[صقر قريش]

إبداع في رأس الزور
قلعة صناعات جديدة من ساحل الخليج إلى الجلاميد

تمديد الكهرباء للمنطقة قائم على قدم وساق

الجبيل، الرياض: حمد آل مطير، سعيد الشهراني، واس

قبل سنوات قليلة لم تكن "رأس الزور" أكثر من لسان رملي يمتدّ من جسد صحراء الدهناء في اتجاه حضن الخليج العربي. وعلى هذا اللسان؛ كانت الكثبان الصفراء تتزاحم شاهدة على ما في الرمال من عطش، وفقر، وحياة تكاد تنعدم..!
لكنّ ما حدث، في غضون سنوات قليلة، هو تحوّل هذا اللسان الرملي الظامئ إلى واحد من أهم مصادر المياه المستقبلية في المملكة العربية السعودية، وواحد من قلاع صناعة المستقبل، وواحد من معجزات الرمال التي عرفها الساحل الشرقي منذ ثلاثينيات القرن الماضي..!
ووسط هذا الواقع الجديد؛ فإن الصناعات التعدينية في المملكة تدخل مرحلة لم تخطر على بال أحد، ففي هذا اللسان الرمليّ الجديد سوف تتقاطع أساسات استراتيجية جديدة في تحلية المياه وإنتاج الكهرباء والصناعات التعدينية، وتنضمّ رأس الزور إلى قائمة القلاع الصناعية السعودية العملاقة.

الأولى من نوعها
وأول من أمس صدر قرار مجلس الوزراء الذي كلّف الهيئة الملكية بالجبيل وينبع مسؤولية إدارة رأس الزور. وهو قرار أخرج المنطقة المحصورة في معرفة المهتمين والصناعيين إلى دائرة الإعلام الاقتصادي الدولي، خاصة أن القرار تضمّن اعتبار المنطقة منطقة تعدينية ذات برنامج وإدارة مستقلة، واستكمال الخدمات التي تحتاجها صناعات التعدين والصناعات الأخرى، على نمط المدينتين الصناعيتين في الجبيل وينبع.
وتعتبر المدينة التعدينية التي تولت الهيئة الملكية للجبيل وينبع إدارتها برأس الزور أول مدينة تعدينية صناعية من نوعها في منطقة الشرق الأوسط. وتتجاوز تكلفتها حاجز الـ 33 مليار ريال.
وتضم في موقع واحد جميع المرافق الأساسية لإنتاج الصناعات التعدينية وتصديرها إلى الأسواق العالمية. وذلك ما يؤهلها إلى أن تبدأ أعمالها من المنجم إلى المنتج النهائي، وهي ميزة خاصة للصناعات التعدينية السعودية، ومن المؤكد أنها سوف تسهم في التقليل من كلفتها الإنتاجية، وبالتالي تعمل على تفوقها في محك المنافسة مع الصناعات التعدينية العالمية.
هذه الميزة تفرض انتقال مركزات الفوسفات عن طريق السكك الحديدية من مصنع المعالجة وتركيز الخام في حوض الجلاميد شمال المملكة، إلى موقع مجمع الأسمدة الفوسفاتية في رأس الزور لإنتاج الأسمدة على الخليج العربي.

مجمعات قائمة
وفي الوقت الحالي تضم المدينة مجمعاً لصناعة الأسمدة يتكون من 11 مصنعاً، ثلاثة مصانع منها مختصة في إنتاج حامض الكبريتيك طاقتها السنوية 4 ملايين طن، وهناك ثلاثة مصانع أخرى لإنتاج حامض الفوسفوريك طاقتها السنوية 1.4مليون طن. وكذلك مصنع آخر لمعالجة الأمونيا بطاقة 650 ألف طن، إضافة إلى أربعة مصانع لإنتاج فوسفات الأمونيوم الثنائي بطاقة 3 ملايين طن سنويا.
وفي تخطيط المدينة أن تتم معالجة مركزات الفوسفات في مصنع حامض الفوسفوريك مع حامض الكبريتيك لإنتاج حامض الفوسفوريك ومخلفات الفوسفوجبسم. وفي مصنع فوسفات الأمونيوم الثنائي يعالج حامض الفوسفوريك مع الأمونيا لإنتاج فوسفات الأمونيوم الثنائي. ويستخدم البخار من مصانع حامض السلفيوريك لإنتاج الطاقة الكهربائية الكافية لسد حاجة مجمع الأسمدة من الكهرباء والبخار وتحلية المياه.
ويستخدم الكبريت المنصهر والغاز الطبيعي من أرامكو السعودية لتزويد مصانع حامض الكبريتيك ومصنع الأمونيا. وتستخدم تقنيات المعالجة كقاعدة في المشروع لتجربتها المؤكدة.
وحجم المصنع مبني على استخدام أكبر المصانع المتوفرة. أما الفوسفوجبسم (Phosphogypsum ) المنتج في رأس الزور فسوف يتم تخزينه في مرفق تخزين مجاور مع تلبية أفضل معايير التقنية المتاحة للمستويات العالمية للمحافظة البيئية.

