صحيفةاليوم : الاربعاء 15 ربيع الثاني 1431 العدد 13438
هدية سلطان الخير لذوي الإعاقة البصرية
د.نعيمة إبراهيم الغنّام
تخيل نفسك حبيسا لسنوات طفولتك وشبابك داخل دوائر ضيقة، ثم فجأة ودون مقدمات، تجد نفسك تائها داخل أروقة عالم لا تعرفه وليس معدا لتواجدك داخله، هنا تجد نفسك وحيدا متخبطا وأول ما تتمناه أن تعود لسجنك الضيق، تلك الحالة بالتحديد هي ما تصيب ذوي الإعاقة البصرية عند بداية التحاقهم بالكليات، فالطالب الذي أتم تعليمه العام داخل مؤسسات معزولة لا تضم إلا أقرانه من ذوي الإعاقة البصرية، والذي يتعلم بأساليب وأدوات مختلفة عن غيره، يجد نفسه بالكليات المختلفة لا تناسب ظروفه، ومطلوب منه أن يتعلم نفس المناهج وبأساليب لم يعتد عليها، ويستغرق الشخص فترة طويلة حتى يكيف أدواته الخاصة على الوضع الجديد، فيبحث عمن يقرأ له ومن يساعده في كتابة إجابة الاختبارات لأن غالبية المناهج لا تنسخ بطريقة الحروف البارزة، وبالتأكيد يجب أن يتميز هذا الشخص بإرادة قوية ليواجه الصعاب الكثيرة التي تواجهه. حالة الاغتراب تلك تحدث لأسباب عديدة أهمها على الإطلاق، نظام التعليم الخاص بذوي الإعاقة والذي مازال قائما ومسيطرا داخل بلادنا العربية، فأساس هذا النظام يقوم على عزل ذوي الإعاقة بمؤسسات تعليمية خاصة بعيدا عن أقرانهم حتى من ذوي الإعاقة أيضا، فعملية العزل تتم على أساس التقسيم الفئوي الطبي (حركي – سمعي – بصري – ذهني) وبرغم التغير النوعي بمجال الإعاقة حيث تتغير المفاهيم الأساسية لتحل محلها مفاهيم اجتماعية تقر بحقوق ذوي الإعاقة على قاعدة مناهضة التميز وقبول الاختلافات الطبيعية بين البشر، إلا أن مفاهيم التعليم الجامعي لم تتحول بالقدر الكافي لسياسات تعليمية لدمج ذوي الإعاقة للتعليم العام داخل البلاد العربية، ولا يعني ذلك غياب بعض تجارب الدمج الناجحة ومنها داخل المملكة العربية السعودية، ولكن هذه التجارب لم تتم الاستفادة منها وتوسيعها بالقدر المأمول، أردت أن أبدأ بتلك الحالة التي يعرفها التربويون جيدا كمدخل لتناول الإعلان عن كلية الأمير سلطان بن عبد العزيز، لذوي الإعاقة البصرية بالمنطقة الشرقية، هدية أهالي المنطقة احتفاءً بسلامته والتي تبرع لها سموه بمبلغ 60 مليون ريال، وهي أول كلية من نوعها بمنطقة الشرق الأوسط، وتتأسس الكلية طبقا لأحدث النظريات الهندسية الخاصة بتمكين ذوي الإعاقة البصرية من الاستقلال الذاتي، فمثل هذا العمل العظيم لا يعبر فقط عن الخير والعطف، فهو تلبية لحاجة اجتماعية واقعية، تلبية تدرك حاجات فئة اجتماعية تعيش بيننا وتفتقد لوسائل الدمج والتفاعل الاجتماعي، فالعمل يعبر عن فهم عميق للرؤية الاجتماعية تجاه الإعاقة، فهو يأتي بسياق إزالة الحواجز من أمام ذوي الإعاقة البصرية ومنحهم فرصة حقيقية للكشف عن قدراتهم ومهاراتهم واستثمارها بشكل يربط بين التعلم من جهة والعمل على توفير فرص التوظيف المناسبة والمنتجة من جهة أخرى. والحقيقة إنني ذكرت أكثر من مرة فخري بكون المملكة العربية السعودية، تضم أهم مراكز أبحاث ودراسات الإعاقة، وبمقدمتها مؤسسة الأمير سلطان لأبحاث الإعاقة، والآن فخري بتلك المؤسسات قد زاد كثيرا، وذلك لأنها لا تكتفي بالجانب النظري لمجال الإعاقة والعمل على تطوير المفاهيم، وهو ما يطلق عليه «الجانب المعرفي» بل عملت للتحول إلى التطبيق العملي للمفاهيم الحديثة على أرض الواقع، وهو ما نسميه «الجانب التجريبي» وهذا الربط بالتحديد هو ما يؤكد الرغبة الحقيقية على إزالة الحواجز من أمام ذوي الإعاقة، كما يعكس القناعة الحقيقية بالمفاهيم المتقدمة بمجال الإعاقة وتبني حقوقهم المشروعة التي لا يدركها المجتمع بشكل جيد.