شر البلية ما يضحك 4 ... مجانين في القمة ... !!
اعتاد صديقي على الضحك عند متابعته لما يعرض في القنوات الفضائية الإخبارية و في بعض الأحيان كانت تتحول ضحكاته هذه إلى نوبة هستيرية من الضحك تجعلني أُوقن أنه ملبوس بجنيٍ سياسيٍ محنك !
كنت ألجأ دوماً إلى التحويل إلى أي قناة آخرى حتى لا ينفض مجلسنا على صوت شهقاته وزفراته وقهقهاته التي غالباً ما تتواصل إلى حين افتراقنا
حاولت أن أناقش معه هذا الأمر في أوقات هدوئه فلم أفلح بسبب أن مجرد ذكري لهذا الموضوع يدخله في نفس النوبة من الضحك
وأكثر ما كان يحيرني أنه بعيدٌ عن هذه القنوات يكون في منتهى الهدوء واللباقة والأدب ولا يمكن أن تحدث منه مثل هذه التصرفات ــ الغير لائقة ــ مهما كانت الأسباب .
لقد تضجرت من تصرفه هذا وأصبحت أتحاشى مقابلته والجلوس معه خوفاً من انقضاء وقتنا في مثل هذه الضحكات التي لا أعرف لها سبباً
رغم أنني أؤمن بأن وضعنا في السياسة الدولية كعرب مبعث للتندر والضحك ولكن تكرر هذه المشاهد المضحكة أفقدنا حتى هذه المتعة
فأنا لا أستطيع أن أضحك من سماع طرفة ترددت على مسامعي مراراً وتكراراً
فلعق جزم الغرب من قبل البعض ــ رغم قوتهم الظاهرة في بطشهم بشعوبهم ــ لم يعد مضحكاً لأنه تكرر كثيراً حتى فقد أهميته
وصفع بوش الحقير لكبرائنا على قفاهم أيضاً لم يعد مؤثراً فقد حفظنا هذا المشهد عن ظهر قلب لكثرة مشاهدته
ولم يعد مضحكاً رؤيتنا للبعض وهم يتنافسون على إرضاء كوندي الحقيرة وهي تلعب دور ناظر المدرسة وهم تلاميذها .
إن كل هذه المشاهد المضحكة لم تعد تحرك فينا ساكناً بل لم يعد يضحكنا حتى تجدد الكذب وتزييفهم للحقائق رغم علمهم أننا نشاهدها على طبيعتها خارج إعلامهم المزيف .
لقد قررت عرض صديقي على شيخ ممن يحسنون التعامل مع الجن
عله يستطيع بمحفوظاته من القرآن الكريم أن يخرج هذا الجني الأرجوز المتعلق بالسياسة
ولكن كيف لي أن أقنعه بأنه مصاب بالجنون وهو في منتهى العقل في أغلب أوقاته بعيداً عن هذه القنوات وعن أخبارها ودون ضياع أوقاتنا في متابعة برامج الحوار مع الحمقى والمنافقين
لقد أراحني الشيخ وهو يخبرني بأن الأمر في منتهى البساطة ولا يحتاج سوى تنسيق موعد نجتمع فيه ثلاثتنا دون أن يعلم صديقي بهذا الأمر ودون أن يعرف حقيقة هذا الشيخ .
لقد ارتحت كثيراً لهذه الفكرة وقررت تنفيذها على الفور فقمت بدعوة صديقي لشرب فنجان من القهوة العربية
ودعيت معه هذا الشيخ وعندما اجتمعنا في المجلس وتعارفنا وبدا أن صديقي قد ارتاح كثيراً لضيفي
قررت أن يشاهد الشيخ ما يحدث على الطبيعة فقمت بتشغيل جهاز الرائي وفتحت قناة المنار الإخبارية بحكم أنها أكثر احتشاماً من غيرها من قنوات السنة !!
وعندما بدأ المذيع بقراءة نشرة الأخبار ــ بالمناسبة كان يتحدث عن فشل الاتفاق على موعد انعقاد القمة العربية ــ
لم أصدق ما يحدث فقد خرج الشيخ عن وقاره وبدء يخبط بيديه على الأرض وهو يضحك بطريقة لا تتناسب مع هيئته ومع مكانته
وأخذ كل منهما يشير للأخر بإشارات تزيد من ضحكاتهم ولم ينتهي المذيع من جملة إلا ويتبعانها بسيل من الضحكات
وبد لي أنني أنا المجنون وهم العقلاء ولم أتمالك نفسي فشاركتهم الضحك دون علمي بما يحدث ، حتى أشفقت عليهما وقررت إغلاق الرائي
ورغم ذلك لم يتوقفا عن الضحك حتى إنفض هذا المجلس دون أن أحقق أي هدف من اجتماعهما !!
كم أحبطني ما حدث ، أيعقل أن يكون تصرف الشيخ بهذه الطريقة
فمهما كان واقعنا مضحكاً إلا أنه من المفترض أن يكون أكثر وقاراً وأن يسعى جاهداً لضبط انفعالاته خاصة وقد تعودنا على هذا الواقع
ولم نعد نصطدم بكل ما يحويه إعلامنا من تفاهات ولعلنا أصبحنا نصدق الكاذب ونكذب الصادق ونحتمي بالمجرم خوفاً ممن ليس له من هدف سوى حمايتنا .
