محمد أحمد الحساني
عقب نشر مقالي الذي يحمل عنوان: «يا بنت عشرين والأيام مقبلة»، هاتفني عدد من «الشيبان» وعلقوا قائلين: لعلك تصور أحوال نفسك! وكأن أولئك «النغارى» في سن الثلاثين! فقلت لهم إن المعنى في قلب الشاعر؟! ولكن أخانا الأستاذ صلاح عبد القادر البشير أكرمني برسالة عبر الإنترنت، أورد فيها القصيدة التي جعلت من صدر بيت منها عنوانا لمقالي، وقال لي: إليك القصيدة كاملة، وجاء في رسالته أن ناظم القصيدة هو الشاعر السوداني الفذ محمد سعيد العباسي (رحمه الله)، وصحح لي صاحب الرسالة ما ورد في عجز بيت الشعر الذي ختمت به مقالي فقد أوردته هكذا:
يا بنت عشرين والأيام مقبلة
ماذا تريدين مني بعد سبعين
فأورده الأخ بشير كما قاله الشاعر العباسي:
هكذا:
يا بنت عشرين والأيام مقبلة
ماذا تريدين من موعود خمسين؟!
أما القصيدة نفسها فإنني أقتطف من نصها الكامل بعض الأبيات:
أرقت من طول هم بات يعروني
يثير من لاعج الذكرى ويشجوني
منيت نفسي آمالا يماطلني
بها زماني من حين إلى حين
ثم يقول في موضع آخر من القصيدة العذبة:
ما أنسى لا أنسى إذ جاءت تعاتبني
فتانة اللحظ ذات الحاجب النوني
يا بنت عشرين والأيام مقبلة
ماذا تريدين من موعود خمسين؟!
وكان الشاعر العباسي استنكر بلوغه الخمسين من عمره فماذا تريد فتاة العشرين فتانة اللحظ حواجبها مقرضة مثل حرف النون!
ثم يتنهد الشاعر ويتذكر عهود الصبا والشباب وما كان له فيهما من صولات وجولات فيقول:
قد كان لي قبل اليوم فيك هوى
أطيعه وحديث ذو أفانين
أزمان أمرح في برد الشباب على
مراسح اللهو بين الخرد العين
والعود أخضر والأيام مشرقة
وحالة الأنس تغري بي وتغريني
واليوم مذ جذبت عني أعنتها
هذي الظباء وولت وجهها دوني
وبهذا يصل الشاعر العباسي إلى حقيقة طالما تهرب منها غيره من المتصابين العاكفين على التصابي حتى بعد السبعين!