عرض مشاركة واحدة
قديم 11-14-2009   رقم المشاركة : ( 4 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: أخــبــار ومنوعات السبت 26 --11

سمعت آخر نكتة؟
المصريون دونوا أول نكتة في التاريخ وسخروا حتى من أنفسهم.. واليوم باتوا أكثر عبوسا
الجمعـة 25 ذو القعـدة 1430 هـ 13 نوفمبر 2009 العدد 11308
جريدة الشرق الاوسط

القاهرة: محمد حسن شعبان
حين عاد حسنين المنياوي، قبل عدة سنوات إلى قريته في صعيد مصر، لم يجد أحدا، كانت القرية خاوية على عروشها، فسأل عن السبب. أجابوه «أصلهم وزعوهم على النكت».. لكن هذا الصعيد الذي طالما أضحك الملايين بمخزون متنوع ومتجدد من القدرة على التنكيت يبدو اليوم مكتظا بناسه وهمومه، وأصبح من النادر أن تجد أحدا قادرا على الضحك.. ضاقت بهم المخيلة الشعبية التي استضافتهم لزمن، فما عادوا يستخدمونها حتى للرد على أبناء البندر (الحضر)، ولا أبناء البندر بدورهم وجدوا الوقت الكافي ليوزعوهم على النكات من جديد. ويبدو أن المصريين الذين استخدموا النكتة للسخرية حتى من أنفسهم قبل حكامهم، فقدوا هذا الملمح الذي طالما ميزهم، حتى تحولت اللازمة الشهيرة التي تصاحب النكت في أرض الكنانة بدلا من «كان فيه واحد صعيدي» إلى «كان فيه واحد مصري دمه تقيل حطه في كوبايه وخففه»، وكأنها آخر نكتة بالفعل على رصيف الضحك في مصر، بكل أقنعته ودلالاته السياسية والاجتماعية والشعبية. يتمتع المصريون بتراث عريق للنكت، حتى إن أول نكتة مدونة في تاريخ البشر المكتوب، بحسب دراسة حديثة أجرتها كارول أندرو، الباحثة بقسم المصريات بالمتحف البريطاني، كانت نكتة سياسية مصرية عن فرعون يرغب في الصيد (فلم يجد شيئا يصطاده، فألقى بمصري في النيل لكي يصطاده). وتعود هذه النكتة للعام 2600 قبل الميلاد. وهو أمر مدهش نظرا لاختلاف لغة أولاد البلد (الديموطيقية)، عن لغة الكهنة والمثقفين (الهيروغليفية) لغة التدوين الرسمية. ولا يعرف أحد كيف انتقلت هذه النكتة الفرعونية، برغم دوافعها الفجة، لتنقش على جدران المعابد، ليدشن بها هذا الشخص الغامض نهجا جديدا للمقاومة، يمكن فهمه في ضوء ما كتب الفيلسوف الفرنسي الكبير هنري برجسون.. إن ما هو مضحك كـ«النكتة» يدل على نقص فردي أو جمعي يقتضي عقابا مباشرا، وما الضحك إلا هذا العقاب.
تحت عباءة هذا التراث يمكننا إدراك ما دعا الرئيس المصري جمال عبد الناصر، في خطابه بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة 23 يوليو (تموز)، عام 1967، أول خطاب جماهيري له بعد إعلانه قرار التنحي والعودة عنه أن يقول «تعرفوا موجة النكت اللي طلعت الأيام اللي فاتت.. أنا عارف شعبنا.. شعبنا طبيعته كده، وأنا لم آخذ هذا الموضوع بطريقة جدية، وعارف الشعب المصري كويس.. ما أنا منه واتربيت فيه.. كل واحد ما يقابل واحد يقول له سمعت آخر نكتة».

ورغم صدمة الهزيمة القاسية، نجحت المخيلة الشعبية المصرية في دك حصون الزعيم، وأجبرته على أن يطلب منها، وفي خطاب قصد منه رسم استراتيجية المرحلة، أن تكف عن قول «نكت» اعتبرها ناصر جارحة.. ورغم إنكاره، أخذها على محمل الجد.. «إحنا كده، وهم عارفينا طبعا، فممكن يستخدمونا بأن تتقال بعض النكت الحقيقية اللي تؤثر على كرامتنا.. كرامتنا كشعب له طلائع قاتلت وماتت، فيه ناس ماتت».

وإن كانت هذه الجماهير هي نفسها التي خرجت مساء 9 يونيو (حزيران)، لتطالب ببقاء ناصر، بعد إعلان عزمه التنحي عن منصبه، في أعقاب ما سمي بنكسة 5 يونيو، إلا أنها وعبر «موجة النكت» تلك، أعلنت بوضوح أن خروجها في ذلك اليوم لم يكن صفحا عما جرى. وكانت «النكتة السياسية» طريقتها في إيصال هذه الرسالة، في واحدة من أحلك لحظات التاريخ المصري الحديث.

