسوار المجتمع السعودي "المحافظ" لتنفذ مآربها التآمرية خدمة لأجندات وطموحات تُريد النيل من هذا الوطن الطاهر!حربٌ شعواء بين فسطاطين, وقودها المصطلحات والمصطلحات المضادة, أما "الخاسر الأكبر" فهو بلا شك النظام التعليمي السعودي الذي تاه في أتون تلك الحرب .
الوطن :الثلاثاء 1 ذو القعده 1430 ـ 20 هـ العدد 3308
ثورة شاملة لإصلاح التربية
عبدالرحمن الشلاش
بداية قصدت إصلاح التربية ولم أذكر التعليم لأن التعليم جزء من التربية التي تشمل التعليم والتهذيب وترقية السلوك وكافة المناشط والفعاليات التربوية التي يجري التخطيط لها على مستوى الوزارة بمشاركة الإدارات الوسطى ويتم تنفيذها داخل المدرسة أوحتى خارجها . وإصلاح النظم التربوية هم كبير يشغل كل الدول التي تنشد التقدم وحتى الدول المتقدمة لا يغرب عن فكرها التخطيط للإصلاح من جديد عند بزوغ أي مؤشر يعطي الدلالة على ضعف في المخرجات أوتدن في النتائج المتحققة في سلم الترتيب العالمي . . وهو مادفع أمريكا لأجراء اصلاحات شاملة في نظامها التربوي لمجرد أن الاتحاد السوفيتي قد أطلق آنذاك أول مركبة فضائية . . وهو نفس الدافع الذي جعل اليابان تتجه بكل ما تملك لإصلاح نظامها التربوي في أعقاب الحرب العالمية الثانية لتقف بعد سنوات قليلة في الصفوف الأمامية لأكثر الدول تقدما . وفي وطننا الغالي المملكة العربية السعودية لا أنكر البتة أن جميع من تعاقبوا على وزارة التربية قد حاولوا إصلاح هذا الميدان . . وأسهموا في تحقيق نتائج كمية مقبولة وأقل من مقبولة على المستوى النوعي . . والسبب في نظري يعود إلى أن كل تلك التحركات قد تغاضت عن المنظور الشمولي للإصلاح من جهة . . مع تضافرالمعوقات الإدارية وضعف بعض الكوادر البشرية التي تصدت للإصلاح من جهة أخرى . . ويضاف إلى كل ذلك ضعف التفاعل مع خطوات الإصلاح وسيادة الروح المحافظة والمثبطة والتي تعشق الاستمرار على القديم خوفا من الجديد ومرد ذلك إلى قصور واضح في استشراف المستقبل وضعف في قراءة الواقع . . يضاف لكل ما أسلفت سبب جوهري يتمثل في استغلال جماعات الضغط لنفوذها في إيقاف كثير من الخطوات الإصلاحية في منتصف الطريق . اليوم ووزارة التربية والتعليم تواصل مسيرتها تحت قيادة جديدة وفكر مختلف يحمل هم الإصلاح ويملك القدرات على التنفيذ في عهد ملك الإصلاح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدا لله بن عبد العزيز-يحفظه الله- نجد أن المناخ مهيأ أكثر من أي وقت مضى للقيام بثورة شاملة وليست جزئية لإصلاح التربية بكل مكوناتها المادية والمعنوية . . وحتمية الإصلاح كما هو معلوم تفرضها المتغيرات السريعة التي تجتاح العالم . . والسباق المحموم بين الدول لحيازة قصب الريادة وتبوء الصدارة واللحاق على أقل تقدير بركب الدول المتقدمة . . والخروج من واقع التعليم الحالي الذي لا يمكننا بأي حال من السير على أقدامنا وتحريك عقولنا وتوليد الأفكار الطموحة فما بالكم ونحن ننشد الأفضلية ونحاول دخول مضمار التنافس العالمي الذي لا بقاء فيه ولا استمرار إلا