عرض مشاركة واحدة
قديم 10-24-2009   رقم المشاركة : ( 33 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: أخــبــار ومنوعات ليوم السبت 5 ذو القعدة 1430هـ

إلا القمح!!
السبت, 24 أكتوبر 2009
د. محمود إبراهيم الدوعان


تعالت بعض الأصوات التي تنادي بوقف زراعة القمح والاعتماد على المستورد الأقل قيمة وتكلفة وذلك من منطلق الحفاظ على كميات المياه المهدرة فيه، حيث أفاد الزاعمون بأن القمح يستهلك كميات كبيرة من المياه، ونحن نعيش في بلد فقير مائيا ونحتاج إلى توفير كل قطرة ماء في هذا النطاق الجاف ذي الموارد المائية المحدودة، التي لا تكفي حتى لسد احتياجات البشر، فما بالك بالزراعة والصناعة والاستخدامات الأخرى؟! وكما يحلو للعديد من الدول المصدرة للقمح وذات الإنتاجية العالية أن يقنعونا بوجوب وقف زراعة القمح فورا والاعتماد المباشر على استيراده من مواطنه الأصلية ومن الدول الغنية بهذه السلعة رخيصة الثمن لديهم والتي يمكن إيصالها إلينا بأبخس الأثمان، ولا تكلفنا الشيء الكثير حال استيرادها من هذه الدول التي ترأف بحالنا وتعطف علينا وتقدم لنا النصائح الثمينة حبا في سواد عيوننا.
والآن بدأت المشكلة ترفرف علينا، « فقد لاحظت لجنة المياه والمرافق بمجلس الشورى انخفاض الإنتاج المحلي بنسبة 30% مقارنة بالمستهدف وهو بحسب توصيات مجلس الوزراء 12.5% ، وقد ذُكر في التقرير إنه جرى استهلاك جزء من المخزون الاحتياطي من القمح بسبب تدني الكميات الواردة من المزارعين للموسم الزراعي 1427/1428هـ في ضوء توقع المؤسسة أن المخزون الاحتياطي الذي حققته المؤسسة سابقا هو 1.2 مليون طن وسينخفض إلى 400 ألف طن مع بداية 1429/1430هـ، وأن المؤسسة بدأت فعليا في اتخاذ التدابير العاجلة لاستيراد القمح وسد حاجة الاستهلاك المحلي وتعويض النقص في كمية القمح المتوقع استلامه من المزارعين» الوطن الخميس 3 ذو القعدة، ص8.
صحيح إننا على مفترق طرق، فالمملكة واقعة في النطاق الجاف، وأمطارها قليلة، ومصادر مياهها التقليدية محدودة، والقمح في المقابل يستنزف قدرا هائلا من المياه الجوفية ويحتاج إلى سياسات الترشيد في كميات المياه الموجهة إليه، وهذا الكلام نحن نؤمن به ونوافق عليه ولا يختلف عليه اثنان، ولكن كل ذلك حدث عندما توسعت المملكة في زراعة القمح بشكل كبير، داعمة مزارعيه بالمعونة المصاحبة لزراعته، والتي كانت مجزية في ذلك الحين، وكان التوجه العام للدولة آنذاك هو زراعة الحبوب والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي وذلك في بداية الثمانينيات الميلادية، وأصبحت المملكة تنتج زيادة عمّا يكفيها ذاتيا حتى وصلنا إلى مرحلة تصدير الفائض من القمح للدول الصديقة والقريبة والبعيدة على شكل هبات ومساعدات بدون مقابل - كعادة هذا البلد المعطاء – وكعادتنا في إسعاد البشرية جمعاء.
وعندما أدركت وزارة الزراعة والمياه في ذلك الحين عام 1415هـ حجم المشكلة في استنزاف القمح للمياه بدأت في ترشيد المعونات المقدمة للقمح وبدأت في سياسات الترشيد لزراعته، والإقلال من كميات المياه الموجهة إليه، والوقوف عند حد الاكتفاء الذاتي وهو (2 مليون طن سنويا)، وقد حققت وزارة الزراعة آنذاك إنجازا وطنيا حيث وفرت من المياه حوالي (2 مليار متر مكعب كانت تذهب في زراعة القمح)، وبذلك خفضت نسبة العجز في الميزان المائي للمملكة. وهذا والله يُعدّ إنجازا رائعا يسجل لوزارة الزراعة في تخفيض الاستهلاك من المياه، وقد سعدنا بذلك، وبقينا على الاكتفاء الذاتي لزراعة هذه السلعة الإستراتيجية بالغة الأهمية في حياة الشعوب، والتي لا يمكن أن يستغنى عنها بأي حال من الأحوال.
