الزوجة كالسيارة ولكن بلا ضمان
صالح إبراهيم الطريقي
تروي «منال» حكايتها بشيء من البؤس والحزن المثير للضحك حنقا، فهي تقول في رسالتها «أنا بنت ثلاثينية وسعودية وجامعية وكأغلب الحاصلات على شهادات انتظر الوظيفة، وحقيقة ليس شغلي الشاغل الوظيفة، وليست هي اهتمامي الأول؛ لأنها شبه مستحيلة إلا بالواسطة، والواسطة لها أهلها.
همي الأول هو الزواج، وها أنا ذا قد وصلت الثلاثين ولم أتزوج، فماذا أفعل؟
عرضت علي إحدى صديقاتي أن أتصل بأحد الشيوخ المختصين بتزويج النساء، وبعد تردد دام أسابيع، اتصلت عليه وأجبت على أسئلته، ثم اشترطت ألا يكون الزوج متزوجا بأخرى، وليس مهما إن كان مطلقا أو أرملا، فأكد لي أن طلبي تعجيزي، فأنا ثلاثينية ولا يمكن لرجل أعزب أن يتزوج امرأة بهذا السن.
فيما بعد اكتشفت أن هناك نساء أكبر مني سنا، وأقل جمالا قد تم تزويجهن عن طريق الشيخ، فيما أنا ما زلت أنتظر، وأن الأمر واسطة أيضا، فهو اهتم بتزويج نساء في زمن قياسي، لأنهن جئن عن طريق معارف له، وكن أكبر سنا مني، وتزوجن رجالا عزابا، فهل وصلت الواسطة إلى هنا، مع أن من يعمل بهذا الأمر أشخاص يقولون إنهم يقومون بهذا العمل لوجه الله»؟
انتهت رسالة «منال» المثيرة لكل المشاعر في آن واحد، فهي وإن لم تستطع تفسير أسباب ترددها لأسابيع قبل الاتصال لتسجل اسمها في قائمة مكاتب التزويج، إلا أنه يمكن لنا القول بأنها كانت تعيش صراعا بين تنازلها عن إنسانيتها مقابل أن تكون سلعة كسيارة تنتظر من يشتريها وبلا ضمانات بأن تكون حياتها سعيدة.
هذا الوضع لن يؤدي إلا لدفع القلة من الشباب والفتيات للخلوة الأكثر خطورة كما يحذر منها، فيما غالبية النساء سيتم تحويلهن إلى سلعة في مكاتب بدأت تنتشر بكثرة، وكل مكتب أصبح يتفنن في أنواع الزواجات التي يقدمها، وغالبية الرجال اقتنعوا أيضا بأن الزواج مثل شراء سيارة، لهذا هم يهتمون بالزوجات لفترة قصيرة، كما يحدث حين يشتري أحدهم سيارة جديدة، ثم مع الوقت يفقد دهشته فيكف عن الاهتمام بها «تلميعها» فيغطيها التراب وتصدأ مشاعرها.
إن إنشاء أسرة سعيدة بهذه المواصفات، أمر مستحيل، لهذا كان من الطبيعي أن يحضر السائق ليقوم بدور الأب، وتلعب الخادمة دور الأم، فالقضية هنا ليست كسل الأب والأم فقط، بل شعورهما بفقدان شيء ما ينقصهما، شيء ما يربط بينهما بطريقة مختلفة عما يربط الرجل بسيارة جديدة.
إن الزواج عن طريق المكاتب بحجة حماية المجتمع، هو تدمير لإنسانيتنا، وهذا التدمير لن يطال الزوج والزوجة/ السيارة وحدهما، حتى الأبناء سيطالهم التدمير، فالطفل الذي يعيش ببيت خال من الحب والعاطفة، لا يمكن له أن يكون سويا، وإن رددنا عليه هذا، فهو في النهاية سيقول لنا: لم أشاهد أسوياء لأتعلم منهم كيف يمكن لي أن أكون إنسانا سويا ومحبا.