رد : مناسك الحج والعمرة
2 ـ طوافهم عند الزحام من داخل الحجر، بحيث يدخل من باب الحِجر إلى الباب المُقابل، ويدَع بقية الحِجر عن يمينه، وهذا خطأٌ عظيم لا يصحُّ الطواف إذا فعله، لأن الحقيقة أنه لم يَطُف بالبيتِ، وإنما طاف ببعضِه.
3 ـ الرَّملُ في جميعِ الأشواط السبعة.
4 ـ المزاحمة الشديدة للوصول إلى الحجَرِ لتقبيله، حتى إنه يؤدي في بعض الأحيان إلى المُقاتلة والمشاتمة، فيحصل من التضارب والأقوال المنكرة ما لا يليق بهذا العمل، ولا بهذا المكان في مسجد الله الحرام، وتحت ظل بيته، فينقصُ بذلك الطواف، بل النسك كله، لقوله تعالى : {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ }.
وهذه المزاحمة تُذهِبُ الخشوع وتُنسي ذكرَ الله تعالى، وهما من أعظمِ المقصود في الطواف.
5 ـ اعتقادهم أن الحجَرَ الأسودَ نافع بذاته، ولذلك تجدهم إذا استلموه مَسَحوا بأيديهم على بقية أجسامهم، أو مسحوا بها على أطفالهم الذين معهم !!.
وكلُّ هذا جهل وضلالٌ، فالنفع والضرر من الله وحده، وقد سبق قول أمير المؤمنين عُمر رضي الله عنه : « إني لأعلمُ أنك حَجَرٌ لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلّم يُقبلك ما قبّلتك».
6 ـ استلامهم ـ أعني بعض الحجاج ـ لجميع أركان الكعبة، ورُبما استلموا جميع جدران الكعبة، وتمسحوا بها، وهذا جهل وضلال، فإن الاستلام عبادةٌ وتعظيم لله عز وجل، فيجب الوقوف فيها على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلّم ولم يستلم النبي صلى الله عليه وسلّم من البيت سوى الركنين اليمانيين ( الحجر الأسود وهو في الركن اليماني الشرقي من الكعبة، والركن اليماني الغربي ).
وفي « مسند الإمام أحمد» عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه طاف مع معاوية رضي الله عنه، فجعل معاوية يستلم الأركان كلها، قال ابن عباس : لِمَ تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستلمهما ؟ فقال معاوية : ليس شيءٌ من البيت مهجوراً. فقال ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أُسوةٌ حسنة. فقال معاوية : صدقت.
الطواف والأخطاء القولية فيه
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه كان يُكَبر الله تعالى كلما أتى على الحجر الأسود. وكان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود : {رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاٌّخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
وقال : إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله.
والخطأ الذي يرتكبه بعض الطائفين في هذا، تخصيص كل شوط بدعاء معين لا يدعو فيه بغيره، حتى إنه إذا أتم الشوط قبل تمام الدعاء قطعه ولو لم يَبق عليه إلا كلمةٌ واحدة، ليأتي بالدعاء الجديد للشوط الذي يليه، وإذا أتم الدعاء قبل تمام الشوط سكت.
ولم يَرد عن النبي صلى الله عليه وسلّم في الطواف دعاءٌ مُخصص لكل شوط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وليس فيه ـ يعني الطواف ـ ذكرٌ محدود عن النبي صلى الله عليه وسلّم، لا بأمره، ولا بقوله، ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثيرٌ من الناس من دعاء مُعين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصلَ له.
وعلى هذا فيدعو الطائفُ بما أحب من خيري الدنيا والاخرة، ويذكر الله تعالى بأي ذكرٍ مشروع من تسبيح أو تحميد أو تهليل أو تكبير أو قراءة قرآن.
ومن الخطأ الذي يرتكبه بعض الطائفين أن يأخذَ هذه الأدعية المكتوبة فيدعو بها وهو لا يعرف معناها، وربما يكون فيها أخطاءٌ من الطابع أو الناسخ تَقلبُ المعنى رأساً على عَقِبٍ، وتجعل الدعاء للطائف دعاءً عليه، فيدعو على نفسه من حيث لا يشعر، وقد سمعنا من هذا العَجَبَ العجاب.
ولو دعا الطائف ربه بما يريده ويعرفه، فيقصد معناه لكان خيراً له وأنفع، ولرسول الله صلى الله عليه وسلّم أكثرَ تأسياً وأتبع.
ومن الخطأ الذي يرتكبه بعضُ الطائفين أن يجتمع جماعةٌ على قائد يطوف بهم ويُلقِّنهم الدعاء بصوت مرتفع فيتبعه الجماعة بصوتٍ واحد، فتعلوا الأصوات، وتحصل الفوضى، ويتشوش بقية الطائفين، فلا يدرون ما يقولون، وفي هذا إذهابٌ للخشوعِ، وإيذاءٌ لعباد الله في هذا المكان الامن.
وقد خَرَجَ النبي صلى الله عليه وسلّم على الناس وهم يُصلون ويجهرون بالقراءة، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : « كلكم يُناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعضٍ في القرآن» رواه مالكٌ في « الموطأ»، قال ابن عبدالبر : وهو حديثٌ صحيح.
