وظائف لغير المواطنين بدعم حكومي!!
د. صالح السلطان
تشكل المنشآت الصغيرة الموظف الأكبر في كل دولة، وهي في بلادنا الموظف الأكبر لليد العاملة الوافدة. سن دعم مالي حكومي لتوظيف المواطنين في تلك المنشآت، لكن يبدو أن هذا الدعم أنتج نقيض ما قصد منه. لقد تحول ومن غير قصد طبعا إلى أداة لصنع وظائف إضافية لغير المواطنين.
كيف؟
تطرقت استراتيجية التوظيف إلى مشكلة تدني نسبة المواطنين في المنشآت الصغيرة (والمقصود كل المؤسسات غير الكبيرة)، وعرضت سياسات تهدف إلى زيادة نسبة المشتغلين لحسابهم، ورفع نسبة توظيف المواطنين في تلك المنشآت. هذه السياسات ركزت على الدعم المالي. ويتركز الدعم المالي الحكومي في بنك التسليف وصندوق الموارد البشرية. لكن المواطن عندما يتكلم عن فتح مشروع صغير، فهو عادة يفكر وبصورة تلقائية في أحد اتجاهين: الأول توظيف غير مواطنين لأداء كل أو جل الأعمال التنفيذية تحت إشرافه وإدارته. والاتجاه الثاني الحصول على ترخيص لمحل من المحال التي تملأ شوارعنا وأسواقنا، مع تسليم إدارة وتشغيل المحل إلى غير مواطنين مقابل عمولة أو مبلغ ثابت دوريا.
بيدي كراسة من إصدار مركز المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عنوانها ''برنامج تأهيل رواد الأعمال للعمل الحر: البرنامج التدريبي ابدأ مشروعك الصغير''.
تحوي الكراسة معلومات جيدة، ويشكر العاملون في المركز على جهودهم. والكراسة تركز على نشر ثقافة العمل الحر في المجتمع ولدى الشباب خاصة. وفي إطار نشر ثقافة العمل الحر، توضح الكراسة للشباب كيف يضعون خطة لمشروعاتهم، ويبين لهم أهم قضايا الخطة، من حيث هي، بغض النظر عن جنسية من يوظفون أو أمكنة صناعة ما تحتاج إليه مشروعاتهم من آلات وأدوات.
تحقيق الهدف السابق لا يستدعي بالضرورة توظيف المواطنين، ولا ينمي بالضرورة ثقافة العمل المهني والحرفي، في ظل الإدمان على الاستقدام. وهنا مربط الفرس كما يقال.
كلنا نعرف أن صاحب المشروع يرغب في تحقيق أرباح مرضية له. وبلغة مبسطة، تتمثل هذه الأرباح في الفرق بين الإيرادات والتكاليف. وحيث إن هناك عمالة وافدة يراها صاحب المشروع أقل تكلفة (الحقيقة هذه الرؤية بأن العمالة الوافدة أقل تكلفة هي الرؤية السائدة في المجتمع)، فإنه سيلجأ إلى توظيفها بأي وسيلة تتاح له. وحتى لو كانت هذه الوسيلة أو الأداة الوسيطة لها تكلفة، فهو سيوازن بينها وبين عدم اللجوء إليها. أي أن الدعوى في الأخير ستصبح تطبيقا للمبادئ الاقتصادية المحضة وتقليل التكاليف ومراعاة تكلفة الفرصة.
طبعا تقليل التكاليف هو جزء مما يتعلمه الشاب في أي برنامج لبدء الأعمال كالبرنامج التأهيلي الذي يقدمه مركز المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. وهذا ليس بغريب فتقليل التكاليف عنصر مطلوب في عالم الأعمال.
أما تكلفة الفرصة فهي تكاليف ضمنية. وتعني تكلفة فرصة القيام بعمل من الأعمال، وتعد أحد أهم الأفكار في علم الاقتصاد، وهي تعني قيمة أحسن اختيار متروك.
حيث إن الرغبات المتروكة ليست متساوية الأهمية، فإن تكلفة الفرصة يقصد بها أعلى قيمة متوقعة مضحى بها، أي القيمة المتوقعة لأول خيار بديل، ولعل ضرب الأمثلة يساعد على فهم هذا. من المهم أن يعرف أن تحديد أهم خيار بديل وقيمته المتوقعة ترجع فقط إلى الشخص الذي بيده القرار، ولذا فإن تكلفة الفرصة تقديرية وليست موضوعية قابلة لقياس يقبله الجميع.
