رد : مناسك الحج والعمرة
س 16 : معلومٌ أن حَلقَ الرأسِ من محظوراتِ الإحرامِ، فكيفَ يجوزُ البدءُ به في التحلُّل يومَ العيد، لأن العلماءَ يقولون : إن التحلُّل بفعلِ اثنين من ثلاثِ، ويَذكرون منها الحلقَ، وعلى هذا فإنّ الحاجَّ يجوزُ أن يبدأ به ؟
ج 16 : نعم يجوزُ البدءُ به لأنّ حلقَه عند الإحلالِ للنُّسك، فيكون غير مُحرِمٍ، بل يكونُ نُسكاً مأموراً به، وإذا كان مأموراً به فإن فعله لا يُعَدُّ إثماً ولا وقوعاً في محظورٍ.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه سُئل عن الحلقِ قبل النحرِ وقبل الرمي، فقال : « لا حَرَج».
وكون الشيء مأموراً به أو محظوراً إنما يُتلقى من الشرع : ألا ترى إلى السجودِ لغير الله تعالى كان شِرْكاً، ولما أمر الله به الملائكةَ أن يسجدُوا لادم كان سجودُهم له طاعةً.
ثم ألم تَرَ إلى قتلِ النفسِ، لا سيّما الأولادَ كان من الكبائرِ العظيمةِ، فلما أمر الله تعالى نبيَّه إبراهيم أن يقتلَ ابنه إسماعيلَ كان طاعةً نال بها إبراهيمُ مرتبةً عظيمةً، ولكن الله تعالى برحمتهِ خفّف عنه وعن ابنهِ وقال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يإِبْرَهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَـهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.
س 17 : متى ينتهي زمنُ ذبحِ هدي التمتع ؟ وهل هناك خلافٌ وآراءٌ في تحديد الزمن ؟
ج 17 : ينتهي زمنُ الذبحِ لهدي التمتُّع بغروبِ الشمسِ من اليومِ الثالث عشر من ذي الحجة ويبتدىء إذا مضى قَدرُ صلاةِ العيد من يومِ العيد بعد ارتفاعِ الشمسِ قدرَ رمحٍ.
وأما : هل هناك خلافٌ ؟ فنعم فيه خلافٌ في ابتدائه وانتهائه، ولكن الراجحَ ما ذكرناه، والله أعلم.
س 18 : ما حُكمُ من بات في منى إلى الساعة الثانية عشرةَ ليلاً، ثم دخل مكةَ ولم يَعُد حتى طلوع الفجر ؟
ج 18 : إذا كانت الساعةُ الثانيةَ عشرةَ ليلاً هي منتصف الليل في منى، فإنه لا بأسَ أن يخرجَ منها بعدها.
وإن كان الأفضلُ أن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، وإن كانت الساعةُ الثانية عشرةَ قبل منتصفِ الليل فإنه لا يخرجُ، لأن المبيت في منى يشترطُ أن يكون مُعظَمَ الليل على ما ذكره فُقهاؤنا رحمهم الله تعالى.
س 19 : يُقال : إنه لا يجوزُ الرمي بجمرةٍ قد رُمي بها، فهل هذا صحيح ؟ وما الدليلُ عليه ؟
ج 19 : هذا ليس بصحيحٍ، لأن الذين استدلُّوا بأنه لا يُرمَى بجمرةٍ قد رُمي بها، علّلوا ذلك بعللٍ ثلاث : قالوا إنها ـ أي الجمرةُ التي رُمي بها ـ كالماء المستعمل في طهارة واجبةٍ، والماء المستعمل في الطهارةِ الواجبة يكونَ طاهراً غيرَ مُطَهِّر، وإنها كالعبدِ إذا أُعتق فإنه لا يُعتَق بعد ذلك في كفّارة أو غيرها، وإنه يلزمُ من القولِ بالجوازِ أن يَرمِيَ جميعُ الحجيجِ بحجرٍ واحدٍ، فترمي أنتَ هذا الحجَرَ، ثم تأخذهُ وترمي، ثم تأخُذُه وترمي حتى تُكملَ السبعَ، ثم يجيءُ الثاني فيأخُذُهُ فيرمي حتّى يُكمل السبع، فهذه ثلاثُ عللٍ وكلُّها عند التأمُّل عليلةٌ جداً.
