عرض مشاركة واحدة
قديم 12-24-2009   رقم المشاركة : ( 10 )
اخ مشارك
عضو


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 5118
تـاريخ التسجيـل : 15-12-2009
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 17
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : اخ مشارك


اخ مشارك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي

فصل



في مناقشة أدلة الغامدي على إباحة الاختلاط

الدليل الأول: قال الغامدي: (عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجت سودة لحاجتها ليلا بعدما ضرب عليهن الحجاب، قالت: وكانت امرأة تفرع النساء، جسيمة، فوافقها عمر فأبصرها، فناداها: يا سودة إنك والله ما تخفين علينا، إذا خرجت فانظري كيف تخرجين، أو كيف تصنعين؟ فانكفت، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه ليتعشى، فأخبرته بما قال لها عمر، وإن في يده لعرقا، فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه، وإن العرق لفي يده، فقال: (لقد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن).
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وفيه الإذن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لحاجتهن وغيرهن في ذلك من باب أولى)
قلت: وهذا فهم سقيم من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا دليل ينقض أصله السابق! فالأذن إنما هو من (الاستثناء) من الأصل العام وهو المنع، فصار الأصل هو المنع من الخروج والاختلاط.
الوجه الثاني: أن سودة رضي الله عنها كانت تخرج ليلاً لا نهاراً طلباً في عدم معرفة الرجال لها.
الوجه الثالث: أن عمر رضي الله عنها طلب من سودة أن تخفي ما تُعرف به حتى لا تعرف، فكيف بالتي تخالط الرجال ويعرفونها وتعرفهم؟!
الوجه الرابع: أن سودة الطاهرة النقية رضي الله عنها ساءها معرفة الرجال لها، وتمييزهم لشخصها.
الوجه الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهن في الخروج، وليس من لوازم الإذن بالخروج الإذن بـ(مخالطة) الرجال، كيف وخروج سودة وسائر النساء كان ليلاً للحاجة لا لمزيد المتعة، أو للطلب ولا لغيره.
الوجه السادس وهو أقواها: أن هذه القصة كانت قبل نزول الحجاب، كما روى الإمام البخاري في "الصحيح" أن عمر رضي الله عنه كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلم يكن رسول اللهصلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ليلةمن الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة، حرضا على أنينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب.
الدليل الثاني: قال الغامدي: (وعن سهل بن سعد قال: لما عرّس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك.
قلت: أخرجه البخاري، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه (باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس)
قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه.
قلت: ومن لوازم ذلك نظر المرأة للرجال ومخالطتهم).
قلت: الجواب عن هذا من وجوه:
الوجه الأول: أن صنع الطعام لا يلزم منه المخالطة، أما تقديمه فلم يخالف في مثل ذلك أحد، فليس في الخبر جلوسها معهم، وأكلها، وهذا ما ينادي به الغامدي، فلئن أبيح مثل ذلك بقيوده، فتجاوز الغامدي إلى ما هو أكبر من ذلك وأخطر لمن الغلو المفرط، الذي ذمه في أول كلامه!
الوجه الثاني: أن هذا كان في بيتها، فأين هو عن الدعوة إلى الاختلاط في الجامعات والمدارس والأسواق وغيرها؟
الوجه الثالث: أن هذا جاء من امرأة لا من مجموعة نساء.
الوجه الرابع: أن تقريب الطعام يتحقق بكامل الحجاب وعدم الاقتراب من الرجال، وأما السقيا فالوارد سقياها للنبي صلى الله عليه وسلم، وجاء في لفظ في غير "الصحيح": (تخصه بذلك)، والنبي صلى الله عليه وسلم له من شأن النساء ما لا يكون لغيره، لكمال دينه وفضله صلى الله عليه وسلم، حتى أبيح له رؤية وجوه نساء المؤمنين على الصحيح من كلام أهل العلم.
الوجه الخامس: أن ابن حجر قيد هذا بقيد مهم لم يذكره الغامدي تلبيساً وتدليساً فقال (9/251): (وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر وجواز استخدام الرجل امرأته في مثل ذلك).
الوجه السادس: قال الحافظ النووي في "شرح مسلم"(13/177): هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب.
ومثل ذلك قاله العيني في "عمدة القاري".
الدليل الثالث: قال الغامدي: (وعن سهل بن سعد قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك.
قلت: أخرجه البخاري، وفيه ما في الحديث السابق، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه «باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال»، يعني به جواز ذلك، وفيه جواز مخالطة الرجال والنظر إليهم؛ فإنها كانت تقرب الطعام إليهم، وتخدمهم في دارها، كما يفيده الحديث).
قلت: وهذا استدلال باطل من وجوه:
الوجه الأول: أن المرأة منهم، فهذا محمول على أنها من محارمهم.
