كيف نقّوي الجهاز المناعي لدى الحاج؟
د. عبدالقادر بن عبدالرحمن الحيدر
يعد الجهاز المناعي في جسم الإنسان الدعامة الواقية من الأمراض، فقد لا نبالغ إن قلنا إن أغلبية الأمراض المزمنة (الفشل الكلوي، السرطان وغيرها) والحادة (إنفلونزا) قد يكون أحد أهم أسبابها هو ضعف أو قصور في الجهاز المناعي. ونظراً لوجود الزحام في الحج وانتقال الفيروسات المتنوعة والبكتيريا من شخص مريض أو حامل لتلك الكائنات الدقيقة إلى أشخاص أصحاء، لذا فقد يكون لجهاز المناعة الدور الفاعل في الحد من تلك الأمراض أو على الأقل التقليل من حدتها، ومن الأمور التي تساعد على تمكين الجهاز المناعي في مقاومة البكتيريا والفيروسات ما يلي:
1) تجنب الزحام قدر الإمكان، وقد يكون مناسباً لمن لديه مناعة ضعيفة مثل مرضى الفشل الكلوي أو داء السكري المزمن أن يستخدموا الكمامات الصحية عند أدائهم بأركان الحج كالطواف والسعي.
2) الغذاء الصحي (الفواكه والخضار الملونة) بعد تنظيفها جيداً، حيث تحتوي على مواد مضادة للأكسدة، وكذلك الابتعاد عن الأكل المكشوف، والتركيز على الإكثار من شرب الماء والعصيرات قليلة السكر وكذلك المشروبات الساخنة، وتقليل الأكل المحتوي على الدهنيات، وهذا الجانب يحتاج تنفيذه إلى تعاون أصحاب الحملات.
3) أخذ قسط كاف من الراحة، حيث ثبت أن النوم والراحة يساعدان على رفع هرمون النمو الذي بدوره يقوم بتنشيط الغدة المسؤولة عن المناعة Thymus Gland الغدة الزعترية، وكذلك يقلل من إفراز مادة الكورتيزون المثبطة للمناعة.
4) أخذ التطعيمات الواقية من الأمراض الحادة والمعدية، حيث يمكن تقسيم تلك التطعيمات إلى إلزامية أو اختيارية، فمن الأمثلة على النوع الأول التطعيم ضد ميكروب التهاب السحايا، حيث يجب أن يأخذه الشخص كل ثلاث سنوات، وهو عبارة عن حقنة تتكون من ميكروبات ميتة (بكتيرية) لأحد أهم مسببات التهاب السحايا وتسمى مننجوكوكسMeningococcus، يعطى للحاج قبل أسبوع أو أكثر، حيث يتعرف جهاز المناعة على المكونات الجينية لذلك الميكروب الميت، لذا فعند تعرض الشخص للهجوم بميكروب حي من تلك الفصيلة، فإن الجهاز المناعي في هذه الحالة (بعد التطعيم) يقوم بإفراز المضادات المناعية Antibodies التي تقوم بقتل الميكروب وعدم تمكنه من الوصول إلى خلايا المخ. ومن اللقاحات التي قد تكون إلزامية، ولكن لفئة معينة من المرضى مثل مرضى الاحتقان القلبي، ومرضى الدم المنجلي، والفشل الكلوي، وذلك للوقاية من التهاب الرئة Pneumonia، حيث يعطى هؤلاء حقنة من عدة أنواع ميتة من ميكروب نوموكوكاسPneumococcus ، حيث يقوم الجهاز المناعي بتجهيز المضادات المناعية - في حين تعرضه مستقبلاً - إلى أي ميكروب حي من تلكم الجراثيم البكتيرية؛ أما آخر اللقاحات التي قد يحبذ إعطاؤها لفئة معينة من الأشخاص، هو لقاح ضد فيروسات الإنفلونزا، فأخذه قد يحمي بعض الأشخاص من الإصابة بالفيروس، كما أنه يقلل من حدة تأثير المرض.
5) ومن الأمور الروحانية التي قد يكون لها دور فاعلٌ في رفع قدرة الجهاز المناعي وتمكينه من مقاومة الأمراض، هو التمسك بالتوجيهات الربانية والنبوية خلال فترة الحج، فمن أهم الأمور التي عُرف أنها تساعد على إضعاف الجهاز المناعي: الانفعالات النفسية والغضب والاندفاع والتسابق ونحوه، حيث إن ذلك سوف يزيد من إفراز مادة الكورتيزون المثبط للمناعة والرافع لسكر الدم، والأدرينالين الذي يرفع ضغط الدم ويسبب الخفقان، لذا فقد قال الله سبحانه وتعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) كما أن الاستشعار بمعنى الحج ورجاء الأجر والتأمل والهدوء كلها قد تساعد على التقليل من الضغوط النفسية، وهذا بدوره سوف يُسهم كثيراً في رفع قدرة الجهاز المناعي في مقاومة أي هجوم فيروسي أو ميكروبي، وبالتالي يساعد على سلامة الحاج من أي من الأمراض. ومن المؤسف أن كثيرا من الحجاج جعل من الحج أشبه بالتقاتل سواء كان ماشياً أو راكباً، ولا يسعى إلا لإرضاء نفسه، علماً بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن الحج إنه جهاد لا قتال فيه، وأوصى بالسكينة والهدوء خلال أداء المناسك. وفي الختام هنالك حاجة ماسة لعمل دراسات طبية ميدانية تخص الحج تشترك فيها عدة جهات، خصوصاً أن الأبحاث الطبية المنشورة عن الحج تعد قليلة جداً.