حَــج وبَــيْـــع سُــبَــح !!
السبت, 24 أكتوبر 2009
عـبدالله منور الـجميلي
لا يكاد يمر أسبوع في مختلف المناطق في بلادنا إلا وترفع البيارق وتعلق اللافتات وتقام الأفراح والليالي الملاح على شرف مؤتمر علمي هنا وندوة هناك ؛ تتسابق على تنظيمها الإدارات والمؤسسات الحكومية ؛ فما حقيقة تلك التظاهرات ؟ وهل لها دور في دراسة الحاضر ؟ وهل تُـفَـعّـل مخرجاتها وتوصياتها ؛ فـتُـنَـفّـذ ، وينظر إليها عند التخطيط للمستقبل ؟! واقع الحال يجيب ب ( لا ) ؛ وأوافقه الرأي إلا فيما ندر ؛ وللوقوف على الحقيقة ما رأيكم أن نعيش في دهاليز مؤتمر أو ندوة ما من خلال هذه الوقفات :
* مدير إحدى المؤسسات يجتمع بأقطاب إدارته ، ويطرح عليهم فكرة إقامة مؤتمر أو ندوة ؛ الهدف الظاهر منها الدراسة والتأصيل العلمي ( والهدف الذي يلبس طاقية الإخفاء التواجد الإعلامي وتلميع الذات ؛ أو ربما الغيرة التي تقود إلى تقليد مؤسسة أخرى ومسـئـول آخر ) . الجميع يرحب بالفكرة ، وبسرعة تشكل اللجان العاملة ، ويتم اختيار عنوان له بريق إعلامي ، وترسم المحاور ، ويحدد موعد المؤتمر أو الندوة .
* قائمة المشاركين والمدعوين : لا تعب فيها ولا جديد فالقائمة معروفة سلفاً ؛ لأنها تضم أسماء ووجوها مألوفة وحاضرة في أغلب التظاهرات ؛ بل أحدهم خصص حقيبة لهذا الغرض كتب عليها ( حقيبة المؤتمرات ) . فدائرة المشاركة والدعوة ضيقة وكأنه لا يوجد في هذه البلاد إلا هؤلاء العباد .
* في حفل الافتتاح الذي تغطيه وسائل الإعلام حضور غفير ، وفي الجلسات العلمية الحوارية عدد الحضور لا يتجاوز أصابع اليدين ينقص أحياناً وربما يزيد ؛ لأن المهتمين وأهل الاختصاص من غير المدعوين لا يمكنهم المشاركة فالجلسات صباحية ولديهم أعمالهم ؛ أما ضيوف الشرف فمن ليس لديه ورقة عمل أو إدارة جلسة ؛ ففي الفندق نائم أو في زيارات خاصة ؛ استغلالاً للفرصة فالمسألة كما يقول المثل : ( حَـج وبَـيْـع سُـبَــح ) .
* في ثنايا المؤتمر والندوة تنعقد لجنة التوصيات وأعضاؤها لديهم ثروة لغوية وقدرة أسلوبية ؛ نتاجها توصيات ذات حبكة مترابطة وعبارات بليغة مهيبة ؛ وهي مكررة ومتشابهة !!
* الحضور النسائي غالباً لاهَـمّ له إلا عرض الجديد من الأزياء والتنافس بالزينة ونوع المكياج !
* جاء حفل الختام وعادت كثافة الحضور ؛ وأعلنت بنود التوصيات البراقة التي تزعم أنها عرفت أصل المشكلة وتوصلت للعلاج ؛ وأول التوصيات رفع الشكر للجهة المنظمة ومسئولها الكريم .
* انتهت الحفلة وحصل المراد ، وتَـكَـلّـم الإعلام ، واللجان العاملة قَـبَـضَـت خارج الدوام والانتدابات ؛ أما التوصيات فإلى دواليب النسيان تأكلها الأَرَضَـة وتقادم الزمان . مؤتمراتنا التي هي ظاهرة في عمومها مجر ضجـيـج وصَـخَـب إعلامي ، وحفلات وولائم فاخرة ، وميدان لتنافس المسئولين وتلميعهم لذواتهم ، وهدر للمال العام ، أو لما تقدمه شركات الرعاية الخاصة التي كان يمكن أن توجه للتطوير والتدريب !!. يا هؤلاء المؤتمرات والندوات التخصصية العلمية والاجتماعية لا شك مهمة ؛ لكن إذا ابتعـدت عن الشّكليات ، وخاطبت قضايا المجتمع ولامست احتياجاته ، وتم الإعداد لها بعناية دون إسراف وبَذخ ؛ وتوسّعَـت فيها دائرة المشاركة ؛ وتم تفعيل ومتابعة توصياتها من جهات عليا تمارس التطبيق ،لذلك اقترح أن يكون هناك مركز متخصص محايد يُـخُاطَـب عند العَـمَـل على إقامة مؤتمر أو الندوة ؛ حيث يحكم بأهمية أي منهما والحاجة إليه ، ثم يتابع التنفيذ ، وبعد ذلك خطوات تفعيل التوصيات ؛ وأما ماعدا ذلك فمؤتمراتنا مجرد ظواهر صوتية وجَـعْـجَـعَـة من غير طَـحْـن !! ألقاكم بخير والضمائر متكلمة .