لا يذكر أحمد السيد، وهو قارب الأربعين ويعمل في أحد البنوك المصرية، آخر نكتة سمعها، لقد احتاج الأمر منه إلى تفكير عميق قبل أن يعلق قائلا «تصور.. أنا فعلا لم أسمع نكتة منذ وقت طويل، شيء غريب». وبعد أن تراجعت الدهشة، أدرك أحمد أنه أمر يمكن فهمه، وأوضح «حين كنت أستقل المواصلات العامة (وسائل النقل العامة) كان طبيعيا أن أتعرف على شخص ما بجواري، وفي أي حوار قد يدور دائما كانت هناك نكتة مناسبة، لكن اليوم لم يعد سهلا أبدا أن تغادر الميكروباص وقد تعرفت على ملامح جارك، لأنه باختصار شديد اختفت النكتة». ولا يفكر أحمد فيما إذا كان متورطا في هذا الأمر أو لا، لكنه أكد أن الناس في الشارع أصبحت متجهمة بأكثر مما ينبغي.. يضيف «ربما اختلطت الأمور، تاهت الخيوط بين حدود التفاؤل والتشاؤم، بين الفرح والحزن». ومن واقع عيادته النفسية يؤكد الكاتب المعروف، الدكتور خليل فاضل، الطبيب النفسي «يمكنني القول إن المصري أصبح منعزلا وكتوما، وهو ما يجعله فاقدا القدرة على استخدام دفاعاته النفسية، والنكتة واحدة منها إن لم نقل أهمها».

وكان عالم النفس الشهير سيغموند فرويد يعتبر النكتة وسيلة نفسية دفاعية لتفادي الشعور بالألم، وقد ناقش فرويد الأمر في رسالته «النكتة وعلاقتها باللا شعور» مشيرا إلى أنها قناع عدواني نشهره في وجه الآخرين، لكي نستعيد توازننا النفسي. أضاف فاضل أنه بحسب تقارير عديدة هناك حالة من حالات انتشار الاضطرابات النفسية لدى المصريين، وتغير واضح في نوع هذه الاضطرابات ذاتها، وهو أمر يفسر افتقاد المصري لروح الدعابة والعكس بالعكس. لكل هذا فقدت النكتة بشكل عام والنكتة السياسية بشكل خاص دورها الوظيفي لدى المصريين، كعقاب مباشر عن نقص ما أو انتقاد ما، فتراجعت لتسكن هامش اليومي. هذا ما لاحظه الكاتب الصحافي صلاح عيسى وقال معلقا «نتحدث بشكل أساسي هنا عن غياب النكتة السياسية، ربما يتعلق الأمر بارتباط النكتة بالتابوهات في مجتمعنا، لذلك لا تزال النكتة الجنسية موجودة». وأضاف «تنتشر النكتة حين يتعلق الأمر بمحرمات لا يجوز السخرية منها، تحت ضغط القهر السياسي والتعتيم والملاحقة، وحين يكون المناخ العام أكثر انفتاحا تستبدل بالنكتة أشكال أخرى، كالكتابات الساخرة، أو الكاريكاتير السياسي».

لكن احتمالا آخر لتفسير تراجع دور النكتة السياسية في مصر، يتمثل في كون المخيلة الشعبية قد استسلمت تحت وطأة الظرف العام. وقد أشار تحليل لاستطلاع الرأي أجرته مؤسسة «غالوب»، في مايو (أيار) الماضي، وشمل أسئلة من قبيل تصور المرء لأوضاعه بعد خمس سنوات، وتقييمه لأداء حكومة بلده، إلى أن المصريين هم الأكثر تشاؤما من بين عينة تمثل 95% من سكان العالم.

ويرى الكاتب صلاح عيسى أن «هناك حالة يمكن وصفها بارتباك سلم القيم الاجتماعية، هذا الارتباك يؤثر قطعا على الحس النقدي العفوي خصوصا لدى الفئات الشعبية التي تنتمي إليها النكتة بشكل أساسي».

وبقدر ما هو صحيح أن النكتة بشكل عام والنكتة السياسية بشكل خاص قد ارتبطت بالفئات الشعبية إلا أنها وجدت في لحظات كثيرة من التاريخ المصري مؤسسات ترعاها، وقد أنشأ حسن الآلاتي صاحب كتاب «ترويح النفوس ومضحك العبوس» لهذا الغرض مقهى بحي الخليفة (حي قاهري شعبي شهير) باسم «المُضَحِّكخانة الكبرى» عام 1889، بعد سبع سنوات من الاحتلال الإنجليزي لمصر وأصبح في ذلك الوقت مقصدا لكل الساخرين القادمين من أنحاء القاهرة للتنافس في ابتكار النكات السياسية التي استهدفت التهكم على جنود الإنجليز.

هذا الأمر الذي يتفق مع تقدير الأنثروبولوجي الأميركي المرموق رالف لينتون الذي أوضح أن النكتة سرعان ما تصبح في أوقات الحروب والأزمات السياسية بمثابة السلاح. وقد أكد لينتون أيضا أن الضحك يسهم في تثبيت القيم العامة والمشتركة تجاه القضايا التي تهم المصالح العامة لأفراد المجتمع ككل، حتى مع اختراق النكتة في أغلب الأحيان للتابوهات التي تحكم مجتمعا ما.