إذن أين تكمن المشكلة الآن؟ تكمن المشكلة في تدني إنتاج القمح وانخفاض الوارد للصوامع بنسب كبيرة وأصبح ما ينتج محليا لا يكفي للاستهلاك المحلي الذي صاحبه زيادة كبيرة في أعداد السكان، مع وجود مدن صناعية كبرى وما تحويه من ملايين من البشر يحتاجون إلى رغيف الخبز، كما تكمن المشكلة في الذين كانوا ينادون مسبقا بوقف زراعة القمح والاعتماد على الاستيراد من الخارج حفاظا على المياه المهدرة فيه، والانتفاع بما تقدمه لنا الدول الصديقة من وعود وردية بأنهم سوف يقدمون لنا هذه السلعة الثمينة جدا بأبخس الأثمان وبأسعار زهيدة جدا في متناول أيدينا وبأقل التكاليف. وهذا الأمر في ظاهره رحمة وفي باطنه العذاب وهو أمر خطير لا يقبل به عاقل، وهذا ما حصل لنا الآن من تدنٍ للإنتاج العالمي لهذه السلعة حتمية الاعتماد، والذي وصل ما بين 23% إلى 29% ، بسبب سوء الأحوال المناخية أو الكوارث الطبيعية التي تعتري الدول المصدرة له، ولعل ما حدث من مآس في عام 2007م، حيث وصل سعر كيس الطحين إلى أرقام خيالية، نظرا لسوء التوزيع رغم إنه موجود.
إن الاعتماد على الغير في توفير هذه السلعة البالغة الأهمية أمر غير مقبول وغير منطقي تماما وليس من المعقول أن نضع أعناقنا في مشانق الآخرين، ولكن سياسة الترشيد هي الاجدي والأنفع مع إعادة الدعم المادي لهذه السلعة بالذات، لا سيما إذا علمنا بأن القمح هو إحدى الغلات الزراعية التي تتحمل ملوحة المياه بدرجة كبيرة تصل إلى 5000 جزء في المليون، وهنا لا نخسر شيئا إذا وجهنا إليه المياه المالحة غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، كما يمكن الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة الناتجة عن المدن الكبرى واستخدامها في تغطية احتياجات القمح، ومتطلباته من المياه عوضا عن أن تذهب هدرا إما إلى البحر أو إلى مجاهل الصحراء. الأمن الغذائي لا يقل أهمية عن الأمن المائي بأي حال من الأحوال، واستخدام سياسة الترشيد في استخدامات المياه (خاصة في الزراعة) أمر وطني بالغ الأهمية، وإذا كان الأمر كما يقولون الاعتماد على الدول المصدرة للقمح بتعاقدات طويلة الأجل فيجب أخذ الحيطة والحذر لأنه يمكن أن يقف الاستيراد لأتفه الأسباب، ولعلنا تعلمنا الدرس من مشكلة الأرز التي نعيش أحداثها ومآسيها حتى الآن، فماذا فعلت لنا الدول الصديقة بعد أن رفعت الأسعار التي تريدها وأصبحت تتحكم فينا كما تشاء وأصبح سعر كيس الأرز أغلى من سعر برميل البترول؟!! فهل عقلنا ما يدور حولنا، وتنبهنا لمن يتربص بنا الدوائر ومن ثم يحجب عنّا أهم سلعة غذائية على الإطلاق؟ نعمتان عظيمتان إذا توفرت للإنسان فهو في أمنٍ عظيم « الماء والقمح» وهاتان السلعتان هما المقومان الأساسيان لحياة الشعوب، وأي خلل فيهما قد يؤدي إلى اضطرابات عظيمة تهز كيان الدولة بأكملها، وتوفرهما يغنينا عن سياسات البنك الدولي وشروطه المجحفة التي يمليها على الدول الفقيرة من خلال تحكمه في السلع الرئيسة لأقوات الشعوب. فهل عقلنا ما يدور حولنا واتخذنا القرارات الصائبة لمصادر أقواتنا قبل أن يتحكم فينا الآخرون؟! .
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس