عكاظ : الثلاثاء 1430/11/01 هـ العدد : 3047
خواطر حول انفلونزا الخنازير
فاطمة بنت محمد العبودي
أكتب هذا المقال يوم السبت في أول أيام الدراسة للمرحلة الابتدائية، وقد تنازعتني مشاعر عدة، مشاعر الأم التي تخاف إصابة ابنتها بمكروه، وبين الالتزام والانتظام الذي طالما ناديت به كتربوية، خاصة أن ابنتي الصغرى اشتاقت إلى المدرسة وأخذت تعد الأيام انتظارا لها، بعد غياب دام أكثر من أربعة أشهر، وسبب تخوفي هو سماعي إشاعات عن انتشار انفلونزا الخنازير في بعض المدارس، وما قرأته في بعض الصحف عن ظهور بعض الإصابات وإن لم تكن المعلومات واضحة، وما زاد من ترددي هو ما سمعته من أن العديد من المعلمات لن يرسلن أطفالهن إلى المدارس خوفا من العدوى بانفلونزا الخنازير . لكن ما قامت به وزارة التربية والتعليم من تدرج في عودة الطالبات إلى مقاعد الدراسة، كان حافزا لي على اتخاذ قرار إرسال ابنتي إلى المدرسة، فالأمور في مقر عملي في الكلية طبيعية وابنتي في المرحلة الثانوية قد سبقت أختها في بدء الدراسة بأسبوع، ولم تلاحظ أمرا غير طبيعي في مدرستها . رقيت ابنتي بالمعوذات ولاحقتها دعواتي بالسلامة وزودتها بكمامة ومناديل ومعقم لليدين وأعدت عليها ما تسمعه دائما عن احترازات السلامة، بعد أن حرصت على تناولها ملعقة من العسل يوميا، وهاهي تعود من المدرسة وهي تبدو سليمة بحمد الله، أدام الله عليها وعلى القراء الأعزاء ومن يحبون السلامة والعافية . في أحيان كثيرة يتوجب علينا اتخاذ القرار في أمور هامة في حياتنا، خاصة حول الصحة، وتعتمد قدرتنا على اتخاذ القرار الصائب على أمور عدة، منها وضوح الرؤية والشفافية حول تلك الأمور من الوزارات المعنية تساندها في ذلك وسائل الإعلام، ومنها ما نمتلكه من مهارة التفكير المنطقي التي تخفف من انسياقنا وراء الشائعات، كذلك مدى إيماننا بقوله صلى الله عليه وسلم «اعقلها وتوكل» لكن بعض الناس تغلب عليهم العاطفة، فيحكمون عواطفهم بدل عقولهم . إن الوضوح والشفافية وذكر الإحصائيات الدقيقة في وسائل الإعلام المختلفة عن عدد الإصابات ونوعية الحالات المصابة وأعمارها ومكان وجودها، والوجهة التي يقصدها من يشتبه بإصابته، مما يحد من انتشار الإشاعات ومما يساعد على تصرف الناس بعقلانية وبدون هلع، على عكس ما قد يسببه التكتم من بيئة مناسبة لانتشار الشائعات، وتهويل الأمور، خاصة مع وجود الإنترنت وتداول الأخبار غير الدقيقة في المنتديات وسرعة انتشارها . أما عن لقاح انفلونزا الخنازير، ومدى سلامته وخلوه من الأعراض الجانبية، وهل نتجرأ ونستعمله، فهو قرار آخر علي اتخاذه تشاورا مع زوجي، رب الأسرة، ومع أنني أؤمن بنظرية المؤامرة إلا أن ترددي في استخدام اللقاح ليس سببه المؤامرة لكنه لقاح جديد لا يمكن الجزم بالاستفادة منه دون أضرار، وما دامت أمور العدوى في الحدود الطبيعية، فإن خيار عدم التطعيم ما زال الأنسب من وجهة نظري في هذا الوقت، وقد يتغير رأيي في حال استجدت أمور أخرى وعندها لكل حادث حديث .