مثلا: إنسان يمتلك محلا وعنده عدة خيارات للاستفادة من هذا المحل، منها أن يؤجره أو يتخذه مكانا لممارسة نشاط تجاري. لنفترض أنه عمله متجرا، ولنفترض أن أقرب بديل هو تأجيره. يعد مبلغ الإيجار الذي فات المالك الحصول عليه هو تكلفة فرصة استعمال المحل، ويسمى هذا النوع من تكلفة الفرصة التكلفة الضمنية التي لا بد أن تراعى عند حساب الأرباح والخسائر للمحل.
مثال آخر: إنسان لديه محل ويمكن أن يعمل فيه، ويمكن أن يوظف من يعمل فيه براتب 2500 ريال شهريا. إذ توافرت لصاحب المحل فرصة وظيفية تعطيه دخلا، قل مثلا خمسة آلاف ريال شهريا، فإن بقاءه في محله يعني تفويت 2500 ريال شهريا عليه. هذا المثال يوضح ما يجري في المنشآت الصغيرة، فأصحابها يسعون إلى تقليل التكاليف الصريحة والتكاليف الضمنية عليهم بتوظيف غير المواطنين. هناك طبعا تكاليف ضمنية يتحملها المجتمع من جراء تشغيل غير المواطنين، لكن الإنسان بطبعه أناني ينظر إلى مصلحته هو قبل مصلحة غيره أو مصلحة المجتمع كله.
يهتم الاقتصاديون بتكلفة الفرصة أكثر من المحاسبين، لأن علم الاقتصاد يعنى بفهم وتحليل السلوك الاقتصادي للأفراد والمؤسسات مفترضا أنهم يريدون تحقيق أقصى قدر من المصلحة لهم. فكرة تكلفة الفرصة تساعد على فهم هذا السلوك، كما أنها، من جهة أخرى، تساعد على تقييم السياسات الاقتصادية في قدر تحقيقها المصلحة العامة.
جعل المنشآت الصغيرة توظف المواطنين يتطلب من الجهات المسؤولة عن الاستقدام والتوظيف والدعم المالي إدخال وتنسيق سياسات وآليات تقلل من تكلفة الفرصة على أصحاب المنشآت الصغيرة من جراء توظيف المواطنين. وبالله التوفيق.
صيني على صيني
خالد السهيل
الصين بلد متطور، وأمريكا تستورد منها منتجات كثيرة، بما في ذلك الأثاث وبعض الأجهزة الكهربائية. ونحن أيضا نستورد من الصين. الفارق الوحيد بيننا وبين أمريكا، أن النظام في أمريكا لا يسمح للمستوردين بتجاوز المواصفات والمقاييس المعتمدة في البلد، ومن يجرؤ على خرق هذا الأمر يتم الزج به في قضايا وعقوبات وتعويضات لا تنتهي. بينما لدينا نجد أن النظام موجود لكن التجاوز موجود أيضا وهو يبدأ من بوابة عبور البضائع من الموانئ حتى وصولها إلى الأسواق. فهي تحت نظر الجمارك، والمواصفات والمقاييس، وإدارة السلامة في الدفاع المدني، والبلديات...إلخ، ومع ذلك فلسان حال كل هؤلاء يقول «ما دام غيري سمح بمرورها فلماذا أتعب نفسي بملاحقتها؟».
هذا الأمر هو مدعاة للاستغراب، وأحيانا للتندر حتى في الصين، فهم هناك يتساءلون: لماذا يصر بعض رجال الأعمال لديكم على أخذ بضائع بمواصفات تخالف قواعد السلامة؟ هذا شكل من أشكال فساد الضمائر الذي يحتاج إلى إشارة حمراء تساعد على التخفيف من سرطان محال كل شيء بريالين التي أصبحت مغاسل جاهزة لتمرير البضائع المغشوشة. بل إن المغشوش في الكهربائيات ـ مثلا ـ أصبح هو السائد في كل مكان إلى درجة أنك لا تعثر على «الأصلي» إلا بشق الأنفس.