أما التعليلُ الأول : فإنّما نقولُ بمنع الحكمِ في الأصلِ، وهو أنّ الماءَ المستعملُ في طهارة واجبةٍ يكون طاهراً غيرَ مُطَهِّر لأنّه لا دليلَ على ذلك، ولا يُمكن نقلُ الماء عن وصفهِ الأصلِّي، وهو الطهوريّة إلا بدليلٍ.
وعلى هذا فالماء المستعملُ في طهارةٍ واجبةٍ طهورٌ مُطهِّرٌ، فإذا انتفى حُكمُ الأصلِ المقيس عليه، انتفى حكمُ الفرعِ.
وأما التعليل الثاني : وهو قياسُ الحصاةِ المرمي بها على العبد المُعتَق، فهو قياسٌ مع الفارقِ، فإن العبدَ إذا أُعتق كان حُرًّا لا عبداً، فلم يكن محلاً للعتقِ، بخلافِ الحجر إذا رُمي به فإنه يبقى حَجَراً بعد الرمي به، فلم يَنْتَفِ المعنى الذي كان من أجله صالحاً للرمي به، ولهذا لو أن هذا العبد الذي أُعتق استرقَّ مرةً أخرى بسبب شرعيٍّ جاز أن يُعتَقَ مرة ثانية.
وأما التعليلُ الثالث : وهو أنه يَلزَمُ من ذلك أن يقتصر الحجَّاج على حصاةٍ واحدةٍ، فنقولُ : إن أمكن ذلك فليكن ولكن هذا غيرُ مُمكنٍ، ولن يعدلَ إليه أحدٌ مع توفّر الحصا.
وبناءً على ذلك، فإنه إذا سَقَطَت من يدك حصاةٌ أو أكثر حولَ الجمراتِ فَخُذْ بَدَلهُا مما عندك، وارْمِ به سواءٌ غَلَبَ على ظنِّك أنه قد رُمي بها أم لا.
س 20 : إذا قَصَّرَ الحاجُّ والمُعتَمِرُ من جانبي رأسهِ ثم حَلَّ إحرامهُ وهو لم يُعَمّم الرأس فما الحكمُ ؟
ج 20 : الحكمُ إن كان في الحجِّ وقد طاف ورمى، فإنَّه يبقى في ثيابهِ، ويُكمل حلقَ رأسِه أو تقصيره، وإن كان في عُمرةٍ فعليه أن يخلعَ ثيابه ويعودَ إلى ثيابِ الإحرامِ ثم يحلقَ أو يُقَصِّرَ تقصيراً تاماً يعمُّ جميعَ الرأسِ وهو مُحْرِم، أي وهو لابسٌ ثيابَ الإحرام.
س 21 : هل يجوزُ للحاجِّ أن يُقَدِّم سعي الحجِّ عن طوافِ الإفاضة ؟
ج 21 : إن كان الحاجُّ مُفرِداً أو قارناً، فإنه يجوزُ أن يُقَدّم السعيَ على طوافِ الإفاضةِ، فيأتي به بعد طوافِ القدوم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلّم، وأصحابُه الذين ساقوا الهديَ.
أما إن كان متمتعاً، فإن عليه سعيين : الأول عند قدومِه إلى مكة، وهو للعُمرة، والثاني في الحجّ.
والأفضلُ أن يكون بعد طوافِ الإفاضةِ، لأن السعيَ تابعٌ للطوافِ، فإن قدّمه على الطوافِ فلا حَرَجَ على القول الراجحِ، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم سُئل فقيل له : سعيتُ قبل أن أطوف ؟! قال : « لا حَرَج». فالحاجُّ يفعلُ يومَ العيد خمسةَ أنساكٍ مُرَتّبَةً : رميُ جمرة العَقبة، ثم النّحر، ثم الحلْق أو التقصير، ثم الطَّواف بالبيت، ثم السَّعي بين الصفا والمروة، إلا أنْ يكونَ قارناً أو مُفْرداً سعى بعد طوافِ القدومِ فإنّه لا يُعيد السعيَ، والأفضلُ أن يُرَتّبها على ما ذكرنا، وإن قَدّم بعضَها على بعضٍ، لا سّيما مع الحاجةِ فلا حَرَج، وهذا من رحمةِ الله تعالى وتيسيرهِ، فلله الحمد رب العالمين.
|