طفل يسكنه الشيطان
صالح إبراهيم الطريقي
يرى النفسانيون أنه علينا ترك أطفالنا يعبرون عما بداخلهم من غضب وحزن وخوف ودهشة وعدم فهم؛ لأننا وبهذه الطريقة نخلصهم من الترسبات التي ستعلق بداخلهم، والتي مع الوقت سينسونها أو سينسون أسباب غضبهم، أو الأشياء التي أثارت مخاوفهم، أو الأمور التي جعلت الحزن يعتصرهم، أو يتعاملون مع الأمور على أنها واقع لا يمكن تغييره أو فهم أسبابه، وسيصابون بالتبلد أي عدم التفاعل مع هذه الحياة وتغييرها إلى ما يريدون هم لا ما تريده الحياة والآخرون لهم.
فهذه الأمور مع الوقت، ومع عدم تفريغها أو التعبير عنها، ستذهب للاوعي وستتحكم بالطفل، بعد أن كان هو من يتحكم فيها ويكبتها، وستتحرك بشكل أكثر حرية وأقل منطقية أو قابلية للفهم.
فالبعض الذين يخافون النوم دون وجود ضوء في غرفتهم، هم أشخاص تعرضوا لحادث في طفولتهم سبب لهم هذا الخوف، ثم نسوا هذا الحادث، لكن الخوف ظل يلازمهم طوال حياتهم ولن يتخلصوا منه إلا إن استعادوا الحادث، والذي عادة ما يكون حلما مخيفا أرعب الطفل، وحين استيقظ من النوم لم يجد أحدا ليربت عليه، أو هي تلك القصص التي تروى لأطفال قبل النوم لإجبارهم على النوم، كأن يقولون له: إن لم تغمض عينيك ستأتي أمنا الغولة وتأكلك أو تخطفك، أو أساطير أخرى يخيفون بها أطفالهم ليستجيبوا لهم.
أما الغضب فهو قصة أخرى تستحق التأمل، فالكثير منا يفسرها على تقييم سلوك الطفل، وهل هو مؤدب أم «جني» كما يقال بالعامية؟
أحد الآباء كان يعتقد أن طفله يسكنه شيطان، فهو يرى أن طفله يتعمد التكسير والتخريب، فتدرج معه في العقوبة، بدأ في حرمانه ألعابه، ثم انتقل لحبسه في غرفته مع كل خطأ قبل أن يتبع سياسة الضرب.
بعد أن يئس الأب، عمد لأحد الوعاظ عله يهدئ من انفعالات طفله العدوانية أو الشريرة كما يفسرها الأب، الواعظ لم يفتش عن الأسباب الخفية التي تدفع الطفل لهذا السلوك، بل راح يرهبه ويخيفه ويقرر له ما الذي سيحدث له في المستقبل؛ لأنه يغضب والديه، وأن الله لن يوفقه في حياته وسيتم تدميره.
وبدل أن يعالج مشكلة الغضب، أضاف الخوف لهذا الطفل الذي لم يساعده أحد لمعرفة لماذا يفعل هذا؟
فيما بعد وفي الخفاء خوفا من معرفة الأقرباء والجيران، قرر أن يأخذه لأخصائي نفسي، بعد عدة جلسات اكتشف الأخصائي أسباب عدوانية الطفل، الذي قال: «أمي تشاهد التلفزيون طوال اليوم، الشغالة هي من تهتم بأكلي وشربي وتنظيف ملابسي، أبي يحضر لي الهدايا فقط، أصدقائي في المدرسة يحلون واجباتهم مع آبائهم أو أمهاتهم، وأنا يساعدني مدرس في حل واجباتي، أظن بابا وماما ما يحبوني».
بعد هذه الجلسات تحدث الأخصائي للأب، وأخبره أن الطفل حين يفعل هذه الأمور على الكبار ألا يفسروها على أن الطفل يعرف الصواب والخطأ، لهذا يتعمد فعل الخطأ، فالطفل يحطم الأشياء ؛ لأنها تحقق له ما يريد، فبهذه الطريقة يلفت انتباهكم، هو كذلك غاضب؛ لأن أقرانه في المدرسة يجدون الاهتمام والرعاية من آبائهم، فيما هو يهتم به الشغالة والمدرس، وهما غريبان عنه.
وطالب منه هو وأمه أن يجربا طريقة أخرى في التعامل، وأن يمنحاه الاهتمام والرعاية، وأن يتناوبا على مساعدته في حل الواجبات، ويتحدثا مع طفلهما بين حين وآخر، ويمنحاه الفرصة ليعبر عن رأيه بطريقة تربيتهما.
حين حاول الأب التبرير، أكد له المختص أنه لا يملك ذرة شك بأنهما يحبان طفلهما، ولكن المشكلة ليست في هل يحب الآباء أبناءهم، بقدر ما هي هل تصل رسائل الحب للطفل أم لا؟
وهذا هو المهم.