مصفاة الألومينا
كما تضم المدينة مصفاة الألومينا التي صممت على طريقة (باير) بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 1.4مليون طن ألومينا. وسيتم نقل الألومينا من المصفاة إلى المصهر على سير ناقل. كما تزود المصفاة المصاهر بنسبة 100% من الكمية المطلوبة للإنتاج الأموينا بطاقة 1.2مليون طن سنوياً. وسوف يكون مرفق تخزين البوكسايت المتبقي في موقع داخل المصفاة، بحيث يتم ضخ المخلفات من المصفاة إلى مرفق التخزين المحدد حسب المواصفات العالمية للمحافظة على البيئة.
وتشمل المدينة مصهرا للألمنيوم يضم 650 من خلايا الإنتاج موزعة على خطي اختزال سعة كل منها 350 ك ، وسيتم إنشاؤه بخطوط إنتاج بأحدث ما توصلت إليه التقنية العالمية بطاقة إنتاج سنوية تبلغ 650 ألف طن من معدن الألمنيوم. وتعطي تقنية الإنتاج فرصة للتطوير مستقبلاً ورفع الطاقة الإنتاجية. كما يضم المصهر مصنعاً للكربون لإنتاج الأنود، ووحدة صب لإنتاج السبائك، ووحدة مناولة المواد بالإضافة إلى بعض المرافق المساندة.

ميناء عالمي
ويخدم المدينة ميناء يمكن لأرصفته مناولة مواد لبارجات تصل حمولتها إلى 60 ألف طن لجميع منتجات مصانع المدينة. وسيتم تزويد المدينة بالطاقة الكهربائية بواسطة محطة للطاقة تعمل بالزيت وتبلغ طاقتها 1.800ميغاواط لتوفير الكهرباء وتحلية المياه والبخار لمجمع الألومينا والألمنيوم بالإضافة إلى محطة لتوليد الطاقة على اثنين من توربينات توليد البخار وسيبلغ إنتاجهما معاً 91 ميغاواطا لمجمع الأسمدة الفوسفاتية. ومعمل تحلية المياه المالحة. ستحتوي المدينة التعدينية على معملين لتحلية المياه المالحة صمما على أحدث ما توصلت إليه التقنية للوفاء بحاجة المنشآت الصناعية في رأس الزور سيعملان بطاقة إنتاجية تصل إلى 80 ألف متر مكعب يومياً.

لن نبدأ من الصفر
وتكشف هذه الحقائق الصناعية المعقدة عن وجود بنية تحتية للصناعات التعدينية المهمة. وفي ضوء التنظيم الجديد فإن المدينة مرشحة لنموّ صناعي كبير يساند استراتيجيات الدولة الاقتصادية. وهذا ما التفت إليه رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان آل سعود.
وقد وصف رئيس الهيئة القرار الجديد بأنه يجسد الرؤية الحكيمة للقيادة الرشيدة تجاه قطاعي الصناعة والتعدين في المملكة باعتبارهما الخيار الأنسب والأمثل في تنويع مصادر الدخل والاستفادة من الموارد المتاحة كما أنه يمثل نموذجا حقيقيا لعملية التكامل بين قطاعات الدولة. وأوضح أن العمل لن يبدأ من الصفر، سيما أن وزارة البترول والثروة المعدنية وشركة معادن والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة بذلوا جهودا كبيرة وقطعوا شوطا جيدا من التخطيط والعمل المميز.

مجال للتكامل
وقال الأمير آل سعود إن مجال التكامل سيتسع ليشمل الاستفادة من العديد من المرافق والإمكانات التي تضمها الجبيل الصناعية كخدمات التعليم والصحة والإسكان والمطار وميناءي الملك فهد التجاري والصناعي باعتبارها دعما لاحتياجات المشاريع خصوصا بعد تنفيذ سكة الحديد فضلا عن جانب توليد الطاقة الكهربائية وإنتاج المياه المحلاة ، وأن قرار مجلس الوزراء يحمل الكثير من الإيجابيات ولعل من أبرزها جذب وتوطين المزيد من الاستثمارات والتكامل بين الصناعات البتروكيماوية والتعدينية وتوسعها رأسيا وأفقيا.
وأشار إلى أن ما تتميز به الهيئة الملكية من أسلوب إداري فريد يتمثل في الإدارة الشاملة التي تعمل من خلالها وكذلك ما بنته الهيئة من خبرة واسعة تمتد لأكثر من ثلاثين عاما كل ذلك سيجعل من منسوبي الهيئة الملكية وزملاءهم في شركة معادن وغيرهم من الشركاء في الموعد إن شاء الله لإنفاذ توجهات القيادة الحكيمة.
على جانب آخر وصف محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة فهيد بن فهد الشريف القرار بأنه سيحل أزمة الازدواجية في تنفيذ المشاريع بين المؤسسات والشركات، مشيراً أن الهيئة الملكية ستتولى البنية التحتية وإدارة المنطقة من ناحية الخدمات والإشراف عليها ووضع الخطط الرئيسية والتنسيق بين الجهات، مضيفاً أن الهيئة الملكية للجبيل وينبع لديها الخبرة الكافية، وأن هناك تنسيقاً مشتركاً. وأبان الشريف أن مشروع التحلية برأس الزور يسير حسب الخطة الموضوعة له وليس هناك تأثير أو تأخير بسبب الأزمة العالمية، وأن انخفاض التكاليف ساعد على سرعة العمل نظراً لانخفاض الأسعار بنسبة 25% إلى 30%.

موقع جغرافي
منطقة رأس الزور تقع على ساحل الخليج العربي على بعد 60 كلم شمال مدينة الجبيل الصناعية و يمثل قربها من الجبيل الصناعية ومرافق إنتاج وشحن النفط والغاز في المنطقة الشرقية من المملكة ميزة إستراتيجية ولوجستية وتتولى شركة التعدين العربية السعودية (معادن) إنشاء مشروع فوسفات معادن الذي يقام وفق طراز عالمي لمعالجة الأسمدة باستخدام الموارد المعدنية في الشمال لإنتاج سماد الفوسفات بغرض التصدير، إضافة إلى مشروع ألمنيوم معادن الذي يحتوي على منجم ومصفاة للألمنيوم ومصهر ومحطة للطاقة لإنتاج معدن الألمنيوم لأغراض التصدير والاستخدام المحلي.