رد: المقالات التربوية الاحد 19-4
عكاظ :الأحد 19 ربيع الآخر 1431هـ العدد 3213
ليس إلا أكل القاضي حقوق القطط
صالح إبراهيم الطريقي
ثمة قصة ما زالت عالقة في رؤوس جيلي ونتداولها لأنها كانت في منهج التعليم لدينا، والتي درسناها منذ ثلاثين عاما أو أكثر، وكانت القصة تحكي عن خلاف بين قطتين على جبن، وحين احتكمتا لقرد، أكل القرد «القاضي» الجبن وهو يحاول أن يوازن في قسمته بينهما، ثم تنتهي القصة على ندم القطين، لأنهما لم يتفقا فأكل القاضي حقوقهما. هذه الحكمة التي أسسها التعليم لدينا، لم ينتبه الكثير لما تخفيه، فهي وإن كانت تعلم الطفل التعاون مع رفيقه، ونبذ الخلاف، وعدم الطمع، إلا أنها أيضا وبشكل غير مباشر تعلمه عدم اللجوء للقانون لأخذ حقه، وأن القانون ما هو إلا قاض سيأكل حقوقهما إن لجآ إليه. قبل أعوام حضرت تخرج طلاب في صف الثاني ابتدائي، مع صديقي وطفله الفرح بنجاحه، وكان الطلاب يمثلون على المسرح «قصة القطين والقرد»، فأدهشني أننا ما زلنا نروي هذه القصة للأجيال، والتي تعلمهم عدم اللجوء للقانون. بعد المسرحية، أثار دهشتي من جديد أمر آخر مرتبط بالخداع. فقد خرج طالب في الصف الثاني ابتدائي ليعبر عن ذاته، ولكن باللغة الإنجليزية، كإشارة إلى أن المدرسة تعلم الطالب اللغة الإنجليزية لدرجة أن يعبر الطالب عن ذاته بلغة أخرى، مع أنهم لم يسمحوا للطلاب بالتعبير عن ذاتهم باللغة الأم. وكان بالتأكيد ذاك الطالب ابنا لشخص ابتعث للخارج ليدرس هناك، وتعلم طفله اللغة الإنجليزية في الخارج، وأن المدرسة هنا لا دخل لها في تعليمه اللغة بهذه الطلاقة، لأن كتب الإنجليزي لديهم تعلم بعض الكلمات والأرقام والجمل، ولا يمكن لمثل هذا المنهج أن يخرج طالبا قادرا على التعبير عن ذاته بلغة ثانية. فيما بعد أكد لي صديقي أنه حاول مرارا مع المدير والمشرف والمربي أن يوجدوا للطلاب ولو حصة واحدة في الأسبوع لتعليم الطلاب الحوار والتعبير عن ذاتهم. المعلم أخبره أنه لا يمكن لهم الخروج عن المنهج المقرر، المشرف اتفق معه على أن لدينا أزمة في الحوار، وأننا نحتاج لمثل هذا، فيما المدير أكد له أن هذا سيحدث وأنهم ينتظرون معلما متخصصا بهذا الأمر سيصل قريبا. لم يأت المعلم المنتظر، وما زال التعليم يحذر الطلاب من اللجوء للقاضي حتى لا يأكل حقوقهم. وصديقي تؤرقه أسئلة، ويرددها كثيرا، مفادها: هل فعلا نجح طفلي، وبماذا نجح؟
وهل الأمر كما قاله المعلم بأن المنهج لا يسمح للطالب بالتعبير عن ذاته؟
ومتى سيأتي المدرس المنتظر؟
|