الوطن :الثلاثاء 22 ذو القعدة 1430هـ العدد 3329
مطلوب رحلات مدرسية إلى جازان
أشرف إحسان فقيه
بعد أن تهدأ الأمور - وهي ستهدأ بإذن الله تعالى - ويعود النازحون إلى بيوتهم ويستتب الأمن في مناطق جازان الحدودية، فإن على مدارسنا أن تنظم رحلات إلى تلك البقاع من الوطن.
وأنا لا أتكلم طبعاً عن المدارس التي تقبع في فلل مستأجرة، أو تلك التي يتكدس خمسون طالباً في أحد "مقلطات" رجالها. أتكلم عن بضع مدارس نموذجية حقيقية ذات فوائض في ميزانياتها تسمح لمنسوبيها بممارسة ترف الترحال، وذات فسحة في جداول مناشطها اللامنهجية. أكاد أجزم أن بلادنا لا تخلو من بعضها.. وأتوقع أن منسوبي عدة مدارس هم أناس "خصوصيون" ومنتمون لشرائح علوية سامقة. وهذا هو عين المطلوب في الواقع. أما الهدف من هذه الرحلة المدرسية المقترحة فهو كذلك في صميم مخططات وزارة تربيتنا وتعليمنا المعلنة وفي صميم مناهجنا المعنية أساساً بترسيخ قيم التربية الوطنية. يجب أن يقف تلاميذنا الصغار على مسرح أحداث جازان. يجب أن يروا بأعينهم آثار العدوان. لا نريد أن نخدش نفسياتهم بمناظر الجثث أو حتى المباني المتهدمة. لكنهم يجب أن يروا هذه الـ "جازان".. لا أقولها استصغاراً ولا تقليلاً من شأن المنطقة الحبيبة والله. لكن جازان ستظل ضميراً مبنياً للمجهول بالنسبة للأغلبية الساحقة منا الذين يتلقون أخبارهم وعلومهم من صناديق الإنترنت والتلفزيون المصمتة. والكبار الجاهلين - مثلي- الذين لا يعرفون عنها إلا ما يصلهم عبر فقرات الفلوكلور والنكات السخيفة. جازان مع الأسف تبقى لنا -وما أكثرنا- تبقى "هناك".. بعيدة ومعزولة عن الوعي المباشر. جازان تظل ركناً جنوبياً قصياً كما تقرر الجغرافيا ويقرر علم النفس الاجتماعي.. حتى وهي تكرّس اسم السعودية بأسرها حول العالم عبر محمد عبده والأخوين عطيف!
يجب أن يرى التلاميذ النابهون من طلاب المدارس السعودية في الشرق والغرب والوسط والشمال كيف هو شكل جازان على الطبيعة. يجب أن يعانوا وعثاء السفر الطويل إلى هناك كي يستشعروا اتساع وطنهم الكبير..وأن يقفوا على الأسماء التي ربما لم يسمعوا بها إلا من تقارير مراكز العمليات: العارضة، وبني مالك، والدغارير وصامطة، والمسارحة والحرث، وأن يتسلقوا جبل دخان نفسه. بعد أن تهدأ الأمور ويستتب الأمن، يجب أن يقف التلاميذ وأساتذتهم وأولياء أمورهم لو أمكن على تراب جازان الذي هو من تراب الوطن الذي يقسمون يومياً -وضمنياً- بأنهم يحبونه ويفدونه. ويجب أن يتقابلوا مع إخوانهم المواطنين الجازانيين الذين هجّرهم العدوان.. والذين قصف المعتدون بيوتهم ونسفوها. وسيكون من الرائع لو تم ذلك كله بإشراف ومشاركة جنودنا البواسل.. بتعاون فرقة العلاقات العامة في الجيش وحرس الحدود. يجب أن يكون مع هؤلاء التلاميذ السعوديين جندي يذكرهم بأن هناك أبطالاً قد ماتوا لتظل هذه الأرض آمنة وأن هناك جندياً سعودياً.. بل أكثر من واحد.. قد اخترقت الذخيرة المعادية أجسادهم وصفت دماءهم.. أنها قد رملت زوجاتهم ويتمت أطفالهم. ويجب أن يتخيل هؤلاء الفتية الزائرون أن أياً منهم كان يمكن أن يكون مكان ابن هذا الشهيد.. ويجـب.. ويجـب.. أن يستشعروا معاني الفخر والعظمة في هذه التضحية القصوى لأجل الوطن. يجب أن يمر تلاميذ المدارس السعودية من مختلف المناطق بمعالم منطقة جازان.. ويفهموا على الطبيعة أهميتها الاستراتيجية للوطن. ويطلعوا على مشروع مدينتها الاقتصادية الباهر الذي يستثمر فيه الصينيون بكل حماس.. لأن جازان يراد لها أن تصير ميناء تصدير كل مناجم ومصانع ومعامل تكرير أفريقيا التي تملكها الصين. وهذه واحدة من وجوه عظمة جازان المقبلة التي هي عظمة لنا كلنا. أما الآن فإن جازان عظيمة لأنها رمز حقيقي لوحدة ترابنا ولقوة جيشنا.. وهي رمز يجب أن نستثمره ونفيد منه ونبني عليه في الوعي الغض لأجيالنا الناشئة.
تحيا جازان.. ويحيا الوطن.