عكاظ : الثلاثاء 22-11-1430هـ العدد : 3068
«المنة» تفسد الإحسان
خلف الحربي
تقول طالبة في إحدى المدارس الثانوية في مكة في رسالة طريفة وعميقة: (حين تشاهد كيس الزبالة في الشارع ما الذي يتبادر إلى ذهنك؟، أنا يتبادر إلى ذهني شيء آخر مرتبط بالمدرسة والطفولة!، فحين كنت في المرحلة الابتدائية دخلت علينا المشرفة في الحصة الرابعة ونادت: أحلام، فاطمة، عائشة..الخ، فخرجت بعض الطالبات وعدن وكل واحدة منهن وهي تجر خلفها كيس زبالة، لم أكن أشم رائحة كريهة من الكيس الذي تحمله التلميذة التي تجلس إلى جواري فسألتها عن محتوياته فقالت إن المشرفة طلبت عدم فتحه إلا في البيت)، فانشغلت صاحبة الرسالة بمعرفة ما هية هذا الكنز الغامض ولم يهدأ لها بال حتى وعدتها التلميذة المجاورة لها بأن تخبرها غدا بمحتويات كيس الزبالة بعد أن تفتحه في البيت. وتواصل: في اليوم التالي كانت أول طالبة تحضر إلى المدرسة وانتظرت صاحبتها حتى جاءت وأخبرتها أن الكيس كان يحتوي على عباءة وملابس وبيجامة نوم وأن والدتها أخبرتها بأن هذه الملابس واسعة ولكن يمكن إصلاحها، ذهبت صاحبة الرسالة إلى البيت باكية لأنها لم تتوقع أن تتم مكافأة جارتها (الكسلانة) بينما هي (الشاطرة) لم تحصل ولو على نصف كيس زبالة!، ولكنها فهمت في البيت أن الكيس كان يحتوي على مساعدات خيرية للطالبات الفقيرات. كان إعلان حالة الفقر بهذه الطريقة الفجة يؤذي خيالها الصغير فكل طالبات المدرسة أصبحن يعرفن زميلاتهن الفقيرات بالاسم! لذلك شعرت براحة كبيرة حين توقفت المدارس عن هذا السلوك الغريب وأصبحت بعد سنوات تقدم المساعدات للتلميذات بشكل خفي عن طريق استدعاء أم التلميذة وتقديم المساعدات الخيرية لها دون أن يعرف أحد، ولكن المشكلة التي تقهر صاحبة الرسالة أن الحقيبة المدرسية التي تقدمها الجمعية الخيرية ضمن هذه المساعدات تحمل شعارا كبيرا جدا للجمعية يكفي لأن يعرف الجميع بأن الطالبة التي تحمل الحقيبة: فقيرة وبنت فقراء!. في هذا الزمان الملون إذا كنت فقيرا فإن صورتك يمكن أن تنشر أكثر من نجوم الفن والرياضة، فالشركات الكبرى مستعدة لدفع الملايين من أجل نشر صورة طفل فقير في كل شوارع المدينة بحيث يظهر في الصورة وهو يتلقى مساعدة الشركة التي لا تتجاوز قيمتها مئة ريال!. ففي شهر رمضان تعاملت بعض الشركات مع صور الفقراء باعتبارها مادة إعلانية لا تقدر بثمن!، حيث لم تهتم هذه الشركات كثيرا بمشاعر هؤلاء الذين تلقوا مساعداتها بل كان أقصى همها هو البحث عن فقراء (فوتو جينيك)!، أما في غير رمضان فقد اعتاد الناس على أخبار الجرائد التي تقول إن أهالي قرية (طفرانة) تلقوا المساعدات التي قدمها الوجيه فلان بن علان لجمعية (المنة) الخيرية وتتصدر الخبر صورة بعض الأهالي البؤساء وهم يحملون أكياس الأرز وكراتين الحليب المجفف!.تنويه: قبل أكثر من شهر حدث خطأ في تسلسل المقالات أدى إلى نشر هذا المقال في إحدى طبعات الجريدة بدلا من مقال ذلك اليوم وتم تصحيح الخطأ في بقية الطبعات وعلى موقع الجريدة، ففضلت عدم نشره في اليوم التالي... وأرجو أن لاتكون صلاحيته قد انتهت مثل بعض الأغذية التي تقدم للفقراء!.