ومن الدَّيْنِ ما قتل
حسن الحارثي
يتداول في التراث الشعبي مثل شهير هو «لا وجع إلا وجع الضرس ولا هم الإ هم العرس»، وهناك من يرد على هذا بقول أكثر بلاغة وواقعية «لا وجع إلا وجع العين ولا هم إلا هم الدين». والدين -ياسادة ياكرام- أصبح ثيمة هذا العصر وعنوان أهله. فقط التفت يمينا أو شمالا، واسأل من يجاورك في المكان «هل أنت مديون؟». ولتكون أكثر موضوعية، لا تسأله هذا السؤال المعروفة إجابته سلفا، اسأله «كم عليك من الديون؟»، لتأتيك إجابة غير معلبة.
في حادثة الدكتور ناصر الحارثي، رحمه الله وثبت أهله بالصبر والسلوان، يحضر وجع الدين ولو على شكل افتراض غير يقيني، رغم أن جميع من عرف هذا الرجل الجميل المؤمن يستبعد فرضية الانتحار في وفاته. ولكن في حال تبنينا هذه الفرضية فإننا سنقترب من واقع لا مفر منه، وهو أن نسبة كبيرة من السعوديين غارقون في بحر الديون المتلاطم، ومن بينهم من يصل إلى مرحلة العجز عن السداد وتردي الحالة النفسية إلى أدنى من الحضيض، فيعتقد أن الموت خلاصا له من هذا الوجع الكبير والغائر.
قروض البنوك الاستهلاكية وطاولة الأسهم التي انقلبت على المواطنين، كانت كفيلة بإظهار الأعظم مما خفي من مفارقات في حياة السعوديين. والأرقام تقول أن هناك نحو مليوني مواطن مديون بينهم 140 ألف متعثر في سداد القروض البنكية التي بلغت مع نهاية العام الميلادي المنصرم أكثر من 200 مليار ريال.
السعوديون استفاقوا أخيرا على كارثة اقتصادية واجتماعية يدفعون ضريبتها من أعصابهم قبل جيوبهم. صحيح أنهم هم من أوصلوا أنفسهم إلى هذه الوضع، فربعنا -هداهم الله- يستدينون لأدنى سبب فمن يريد أن يسافر ويستجم يقترض مبلغا بنكيا ومن يرغب في عمل زواج «مطنطن» يقحم نفسه في نفق دين طويل، ولكن هذا لا يعفي المؤسسات الرسمية من مسؤولية غياب الترشيد وترك الحبل للبنوك على الغارب لمص دماء الشعب.
الفقير الذي جاء إلى هذه الدنيا فقيرا، سيكون أكثر تقبلا للعوز والحاجة فهو في الأصل لا يجد قوته، ولن تختلف معه المسألة كثيرا لو وجد نفسه في الشارع أو السجن، لكن ابن الطبقة المتوسطة والإنسان المتعلم الكادح، لن يتقبل واقع العوز ببساطة، وستكون حياته مأساة حقيقة تجعله يفكر ألف مرة في الخلاص منها وما عند الغفور الرحيم خير وأبقى. لن نطلب تعليق الجرس فهو معلق منذ سنوات، لكن من يتحرك لاحتواء هذه القضية وإعادة ترتيب أوراق الأنفس المبعثرة؟.