الوجه الثاني: أنه جاء في لفظٍ آخر أنها امرأة عجوز!
الوجه الثالث: أن سهلاً لم يكن بلغ الحلم! فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم وعمره خمسة عشر سنة كما قاله الزهري فيما حكاه عنه ابن حجر في "الإصابة" (3/200) فإن كان كذلك فلا كلام.
الوجه الرابع: لفظ ترجمة الإمام البخاري يدل على مجرد السلام، ولا تلازم بين السلام والاختلاط! وطول المؤاخاة.
قال ابن حجر في "فتح الباري"(11 / 34): وقال ابن بطال عن المهلب: سلام الرجال على النساء، والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة، وفرق المالكية بين الشابة والعجوز سدا للذريعة، ومنع منه ربيعة مطلقا، وقال الكوفيون لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة، قالوا: ويستثنى المحرم فيجوز لها السلام على محرمها، قال المهلب: وحجة مالك حديث سهل في الباب، فان الرجال الذين كانوا يزورونها وتطعمهم لم يكونوا من محارمها، انتهى.
ومثل السلام تقريب الطعام مهما كانت قرابتها، وكان عمرها، فإنه لا يدل على الجلوس معهم، وإطالة المكث بينهم، وإنما فيه مجرد التقريب، وهذا يتحقق بالمرور السريع، بل ربما من وراء حجاب، وهذا لا مانع منه شريطة الأمن من الفتنة، وهذا يحصل في قضية عينية فردية لا في حكمٍ جماعي يشمل جمعاً من النساء مع جمعٍ من الرجال كما هو حال الاختلاط الذي يجتهد الغامدي لإباحته.
الدليل الرابع: قال الغامدي: (وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة، وعجب من فعالكما، فأنزل الله ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾.
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، ووقوعه بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ في جوازه)
قلت: وهذا استدلال فاسد من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا وقع من امرأة مع رجل بحضور زوجها، فكيف توسع دائرة الحكم إلى اجتماع عشرات النساء بعشرات الرجال، يجلس بعضهم مع بعض، وينظر بعضهم إلى بعض.
الوجه الثاني: أن الرجل ضمن عدم الرؤية بإضعاف قوة المصباح، وفي رواية: (ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته)، وهذا يزيل قوة النظر، فتؤمن بذلك الفتنة.
الوجه الثالث: أن هذا محمول على أنه كان قبل فرض الحجاب.
الدليل الخامس: قال الغامدي: (وعن عائشة أنها قالت: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟، ومعنى «كيف تجدك» أي كيف تجد نفسك، كما نقول نحن: كيف صحتك؟
قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد».قلت: أخرجه البخاري، وبوب عليه بقوله «باب عيادة النساء للرجال» قال: وعادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار.
قلت: وهذا واضح أيضا في وقوع الاختلاط في عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعظم الناس تقوى وفهما لأحكام التشريع).
قلت: وهذا لا دليل فيه لوجوه:
الوجه الأول: مراد الإمام البخاري الكلام عن جنس الرجال وجنس النساء، لا عن الجماعة من الجنسين، وهذا جائز بضوابطه الشرعية من عدم الخلوة، وأسباب الفتنة من أفراد النساء مع الرجال، فلا ارتباط بين هذا وبين إباحة اختلاط الرجال بالنساء في محل البحث من دور العمل والدراسة والأسواق ونحوها.
الوجه الثاني: أن الزائرة هي عائشة رضي الله عنها، تزور أباها، ومعه مولاه بلال،، وهما في القرابة لعائشة ما يباح لمثلها فعل فعلها.
الوجه الثالث: أن هذا في عيادة مريضٍ من الأقارب في أمر صحيٍّ عارض، فهل يجوز لمسلم منصف أن يطرد هذا الحكم على كلّ الأيام، وفي كلّ الأحوال؟
الوجه الرابع: قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(10/118): وقد اعترض عليه –أي على البخاري- أن ذلك قبل الحجاب قطعا وقد تقدم أن في بعض طرقه (وذلك قبل الحجاب) وأجيب بأن ذلك لا يضره فيما ترجم له من عيادة المرأة الرجل فإنه يجوز بشرط التستر والذي يجمع بين الأمرين ما قبل الحجاب وما بعده الأمن من الفتنة، انتهى.
قلت: فأين نزاهة الغامدي عن هذا التوجيه، وعن تلك الزيادة؟ نسأل الله العفو والعافية.
الوجه الخامس: بخصوص زيارة أم الدرداء –الصغرى- للرجل الأنصاري في المسجد فإنه هذا لا يسمى اختلاطاً بالمعنى المذموم عند من ذمّه، فهو خارج عن محل النزاع، كما سبق الإشارة إليه مراراً ومنه الوجه الأول هنا.
الدليل السادس والسابع: قال الغامدي: (وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش... الحديث». قلت: أخرجه البخاري.