على العموم حاولت كخطوة أخيرة اللجوء إلى الطب النفسي عله يعطيني تفسيراً منطقياً لما يحدث لصديقي
وبدأت بمطالعة الكثير من كتب النفس حتى تأكدت أن هذه الحالة مبعثها شخصيات أو كلمات أو حوادث معينة مختزنة في العقل الباطن تحضر في وقت محدد ، وتستحضر معها ردة الفعل التي أشاهدها
فقررت أن أمارس دور الطبيب النفسي مع صديقي دون أن يشعر بذلك وأنا موقن بالنجاح لقناعتي بأن دور هؤلاء الأطباء ينحصر في اجترار الماضي ومعالجة بعض الترسبات المسببة للأعراض النفسية من خلال الثرثرة التي أجيدها كثيراً فيما يبدو لي !!!!
حاولت في البداية معرفة الأسباب المؤدية لهذه الظاهرة بدقة متناهية
من خلال استعراض الأحداث السياسية المختلفة عن طريق طرح بعض الكلمات التي لها علاقة بالسياسة مثل كلمة غزو أو قتل وتشريد أو هدنة أو صلح أو خارطة أو نظام
وهكذا توصلت بعد جهد كبير إلى أن أكثر كلمة تضحك صديقي هي ( القمة )
وقد تأكدت من هذا الأمر بوضعها في أكثر من جملة ليس لها علاقة بالسياسة وغير مضحكة نهائياً وبأكثر من تصريف
ورغم ذلك كان في كل مرة يضحك بمجرد سماعه لها ومن ذلك ما حدث عندما أخبرته بأن الإنسان يصل إلى قمة النضج في سن الأربعين عندها كاد أن يستلقي على ظهره من شدة الضحك فتيقنت أن ما به مرتبط بالقمة ... !!
وكان ذلك انتصار كبير بالنسبة لي دعاني للاستمرار في هذه الطريقة لمعرفة أكثر ما يستفزه في هذه القمم ويدعوه للضحك .
حاولت في المرحلة التالية أن استعرض أمامه بعض الأسماء التي يكثر تداولها في هذا الشأن
حتى تأكد لي أن هذه النوبة تعتريه عند ذكري لاسم معين وبالفعل فهذا الجنرال يدعو للضحك حتى أنني لم أتمالك نفسي وأصبت بنفس اللوثة العقلية التي أصابته هو والشيخ وأنا أذكر له اسمه ملحقاً برتبته العسكرية !!
وهو أيضاً قد تجاوز كل الحدود في انفعاله الحالي حتى خشيت أن يلفظ أنفاسه الأخيرة مما أخافني ودعاني للكذب باختراع أمر محزن يخصه
فأخبرته بأن أحد أقاربه قد توفي حتى أخرجه من هذه النوبة ورغم ذلك لم أستطع سوى التخفيف منها فقط وبقي يضحك حتى افترقنا وهو يترحم على ذلك الفقيد من عائلته !!!!
شعرت لوهلة أنني أقترب كثيراً من تحقيق ما أصبو إليه وبت لا أشك مطلقاً في قدراتي النفسية
فقد استطعت تحديد الموقف وكذلك أمكن لي معرفة الشخصية ولم يبقى ، سوى معرفة ما يدعو للضحك في تصرفات هذه الشخصية
وقد يكون ذلك من الصعوبة بمكان بالنظر إلى تعدد هذه الشطحات لذلك حاولت أن أنسج شخصية وهمية ألصق بها بعض التصرفات التي اشتهر بها هذا البطل
كي استوحي من خلالها أكثر المواقف تأثيراً على صديقي وقد لاحظت بعد أكثر من محاولة أن هذه النوبة قد اعترته عندما صورت له هذه الشخصية الوهمية تقوم بتلاوة التوصيات الناتجة عن الاجتماع المقرر عقده في وزارة التربية قبل حدوثه
وفي هذه المرة لم استطع أن أخرجه من هذه الحالة حتى وأنا أخبره بأن جميع عائلته قد توفوا مما دعاني لإغلاق فمه بكلتا يدي علّي أستطيع أن أعيده لوضعه الطبيعي !!
لقد شعرت بسعادة حقيقية مبعثها نجاحي في تحديد الموقف بدقة ووضعي ليدي على جرحه الغائر في أحشائه النفسية !!
رغم إقراري بعجزي عن إيقاف هذا السيل المتدفق من الضحكات حتى وأنا استخدم هذه الطريقة
كوني لم أستطع أن أخلص صديقي من هذه الترسبات المتجددة والتي يصعب نسيانها
ولأنني لم أستطع أن أقاوم الرغبة الشديدة في الضحك كلما تذكرت عقدة صديقي وحالته النفسية بعد تلك الليلة التي سبقت انعقاد القمة
وهو يشاهد ذلك البطل المغوار يتلو على مسامعنا القرارات المزمع اتخاذها في هذه القمة
مستهزئاً بالجميع بمن فيهم تلك الشعوب العربية المطحونة وهو ينقل لكل العالم صفحة سوداء من صفحات تاريخنا الذي لن ينسى
وأكثر ما كان يدعو للضحك هو اجتماعهم بالفعل وتلاوتهم لنفس القررات التي تسربت مما يثير أكثر من علامة استفهام حول الجهة التي أجبرتهم على عقد هذه القمة والخروج بنفس القرارات !!!!!!
هذه الجهة التي يبدو أنه يروق لها التندر والضحك ولا تجد ألطف من هذه الاجتماعات لتقضي معها عطلة نهاية الأسبوع
قبل معاودة القتل والتنكيل بنا ، لذلك قررت التعامل مع هذا الواقع كما يتعامل معه صديقي بمعاودة الضحك عند كل قمة
لنصبح جميعنا مجانين في القمة ونحن نردد أن ( شر البلية ما يضحك ) ...