رد: أخــبـــار ومنــوعـات ليـوم الاحد 13 ذو القعدة
أمل زاهد
حواء والحية .. وسلطة الموروث !
هناك ربط ظالم في ثقافتنا بين المرأة واللذع، وعلاقة تشد المرأة بحبل وشيج إلى نفث السموم وبثها، فالمرأة كالحية ناعمة الملمس ولكن ما إن تقترب منها حتى ترديك قتيلا، لذا تذكر دائما أن (المرأة حية من تحت تبن)!! ولو نسيت شيطانية هذا الكائن الألعوبان فستمنحك الثقافة تحذيرا منبها قائلة لك : (تكبر حية ولا تكبر بنية)، فانفلونزا البنيات وفيروساتهن أشد فتكا وإيلاما من سموم الحيات !! وحمولة المثل القاسي تقود سامعها ـ من حيث يعلم أو لا يعلم ـ إلى وأد الأنثى وإن لم يكن وأدا حسيا فإن الوأد المعنوي يفعل الأفاعيل ويقضي على الشر في مهده!! وإبعادا للملل وقضاء على التكرار تتفنن الأمثال الشعبية في ربط متجنٍ بين المرأة وبين حشرة وصفت بأن قرصتها والقبر فتقول :(عقربتين في حيط ولا بنتين في بيت )، وهي هنا تقدم لك كأسا من الوقاية، فالوقاية خير من العلاج .. فترك عقربتين تعيثان في الحيط أسلم من ترك بنتين تعيثان في البيت وقد تلوثانه بالعار والشنار !!
ورغم أن القرآن الكريم برأ حواء من الخطيئة الكبرى المذكورة في الإسرائليات، إلا أن الضمير المسلم لا يزال يجعل منها المتهمة الأولى متجاوزا الآية الكريمة : ( فأزلهما الشيطان فأخرجهما مما كانا فيه)، وفي ضمير المثنى هنا دلالة لا يخالجها شك بأن كلاً من آدم وحواء وقع عليه فعل الشيطان بالغواية !! رغم هذا التصريح ببراءة حواء في القرآن، ينقل تفسير الطبري قصة حواء والحية والشيطان عن وهب بن منبه وهو أحد الأحبار اليهود الذين اعتنقوا الإسلام، وملخص القصة يقول : لما أسكن الله تعالى آدم وزوجه الجنة ونهاه عن أكل الشجرة، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، دخل الشيطان في جوف الحية وكان لها أربعة قوائم كأنها بخيتة (وهي الناقة العظيمة التي تتبختر في مشيتها وتتعاجب)، خرج الشيطان من بطن الحية وقام بإغواء حواء والتي بدورها أغوت آدم، وأرجو أن نلتفت هنا إلى الاشتقاق اللغوي بين الحية وحواء ومحاولة الجمع بينهما .. وتستمر القصة في محاولة تعليلية لبعض الظواهر الطبيعية، فيخرج الله آدم وحواء من الجنة ويحكم على حواء بالحيض الشهري وآلام الولادة عقابا، وتلعن الحية باختفاء قوائمها في بطنها، ثم يحكم الله بعلاقة عدائية بينها وبين الإنسان ( الذكر) إلى أبد الآبدين!! وتضيف بعض الروايات تفاصيل أدق للقصة فتروي الكيفية التي أغوت بها حواء آدم : سأل الله آدم يا آدم أنى أتيت ( أي ماسبب وقوعك في عصيان أمري ) . قال من قبل حواء أي رب ،فقال الله : فإن لها عليّ أن أدميها في كل شهر مرة، كما أدميت الشجرة، وأن أجعلها سفيهة فقد كنت خلقتها حليمة ( عاقلة ) وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها فقد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا)، وفي القصة يبدو لنا آدم الضحية المستلبة الإرادة بينما يقع الإغواء من حواء، فهو رمز البراءة والخير وهي رمز الخطيئة والغواية وهي ذات الصورة التي يقدمها الخطاب الاجتماعي عن المرأة والرجل! ولعلّ هذه القصة تؤسس للدونية المتهدلة من خطاب المرأة في مجتمعاتنا!
==================
أمل زاهد
إنها قضية الإنسان!