للأقوياء . وأعتقد أن أولى خطوات الإصلاح ترسخ قناعة عميقة لدى الوزارة بضرورة الإصلاح واعتراف بوجود مشكلات تحتاج إلى علاج وحاجة ملحة لإحداث التغيير . . ومبادرة عاجلة لوضع كل تلك المشكلات تحت المجهر . . وهي مشكلات يعرفها حتى رجل الشارع البسيط . . ويأتي في مقدمتها سوء البيئة المدرسية في كثير من المدارس . . وقصور المناهج . . والمشكلات التي تحيط بالمعلم . . وضعف دافعية معظم الطلاب للتعليم . . واتجاهاتهم السلبية نحو المدرسة . . وتدني مستوى القيادات التربوية وخاصة ما يتعلق بالجوانب التطويرية . . وهذا يعني أن الإصلاح المنشود يجب أن ينتظم كل قطاعات التربية دون استثناء . . وحشد لكل المنتسبين للميدان التربوي للمشاركة في الإصلاح وهذا لن يتيسر مالم نغير قناعا تهم ونحفزهم على المشاركة ليحمل كل تربوي هم الإصلاح وكأنه الرجل الأول في الوزارة وتحقيق هذا الأمر مرهون بقدرة الوزارة على غرس الانتماء للمهنة لدى الجميع وأن ما يقدم من أي فرد يعتبر عظيما ومحل تقدير من الوزارة وحتى لو كان بسيطا . . وأن نتائج هذا الإصلاح ستنسب للجميع . . وتهيئة الميدان التربوي والمجتمع المحيط لتقبل التغيير والتجديد المنتظر وقد يستغرق هذا الأمر وقتا طويلا لكنه سيسهل المهمة في نهاية الأمر . ولابد أن يرتبط الإصلاح بثقافتنا وهويتنا الوطنية ولا يغلب عليه الاستنساخ الكامل مع فتح المجال للاستفادة من أفكار الدول الأخرى وخاصة تلك الأفكار التي تسهم في دعم عمليات الإصلاح لاتلك التي ترقع ولا تصحح ليظهر النظام التعليمي وكأنه ثوب مرقع . . ولابد من الإيمان بأن طريق الإصلاح طويل وشائك ومليء بالعقبات ونتائجه قد لا تتحقق إلا بعد بذل جهود مضنية وصبر طويل . . ومدى زمني كبير . وكنت قد ركزت في مقالي "تربية بلا شعارات" على أننا نحتاج إلى العمل الجاد دون اللجوء إلى الشعارات المضللة والأحلام الخيالية . . وتأسيسا عليه تبدو الحاجة مضاعفة لرؤية تربوية تستشرف المستقبل بكل أبعاده . . وتنبثق منها أهداف واضحة قابلة للتطبيق وإمكانات مادية وبشرية تساعد على تسريع خطوات الإصلاح مع مرونة في الجانب الإداري والمالي . . والتركيز على مكونات العملية التربوية . . بحيث تكون البداية بتهيئة فكر قادة التغيير وتحويله إلى فكر خلاق مبدع عاشق للتجديد والتطوير بدلا من الفكر الخامل الكسول الذي ألف السكون والركود والقناعة بالواقع والتكيف مع الروتين . . وعشق المنصب ليأخذ أكثر مما يعطي . . والبحث في الميدان عن القادة وخاصة من الشباب وإعدادهم لتولي المهام الجديدة . ولابد أن تسرع الخطى لإصلاح البيئة التربوية لتكون بيئة جاذبة لا طاردة . . وإصلاح أحوال المعلمين . . واستقطاب المميزين للعمل . . وتطوير المناهج بتخليصها من الحشووالموضوعات البعيدة عن واقع الحياة وتحويلها إلى مناهج عملية تكسب الطلاب المهارات التي تفيدهم في حياتهم العملية . . وتحول المعارف إلى سلوك وقيم تطور وتنمي شخصيات الطلاب . . وسأتناول في مقالات قادمة كل مكونات العملية التربوية لتكون الصورة واضحة لنا جميعا .