المدينة : الثلاثاء 1430/11/01 هـ العدد : 16980
التخطيط للتعليم والاقتصاد . . وجهان لعملة واحدة
د . محمد عثمان الثبيتي
يرتبط التخطيط بالاقتصاد ارتباطاً وثيقاً خاصة في ظل الظروف الجديدة التي اتجه فيها الاقتصاد العالمي إلى مرحلة تحرير التجارة الدولية من القيود والاشتراطات التي تعمل على إيجاد عالم بلا حدود، أو إلى العولمة الاقتصادية . ويأتي التخطيط للتعليم أحد أبرز الجوانب التي يجب أخذها في الاعتبار على أساس أن التعليم موجه لكافة شرائح المجتمع، وهو السبيل الأمثل لإعداد القوى البشرية المؤهلة لتنفيذ السياسات والخطط التي ترسمها الحكومات بكل اقتدار متسلحة بالمهارات اللازمة للتطبيق المتوائم مع متطلبات العصر، ولقوة الإمكانيات الاقتصادية التي تلعب دوراً مهماً في النظام التعليمي من حيث إيجاد فرص عمل للمتعلمين، وتحسين نوعيته، فمتى ما وجهت هذه الإمكانيات التوجيه السليم فإنها ستعود بالمنفعة والفائدة على المجتمع . وأثبتت الدراسات عمق العلاقة بين التعليم والاقتصاد، إذ يقوم كل منهما بمهامه المناطة به في إطار عملية تكاملية متميزة، فالاقتصاد يدعم التعليم مادياً، والتعليم يدعم الاقتصاد بالقوة البشرية المؤهلة تأهيلاً علمياً للقيام، وبناءً على هذه العلاقة التبادلية فقد تحول التعليم من تحقيق حاجات الفرد ومطالبه الشخصية، إلي حاجات المجتمع ومطالبه المختلفة . لذا يمكن تحديد أبرز العوامل التي أدت إلي تنمية دور التعليم في المجال الاقتصادي في ازدياد مطالب النمو الاقتصادي، ورغبة الدول النامية والمتقدمة في إحداث مزيد من التنمية الثقافية والاجتماعية، وإيجاد معادلة تربط بين حاجة النمو الاقتصادي إلي الأعداد الكافية من الأفراد المؤهلين وبين النمو التعليمي من ناحية، وبين المهارات والمعارف اللازمة لمجالات التنمية المختلفة، وبين مستويات التعليم وأنواعه من ناحية أخرى؛ مما يؤكد أهمية ربط السياسة التعليمية بحاجات السوق الاقتصادية، الأمر الذي يتطلب ضرورة تغيير محتوى التعليم بحيث يتلاءم مع متطلبات العصر، ويحقق الاستفادة الكاملة من الطاقات والقدرات التي يمتلكها الأفراد . إلا أن هناك تحديات تواجه الأنظمة التعليمية في علاقتها بالواقع الاقتصادي تتمثل في ضعف تطابق مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل، وافتقارها للمرونة للتكيّف مع احتياجاته المتغيّرة، ونمطية التعليم الثانوي، وعدم اهتمامه بالبرامج التقنية والتطبيقية؛ نظراً لعدم قيام خططها المنفذة على أسس علمية مرتكزة على التخطيط التربوي محوراً للتخطيط الشامل؛ مما انعكس سلباً على عدم إحداث أثر عملي للتعليم في تحسين النمو الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل في ظل إيماننا بوجود العولمة على أرض الواقع كمؤثر يضاف إلى جملة المؤثرات على مستقبل العالم، وعدم قدرة الدول على مقاطعتها، والسير في تيارات مضادة لها، لتفادي آثارها . ولمواجهة العولمة وجب على المخططين للتعليم إعادة صياغة مفهومه، وتنظيمه لتحقيق الاستغلال السليم للموارد المتاحة، وإيجاد موارد جديدة، وتحسين خدماته المرتبطة به وتنويعها لشحذ همم العاملين فيه، وتنمية روح النقد الهادف، وإكسابهم القدرة على الإبداع والابتكار . وهذا يعني أن العولمة التي يشهدها المجتمع الدولي تخلق تحديات جسيمة أمام الدول العربية في عملية التكيف مع المتغيرات الهيكلية، أو في تحقيق القدرة التنافسية العالمية، أو في إمكانية التفاعل مع المتغيرات الجديدة؛ بشرط ألاّ تخل هذه المتطلبات بثوابت المجتمع المرتكز عليها؛ لأن العولمة ستخلق شكوكاً للأجيال القادمة، نظراً لعدم استجابة النظام التعليمي لسرعة التغيرات من أجل توجيه الموارد البشرية نحو الفرص المستحدثة، وعدم توافر رأس المال البشري المتمكن من المهارات والاتجاهات التي يتطلبها سوق العمل، من أجل التحول إلى مجتمع مستقبلي يؤمن بأن التعليم عملية مستمرة في عالم متغيّر . لذا قامت مراكز البحوث في العالم باستشراف المستقبل للبحث عن بدائل تؤدى إلى استثمار الوقت وتوظيف قدرات الطاقات البشرية، والاستخدام الأمثل للموارد المادية منها: ضرورة وجود آلية محددة وواضحة لتفعيل العلاقة المتنامية بين التعليم والاقتصاد بصفتهما وجهين لعملة واحدة، والنظر بموضوعية إلى محتوى التعليم بصورة مستمرة وتطويره لمواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتلاحقة، والتأكيد على دور التعليم المؤثر في تنمية الوعي الاقتصادي، والمحاولة الجادة لتغيير النظرة الدونية لمزاولة بعض الأعمال الحرفية والمهنية لحاجة المجتمع الملحة لها، والتركيز على تدريب وتأهيل الموارد البشرية من الناحية النوعية، وفق مفاهيم ووسائل حديثة ترتكز على الأساليب التقنية، وتفعيل دور التعليم الخاص للقيام بدوره المناط به مشاركة مع التعليم الحكومي، ورسم استراتيجية لتنمية الموارد البشرية يتم من خلالها تحقيق التوافق بين سياسات وخطط التعليم والتدريب من جهة، ومتطلبات سوق العمل من جهة أخرى، والاتجاه نحو اللامركزية في تفويض المسؤوليات الإدارية بهدف تقليل التكاليف التعليمية، والتعامل مع العولمة على أنها أمر واقع ومحاولتنا الجادة صبغها بطابعنا العربي الإسلامي لا السير وفق إطارها الغربي عند رسم السياسات التعليمية لمسايرة متطلباتها وتحدياتها .