وعن الربيع بنت معوذ أنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين).
قلت: أخرجه البخاري، والجويريات تصغير جارية، وهي الفتية من النساء، والحديث يفيد جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة متى كان معها غيرها من النساء، وفيه جواز استماع الرجل لغناء النساء وضربهن بالدف).
قلت: وهذا استدلال فاسد لوجوه:
الوجه الأول: أن الداخل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بمثل هذا، قال الحافظ في " الفتح " (9/ 118 ) : (والذي تحرر عندنا أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره).
الوجه الثاني: أنهما جاريتان؛ فلم يبلغنّ سن التكليف، أو أنهما من الإماء، وهذا خارج عن معنى الاختلاط المحظور.
الوجه الثالث: أن هذا في غير محل النزاع لأنه قبل فرض الحجاب، نص على ذلك البيهقي فقال في "الآداب" (ص207): وكان ذلك قبل نزول الحجاب.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9 / 203): قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب، أو كان قبل نزول آية الحجاب، أو جاز النظر للحاجة، أو عند الأمن من الفتنة، انتهى، والأخير هو المعتمد والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه و سلم جواز الخلوة بالاجنبية والنظر إليها وهو الجواب الصحيح، انتهى.
وبعد هذا فقول الغامدي: (والحديث يفيد جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة متى كان معها غيرها من النساء، وفيه جواز استماع الرجل لغناء النساء وضربهن بالدف) كله من زيف القول، أما الاختلاط فمنقوض بما تقدم، وأما دخول الرجل على النساء فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء) وأما استماع الرجل لغناء النساء فإن أراد به عموم النساء فمنكر من القول وزور، وإنما الأمر مخصوص بغناء الجواري، بما يباح، في عرس أو عيد، وفي الكلام تفصيل لا يليق إطلاق إباحته ولا منعه، وبابه غير هذا الباب، وإنما القصد إيضاح تهور هذا المخذول، والله المستعان.
الدليل الثامن: قال الغامدي: (وعن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتقلي إلى أم شريك، وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان فقلت: سأفعل، فقال: «لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبدالله بن عمرو بن أم مكتوم... الحديث».
قلت: أخرجه مسلم، وفيه أن أم شريك ينزل عليها الضيفان ومن لوازم ذلك الاختلاط).
قلت: وهذا استدلال فاسد من وجوه:
الوجه الأول: أن الضيوف كانوا من محارم أم شريك، حيث خاف النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بنت قيس ما لم يخفه على أم شريك، وإلا لصارت أم شريك فيما خشيه النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بنت قيس.
وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث في غير "الصحيح": (إن أم شريك يدخل عليها إخوانها من المهاجرين الأولين).
الوجه الثاني: أنه ولو قيل بأنهم ليسوا من محارمها، كما جاء في بعض الألفاظ: (يغشاها أصحابي) فليس في الخبر دليل على المخالطة لإمكان الضيافة بغير ذلك، ويكون خوف النبي صلى الله عليه وسلم طلباً في الأكمل والأولى لها، والبحث عن المكان الأكثر ستراً.
ومثل هذا محمول على ما يدفع الفتنة، قال الحافظ النووي في "شرح مسلم" (10/106): فيه استحباب زيارة النساء الصالحات للرجال بحيث لا تقع خلوة محرمة، انتهى.
الوجه الثالث: أنه لو جاز الاختلاط بالقيود (الوهمية) التي يذكرها الغامدي ومن على شاكلته لأذن النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس بالمكث عند أم شريك، مع التحرز.
الوجه الرابع: أن أم شريك رضي الله عنها؛ ذكر غير واحد من العلماء أنها من القواعد من النساء، والقواعد من النساء الأمر فيهن أسهل من غيرهن وإن كان الأولى لهن الحجاب كما قال تعالى: (وَالقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور:60) .
قال ابن عبدالبر في "التمهيد" (19/153) معلقاً على هذه القصة: (ففيهدليل على أن المرأة الصالحة المتجالة لا بأس أن يغشاها الرجال ويتحدثون عندها).
وقوله: (المتجالة) أي الكبيرة المسنة.
الوجه الخامس: ما سبق ذكره مراراً وتكراراً أن هذا لو جاز في امرأة مع ضيوفها، فكيف يطلق الحكم على نساء المسلمين، ويباح لهن الاختلاط بالرجال في عموم أوضاعهن من دراسة وعمل وتسوق ونحوه؟!
الدليل التاسع والعاشر: قال الغامدي: (وعن سالم بن سريج أبي النعمان قال: سمعت أم صبية الجهنية تقول: ربما اختلفت يدي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد.
قلت: أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناده صحيح، وأم صبية الجهنية ليست من محارمه صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز الاختلاط، وجواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء، ولا يلزم منه رؤية ما لا يجوز من المرأة.