وبابتسامة تبدو أبدية تستقبلك أم أحمد في الأمتار القليلة التي تشكل عالمها، وهو دكان صغير لبيع التبغ والسجائر المستوردة بوسط البلد (قلب العاصمة المصرية)، تحتفظ فيه بعملات ورقية من العهد الملكي، وتذكارات من زمن الوحدة مع سورية، وصور لرؤساء مصر، ناصر والسادات ومبارك، وقد تصالحت مع عهود ثلاثتهم، كما أنها تحفظ نكات لا آخر لها.

ورغم اعترافها بتراجع النكتة فإنها لا توافق على أن المصريين قد فقدوا خفة ظلهم، وقالت إن إيقاع الحياة السريع هذه الأيام هو السبب، ففي زمن آخر حين كان والدها يقف في دكانه، تعوّد بعض زبائنه على شرب القهوة عنده، قبل أن يشتروا ما يريدون. وهي ترد السبب إلى «غلاء المعايش» الذي أجبر المصريين على ملاحقة رزقهم، لكنها تؤمن أن المصري عند الضرورة يظهر معدنه الحقيقي، كابن نكتة أصيل. غير أن الشاعر المصري الكبير سيد حجاب يرى أن حالة من الاعتلال قد أصابت الشخصية المصرية، وعلى حد قوله.. «تغيرت الشخصية المصرية إلى حد بعيد، كان المصري يسخر من كل شيء بداية من نفسه وانتهاء بالقيم العليا في المجتمع، لكن يبدو أن الانشغال بلقمة العيش قد صرفه عن استخدام السلاح التاريخي الذي امتلكه منذ زمن بعيد».

وأضاف حجاب: «هذا الأمر يعبر عن إحساس المصري بانسداد آفاق الحل.. وقد أودى هذا الشعور بالحلم في المستقبل، وإذا جاز التعميم يبدو المصري اليوم وكأنما هو متورط في الحياة».

لكن عم ربيع، سائق التاكسي القاهري، رد على السؤال بعفوية «ليه لا سمح الله.. طيب سمعت آخر نكتة» وقهقه وهو يرويها بسلطنة مصرية. والنكتة أن مسؤولا مصريا سأل نظيره الأميركي عن دخل المواطن الأميركي فأخبره أنه في حدود 2000 دولار في الشهر، فعاد المصري وسأله عن حجم إنفاقه، فأجابه المسؤول الأميركي: 800 دولار، فلما سأله المصري عن كيفية استغلال الأميركي لهذا الفارق بين الدخل والإنفاق، أجابه المسؤول الأميركي: أن أميركا دولة حرة لا تسأل عن مثل هذه الأمور. جاء الدور علي الأميركي فسأل المصري عن دخل المواطن في مصر فأجابه المسؤول المصري: 200 جنيه في الشهر، فسأل الأميركي عن حجم الإنفاق، فأجاب المصري 1200 جنيه في الشهر. لم يخف المسؤول الأميركي دهشته وتساءل عن الطريقة التي يتدبر بها المواطن المصري الفارق، فأجابه المسؤول المصري: نحن في بلد حر لا نسأل المواطن عن هذه الأمور.

لكن عم ربيع عاد فأكد أن النكتة قد تراجعت بالفعل، وقد وصفها بالعملة النادرة في هذه الأيام. وفسر الأمر على طريقته «سبحان الله.. هو فيه حاجة بتفضل على حالها.. دا حتى الفاكهة طعمها بقى ماسخ. حتى النكت ما عادتش تِضحّك. واحد سأل الفاكهاني: عندك ملوخية خضرة؟ فأجاب الفاكهاني: لا. فرد السائل: طب ولا حتى عندك ملوخية ملونّة؟.. يا عم الضحك كان زمان والبال رايق، كان ضحك حتى الرُّكب».

وببال رائق يرى الدكتور صفوت العالم أستاذ الدعاية السياسية بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن أحد أهم العناصر التي تسهم في رواج النكتة بشكل عام والنكتة السياسية بشكل خاص هي وجود وسط متجانس، أو ما يمكن تسميته إطار اجتماعي واحد، يسمح بوجود هم مشترك، يعزز الإطار الدلالي للنكتة التي تعمل داخل حيز الرمز.

أضاف العالم.. «التفاوت بين أعضاء المجتمع اليوم، أو غياب الهم المشترك يغيب بطبيعة الحال الإطار الدلالي الواحد، وبالتالي تفقد النكتة دورها الوظيفي، بل أكثر من ذلك كون اللقاءات الإنسانية أصبحت تفتقر إلى الصدق فاستسلم المصري للتخدير عبر المقهى أو الفضائيات».

وأكد العالم أن «النكتة لا تنجو في واقع مجتمعي أزماته مزمنة، وحين يصبح الواقع مرا لا يمكن للنكتة أن تخفف حدته، تحتاج النكتة لكي تزدهر لمناخ يتراوح بين الأمل واليأس، وهو ما ميز سنوات الستينات على سبيل المثال التي شهدت نضجا ملحوظا للنكتة السياسية على وجه الخصوص
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس