لجنة تقصي الحقائق ..!
الاثنين, 28 ديسمبر 2009
د. عبدالرحمن سعد العرابي
* منذ صدور قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يحفظه الله بتشكيل «لجنة تقصي الحقائق» في كارثة سيول جدة ولا حديث لأحد في كامل الكينونة المجتمعية السعودية سوى اللجنة وأعمالها وما يمكن أن تقوم به وما سوف ينتج عنها من قرارات. وهكذا حال طبيعي انعكاساً لفداحة الكارثة وحجم الأضرار التي خلفتها سواء في عدد القتلى الأبرياء أو في كم الممتلكات الهائل أو في حال الدمار الشامل لأحياء ومؤسسات بأكملها.
* كثيرون متفائلون بما ستكون عليه قرارات ونتائج أعمال اللجنة خاصة وأن رئيسها الأمير خالد الفيصل المعروف في أوساطنا المجتمعية بحزمه وجديته. والبعض الآخر غير مبال بل يصل به الظن إلى حد التشاؤم وذلك استناداً إلى أحداث ماضية وحجم الفساد الإداري والمالي في مؤسسات حكومية وأهلية. ولكن الأكيد بين هاتين الرؤيتين المتناقضتين أن العبء الملقى على عاتق اللجنة عبء ضخم ليس فقط بضخامة وهول كارثة سيول جدة بل باتساع مساحة هذا الوطن المقدس وببراءة ووطنية المواطنين المخلصين لهذه التربة الطاهرة.
* القرار الملكي كان قراراً شجاعاً من ملك إنسان ومضامينه وسطوره وكل مفردة من مفرداته أشاعت الطمأنينة ليس على نفوس المنكوبين والمصابين من الكارثة بل وعلى كل أبناء الوطن لأنه وضع النقاط على الحروف في قضايا عدة، أولها وأهمها الاعتراف الشجاع من مسؤول كبير وبمكانة عبدالله بن عبدالعزيز رعاه الله في أن ما حدث في جدة لم يكن كارثة طبيعية بقدر ما كان نتيجة لأخطاء بشرية وتهاون في أمانة عظمى، إضافة إلى إقراره رعاه الله وأيده بأن المواطن والمقيم أمانة ومسؤولية في عنق المسؤول تحتم الحرص عليها وأداءها بما يرضي الله، وضرورة التصدي للفساد ومحاسبة المسؤولين وكل مقصر ومتهاون بحزم وقوة.
* هكذا مضامين وبهكذا وضوح تلقى مسؤولية جسيمة وعظيمة ووطنية على لجنة تقصي الحقائق وتجعل تطلعات كل أبناء الوطن للجنة في أن تكون البداية الفعلية للقضاء على الفساد الذي تمدد بطريقة غير معقولة، وأن تصنع تاريخاً خالداً بأن تكون نتائجها ليست فقط حاسمة وحازمة بشأن كارثة سيول جدة بل ونهجاً استراتيجياً لمعالجة الفساد وانعدام الذمم والإخلال بالأمانة في عرض الوطن وطوله وفوق كل زواياه، خاصة وأن اللجنة برئاسة الأمير خالد الفيصل وبقية أعضائها هم من المشهود لهم بالصدق في العمل والإخلاص للوطن وهو ما يجعل الكثيرين يطمئنون إلى أن الأرواح البريئة التي جرفتها سيول الأربعاء الأسود وملايين الريالات من الممتلكات وضخامة المخلفات والانعكاسات النفسية والبيئية لن تذهب هدراً ولن تضيع مع الريح.. فبقدر ما أن لكل مواطن ومقيم تضرر من الكارثة الحق في معرفة المتسبب بقدر ما أن نتائج اللجنة حاسمة وتاريخية في خلق بداية لتحول حقيقي في المجتمع السعودي حكومياً وأهلياً بأن عهد انعدام الذمم وانتشار الفساد الإداري والمالي ولَّى إلى غير رجعة وأن سيول الأربعاء التي جرفت الجثث والممتلكات ودمرت وخربت ستجرف معها بإذن المولى جلت قدرته ذهنيات الفساد وسوف تقضي على عناكب العفن وانعدام الضمائر فوق تربة طاهرة لا ترضى سوى الطهر والنقاء فهي موطن الأخلاق والقيم والفضيلة التي حملها الإسلام.