ويا حبذا لو أن هذا القائد إذا أقبل بهم على الكعبة وقف بهم وقال : إفعلوا كذا، قولوا كذا، ادعوا بما تُحبون، وصار يمشي معهم في المطاف حتى لا يخطىء منهم أحد، فطافوا بخشوع وطمأنينة، يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، وتضرعاً وخُفية بما يحبونه، وما يعرفون معناه ويقصدونه، وسَلِمَ الناسُ من أذاهم.
الركعتان بعد الطواف والخطأ فيهما
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه لما فرغ من الطواف تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ : {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَهِيمَ مُصَلًّى }، فصلى ركعتين، والمقام بينه وبين الكعبة، وقرأ في الركعة الأولى الفاتحة وقل يا أيها الكافرون، وفي الركعة الثانية الفاتحة وقل هو الله أحد.
والخطأ الذي يفعله بعض الناس هنا ظنهم أنه لا بد أن تكون صلاة الركعتين قريباً من المقام، فيزدحمون على ذلك، ويُؤذون الطائفين في أيام الموسم، ويُعوقون سير طوافهم، وهذا الظن خطأ، فالركعتان بعد الطواف تُجزيان في أي مكان من المسجد، ويُمكن المصلي أن يجعل المقام بينه وبين الكعبة، وإن كان بعيداً عنه، فيُصلي في الصحن أو في رُواق المسجد، ويسلم من الأذية فلا يُؤذي ولا يُؤذى، وتحصلُ له الصلاة بخشوع وطمأنينة.
ويا حبذا لو أن القائمين على المسجد الحرام منعوا من يؤذون الطائفين بالصلاة خلف المقام قريباً منه، وبَيَّنوا لهم أن هذا ليس بشرط للركعتين بعد الطواف.
ومن الخطأ أن بعض الذين يُصلون خلف المقام يُصلون عدة ركعاتٍ كثيرة بدون سبب، مع حاجة الناس الذين فَرغوا من الطواف إلى مكانهم.
ومن الخطأ أن بعض الطائفين إذا فرغ من الركعتين وقف بهم قائدهم يدعو بهم بصوتٍ مرتفع فيُشوشون على المُصلين خلف المقام، فيَعتدون عليهم، وقد قال الله تعالى : {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
صعود الصفا والمروة والدعاء فوقهما
والسعـي بـين العلمـين والخطأ في ذلك
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه حين دنا من الصفا قرأ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ } ، ثم رقى عليه حتى رأى الكعبة فاستقبل القِبلَةَ ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو، فوحد الله وكبره وقال : لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إلـه إلا الله وحده، أنجزَ وعدَه، ونَصر عبده، وهَزَم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مراتٍ، ثم نزل ماشياً فلما انصبت قدماه في بطن الوادي وهو ما بين العلمين الأخضرين سعى حتى إذا تجاوزهما مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا.
والخطأ الذي يفعله بعض الساعين هنا أنهم إذا صعدوا الصفا والمروة استقبلوا الكعبة فكبروا ثلاث تكبيراتٍ يرفعون أيديهم ويومئون بها كما يفعلون في الصلاة، ثم ينزلون، وهذا خلاف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلّم، فإما أن يفعلوا السنة كما جاءت إن تيسر لهم، وإما أن يدعوا ذلك ولا يُحدثوا فعلاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلّم.
ومن الخطأ الذي يفعله بعض الساعين أنهم يَسعون من الصفا إلى المروة، أعني أنهم يشتدون في المشي ما بين الصفا والمروة كله، وهذا خلاف السنة، فإن السعي فيما بين العلمين فقط، والمشي في بقية المسعى، وأكثرُ ما يقع ذلك إما جهلاً من فاعله، أو محبة كثير من الناس للعجلة والتخلص من السعي، والله المستعان.
ومن الخطأ أن بعض النساء يَسعين بين العلمين، أي يُسرعن في المشي بينهما كما يفعل الرجال، والمرأة لا تسعى، وإنما تمشي المشيةَ المعتادة، لقول ابن عمر رضي الله عنهما : ليس على النساء رَمَلٌ بالبيت ولا بين الصفا والمروة.
ومن الخطأ أن بعض الساعين يقرأ قوله تعالى : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ } كلما أقبلوا على الصفا أو على المروة، والسنة أن يقرأها إذا أقبل على الصفا في أول شوطٍ فقط.
ومن الخطأ أنّ بعضَ الساعين يُخصص لكل شوطٍ دعاءً معيناً، وهذا لا أصل له.
الوقوف بعرفة والخطأ فيه
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه مكثَ يوم عرفة بنمرة حتى زالت الشمس، ثم ركب، ثم نزلَ في بطن وادي عُرنة، فصلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين جمعَ تقديم، بأذانٍ واحد وإقامتين، ثم ركب حتى أتى موقفه فوقف، وقال : « وقفت هاهنا وعرفة كُلُّها موقف»، فلم يزل واقفاً مستقبلَ القِبلة رافعاً يديه يذكرُ الله ويدعوه حتى غربت الشمسُ وغاب قرصُها فدفع إلى مزدلفة.
|