يهدي الدكتورعبدالله الوشمي كتابه (فتنة القول بتعليم البنات) إلى كثيرات لم تفلح مدارس المحو باقتلاع شجرة الذنب الكبيرة التي غرسها المجتمع في دواخلهن!! وهذا الاهداء الفذ استطاع بإيجاز حاذق الولوغ إلى أصل الداء ومكمنه وهو شعور المرأة نفسها بالذنب على خطيئة لم ترتكبها!! إنها شجرة الدونية الكبيرة المزروعة في لاوعي المرأة والتي تجعلها تقف ضد نفسها، وتردد الموروث وتسلم بمقولاته التميزية دون أن تعمل عقلها في قيم المساواة والحرية والعدالة التي جاء الإسلام ليعززها، ودون أن تدرك ما لحق بهذا الموروث من تشويه وانحراف عن القيم الأساسية للدين!! وسطوة الموروث لا تعادلها سطوة لأنها تمترس في ثنايا العقل الباطن، وتسيطر عليه بقيودها اللامرئية فتوجهه دون إرادة منه، وهذا ما يجعل مقاربة هذا الإرث وتفكيكه وإخراجه من دهاليز اللاوعي ثم دحره بأدوات المنطق وحجج العقل ضرورة دينية قبل أن تكون ضرورة اجتماعية، وإلا سنرى أجيالا تنسلخ تماما عن دينها لأن ما يقدم لها من فهم ديني لا ينسجم مع معطيات عصرها!! وعندما نقارب موضوع الدونية ووضع المرأة في مجتمعاتنا ونلح على هذه القضية، نحن نقارب في الحقيقة قضية التخلف وهي القضية الأساس في مجتمعاتنا العربية، فتخلف المجتمعات يقاس بتخلف المرأة فيها، وقضية حقوق الإنسان تبدأ دوما بحقوق المرأة التي تشكل الحلقة الأضعف منها، ونيلها لحقوقها هو البوابة لنيل الإنسان العربي -الواقع عليه شتى صنوف القمع وأشكاله - حقوقه! وتحرر المرأة من سطوة العادات والتقاليد والأعراف المحجمة لدورها هو تحرير للرجل نفسه من سطوة المجتمعات الأبوية وتعديها على الفردانية وهو أيضا تحرير له من استبداد الأنظمة الشمولية، وانعتاق له من مخاوفه وهواجسه ومكامن ضعفه وعقده، وفك لأسره من أصفاد إرث الأباء والأجداد والذي لا يمت الكثير منه بصلة للإسلام! ولكن لأن بنية التخلف مخصب قوي لإنتاج علاقات قوامها التشظي والانقسامات والتشرذمات، تتحول قضية المرأة في مجتمعاتنا إلى معركة بين الرجال والنساء، بدلا من التعاضد بين الجنسين والتضامن في سبيل دحر التخلف الذي يجعلنا اليوم في ذيل الأمم!
وعندما قاربت في مقالتي البارحة قضية أصل الخطيئة أو The original sin، كما تقرها اليهودية والمسيحية، والتي نقلها لنا تفسير الطبري -رغم تعارضها مع القرآن الكريم -بكل ما تحفل به من اللامعقول واللامنطقي أردت أن أقارب إحدى الاشكاليات المؤسسة لدونية المرأة !! وهذه الرواية المنقولة عن الإسرائيليات لاتتجنى على المرأة فقط، ولكنها تفتئت على صفات الله تعالى العالم بالسر وأخفى، فكيف تتم مؤامرة بين حواء والحية والشيطان وهو تعالى في غفلة عنها؟! وكيف يشمل حكم الله العادل جنسا بأكمله نتيجة لانحراف فرد فيه وعصيانه؟! وكيف تتحول هبة تخلق الحياة في أحشاء المرأة -وهي نتيجة لدورتها الشهرية - إلى عقاب أزلي يطال جنس النساء برمتهن؟!
قصة حواء التي أغوت آدم مازالت حية في اللاوعي الجمعي المسلم رغم تبرئة القرآن لها، وشواهدها وآثارها تظهر كثيرا في خطاب المرأة الديني والاجتماعي.. الخطوة الأولى لتحرير مجتمعنا من التخلف هي غربلة التراث وتمحيصه من اللامعقول، ومقاربة إرث الدونية المعطِل لنصف المجتمع!!
|