[صقر قريش]

أخــبــار ومنوعات الاربعاء22 ذي الحجة 1430هـ - أخــبــار ومنوعات الاربعاء22 ذي الحجة 1430هـ - أخــبــار ومنوعات الاربعاء22 ذي الحجة 1430هـ - أخــبــار ومنوعات الاربعاء22 ذي الحجة 1430هـ - أخــبــار ومنوعات الاربعاء22 ذي الحجة 1430هـ -

اسعد الله ... جميع اوقاتكم ،،،، وكل عام وأنتم بخير


الملك والنابغة .. وكارثة جدة
صالح الشهوان
حين قال جدنا النابغة الذبياني اعتذاريته المدهشة للنعمان:

«أتاني أبيت اللعن أنك لمتني

وتلك التي تستك منها المسامع

وإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت أن المنتأى عنك واسع»

فقد كان يرسم طوقا كونيا لا مفر فيه من نيل العقاب الذي يستحقه.. فالفرار من الليل مستحيل لأنه يتحرك في كل ثانية على كل شبر من الأرض.

و«كائنا من كان» التي زفرها خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز من أعماق روحه الموجوعة بكارثة أهلنا في مدينة جدة من جرّاء تفريط بعض المسؤولين والموظفين من القطاعين الحكومي والخاص في إنجاز ما اؤتمنوا على إنجازه سواء في مجاري السيول أو شبكات الصرف الصحي أو مواقع المباني ومواصفاتها.. هذه الزفرة المضرية من قائد الأمة هي أيضا أخت «وإنك كالليل» فوعده ووعيده «كائنا من كان» تلخص الحزم الصارم في أن يدرك الليل (العقاب) كل مفرط!!

على هذا النحو كان «أبو متعب» منحازا من النبض إلى النبض نحو الوطن والمواطن، فما حدث فوق كونه فسادا واستهتارا وتفريطا في مشاريع التنمية وبرامجها، وهدرا للأموال الهائلة والأوقات النفيسة، يشكل استخفافا بأرواح الناس واستهانة بأملاكهم، فضلا عن أن ما حدث أحرج مقام الوطن وسمعته التي سعت الدولة إلى إكسابها التقدير والاحترام عبر جسور الخير والتعاون وحملات المساعدة والغوث والنجدات لأقطار المعمورة، فإذا بعض من بني جلدتنا يزرعون الجرح في الصميم!

هذا الخراب الروحي والعفن الأخلاقي الذي أسفرت عن وجهه القبيح كارثة سيول جدة سيكون أول اختبار جوهري ومفصلي لاستراتيجية محاربة الفساد وحماية النزاهة. ففي كل حرف في تلك الاستراتيجية مخلب قانوني أو ناب حقوقي ينبغي أن ينغرز في ضمائر من عاثوا في الأرض فسادا، إن كانت لهم ضمائر!!

إن إدراك العقاب لمن فرطوا ومارسوا الفساد وأفسدوا مسألة أولوية بكل تأكيد، لأنها ستكون درسا عمليا مدويا ترتعد له فرائص من قد تساوره نفسه إلى أن يمد يده إلى ما ليس له أو أن يتقاعس عن القيام بوظيفته في سبيل ما يشبه ذلك.

هذا جانب إجرائي للطم الباغي على وجهه، لكن ثمة خطوات ينبغي أن تمضي إليها الاستراتيجية وهي وضع آلية وطنية جديدة لها تعزز دور الرقابة والشفافية عبر تكاتف الأجهزة الأمنية مع ديوان المراقبة واللجنة العليا للإصلاح الإداري ومعها جهاز المتابعة في وزارة الاقتصاد والتخطيط.. وربما تطلب الأمر تكوين غرفة عمليات دائمة لهذه المهمة.

خطوة أخرى ينبغي النظر إليها وهي إمكانية تشكيل هيئة حكومية معنية بمتابعة تنفيذ مشاريع الدولة، وقد طرحتها «الاقتصادية» في كلمتها قبل حين، كما أشار إليها بعض الكتاب.

هناك حاجة ماسة كذلك لإعادة النظر في هيكلية الرواتب، خصوصا في المراتب الدنيا قطعا لطريق الغواية تحت ضغط الحاجة أو ارتباك القيم مع شحن ثقافة العمل بحوافز معنوية ومادية لا تترك مجالا للإحساس بالغبن أو الإهمال.

وبعد.. لا يستقيم القول هنا إن: «رب ضارة نافعة!» فما حدث بكل تأكيد ليس «ضارة نافعة» بل خسارة جسيمة لنفوس بريئة عزيزة ودحرجة غشيمة لمسيرة التنمية إلى الخلف سنوات وفضيحة لطَّخنا بها أولئك المفسدون، فضلا عن الهدر المريع للمال والحلال، الأمر الذي جعل كلمات بيان خادم الحرمين تأتي في اتجاهين متقابلين: داملة للجراح وكاوية لاسعة، تحيط باليد الحانية مكلومي الكارثة ومفزوعي الوطن وفي الوقت نفسه تصدع بالنذير والتحذير والوعد الوعيد: كائنا من كان!!