الأزمة المالية
عيسى الحليان
يقول «كارل بولايني» أستاذ التاريخ الاقتصادي في إنجلترا والولايات المتحدة في كتابه الموسوم بـ «التحول العظيم» والذي استغرق تأليفه عشر سنوات وما يزال يشكل مرجعية في تحليل تناقضات العولمة الراهنة، «إن منشأ الكارثة يكمن في السعي اليوتوبي لليبرالية الاقتصادية لإقامة نظام سوقي قادر على تنظيم نفسه بنفسه، وهذا ما حصل بالضبط.. وأدى إلى نشوء الأزمة المالية العالمية».
كان الأصل: النموذج الاقتصادي الرأسمالي الذي وضع ملامحه «آدم سميث» وأعطى فيه لقوى السوق الدور الأساسي في تحقيق التوافق بين العرض والطلب وبين الأجور والأرباح والذي كان يأمل من خلاله تحقيق المنافسة الكاملة التي توقع بأن السوق قادرة على تحقيقها، بحيث إن تأمين مصلحة المجتمع مرهون بفعل قانون المنافسة، لكن الممارسات العملية انزلقت بالسوق إلى غير ما توقع سميث وهي الحالة التي كانت أبرز سماتها الاضطراب في الدورات الاقتصادية المتعاقبة وزيادة حدة الفوارق الطبقية.
ورغم كل ما كتب حول الأزمة الحالية وتشخيص أسبابها وتفاوت قراءاتها وفقا لتفاوت الانتماءات الفكرية والأيديولوجية ومرجعية المصالح، إلا أن الشيء الأكيد أن جهود الإنقاذ كلفت الإدارة الأمريكية 8 تريليونات دولار وهو مبلغ يفوق مجمل المشاريع الفيدرالية في أمريكا خلال القرن الماضي بما في ذلك فاتورة غزو العراق ومشروع مارشال لإنقاذ أوروبا ويتخطى مجموع ما تم إنفاقه في الحرب العالمية الثانية.
ورغم أن مساحة التطمينات تزداد مع الزمن، وأن الأزمة أصبحت خلف ظهورنا، إلا أن بعض الأصوات في أوروبا والولايات المتحدة ما تزال عند رأيها: من أن الأزمة لم تبدأ بعد!