ويشهد لذلك ما رواه ابن عمر قال: (كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا).
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط عموما، وأنه ليس من خصوصياته عليه السلام.
وفي رواية بلفظ: (أنه ــ أي ابن عمر ــ أبصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم، الرجال والنساء من إناء واحد، كلهم يتطهر منه).
قلت: أخرجها ابن خزيمة، وإسنادها صحيح.
وفي رواية بلفظ: (كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا).
قلت: أخرجها أبو داود، وإسنادها صحيح، والمعنى في هذه الألفاظ واحد، وكلها تفيد جواز الاختلاط عموما، وقد وجهه البعض بأن القصد هو وضوء الرجل وزوجه فقط، وهو توجيه باطل، يرده منطوق تلك الروايات التي تقطع بجواز الاختلاط عموما.)
قلت: بل استدلالك هو الباطل! من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا محمول على ما قبل الحجاب، لأن أم صبية متقدمة الإسلام، حيث أسلمت وبايعت بعد الهجرة، قاله ابن سعد في "الطبقات" (8/295).
الوجه الثاني: أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسبق نقل كلام الحافظ ابن حجر.
الوجه الثالث: أن هذا لا يدل على معنى الاختلاط محط الاختلاف، فلا مانع من اختلاف أيديهما في إناء واحد من وراء حجاب.
الوجه الرابع: أنه قد جاء ما يدل على أن أم صبية جارية من جواري عائشة رضي الله عنها، كما روى البيهقي في "الدعوات الكبير" (ح71) من حديث عبد الله بن سلمة بن أسلم عن أبيه عن أم صبية الجهنية وكانت جارية لعائشة رضي الله عنها بحديث آخر.
ويؤيد هذا ما رواه ابن سعد في "الطبقات" (8 / 295) عن أم صبية خولة بنت قيس قالت كنا نكون في عهد النبي وأبي بكر وصدر من خلافة عمر في المسجد نسوة قد تخاللن، وربما غزلنا، وربما عالج بعضنا فيه الخوص، فقال: عمر لأردنكن حرائر فأخرجنا منه.
فدل على أنها من الإماء، وعلى أنها كانت من القواعد من قولها: (قد تخاللن) أي بلغن سناً كبيراً.
وعجباً لقول الغامدي بأن في الخبر: ( جواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء، ولا يلزم منه رؤية ما لا يجوز من المرأة) وكيف أطلق حكم الأفراد على الجماعات؟ وأن هذا ممكن من غير رؤية شيءٍ من النساء ولا من الرجال؟
وهل هذا إلا سخف القول، الناتج عن سقم العقل بل سقم القلب، والله المستعان.
الوجه الخامس: أن ما قاله ابن عمر رضي الله عنهما: (كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً) وما في معناه، كله –جزماً- محمول على المحارم، وزعم الغامدي بطلان هذا القول تحكم مخالف للأصل، ومنه ما أثر من وضوء النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أزواجه، واغتساله معهن.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/300): لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم، انتهى.
ولئن كان الشارع منع من اختلاط الرجال بالنساء فيما لا تكشف فيه، فكيف بإباحة الضوء المشترك بين الرجال والنساء، وفيه ما لابدّ منه من حسر اللباس عن الذراعين، ورفع القدمين وغير ذلك؟!
كلّ هذا يدل على أن هذا القول محمول على عدة محامل؛ فإما أن يكون قبل نزول الحجاب، أو على خصوص المحارم، أو أن مراده من ماء واحد دلالة على جواز وضوء الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل.
الدليل الحادي عشر: قال الغامدي: (وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة.
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز خروج المرأة في الغزو لخدمة القوم ومداواتهم، ورد الجرحى والقتلى).
قلت: يجاب عنه من وجوه:
الوجه الأول: تقدم ما روى الإمام أحمد من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صف الرجال، ثم صف النساء من وراء الرجال في إحدى غزواته، فدل على أصل الفصل بين الجنسين.
الوجه الثاني: أن النساء وإن كنّ يخرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فلا دلالة على (الاختلاط) المطلوب إباحته من الغامدي ومن شاكله، فسقاية المجاهدين، وخدمتهم بتقريب السلاح لا يلزم من ذلك كله دوام الاختلاط، ومزاحمة الرجال.
الوجه الثالث: أن هذا محمول على ما قبل نزول الحجاب، أو محمول على المحارم، أو على الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وتقيد بصورتها، ولا تصير حكماً مطرداً في كل الأحوال، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(10 / 136): وإنما لم يجزم بالحكم لاحتمال أن يكون ذلك قبل الحجاب أو كانت المرأة تصنع ذلك بمن يكون زوجا لها أو محرما وأما حكم المسألة فتجوز مداواة الأجانب عند الضرورة وتقدر بقدرها فيما يتعلق بالنظر والجس باليد وغير ذلك، انتهى.

يتبع.....
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس