التحلل من اليورو السبيل الوحيد لخروج اليونان من أزمتها

فيلهيلم هنكل وفيلهيلم نولينج وكارل البريخت وجواكيم ستارباتي
تواجه اليونان خطر إفلاس الدولة. ولم تعد هناك أية أوهام بأن العضوية في الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي توفر الحماية من الحقائق القاسية. فمنذ أن دخلت اليونان في منطقة اليورو عام 2001، ضحت بقدرتها على المنافسة وراكمت عجوزات ضخمة في ميزانها التجاري. ومن الناحية النظرية، إذا أراد اليونانيون أن يعوضوا الأرضية الاقتصادية التي خسروها في أقل من عقد من الزمن، يتعين عليهم أن يخفضوا قيمة عملتهم بنسبة 40 في المائة. لكن هذا الأمر مستحيل في ظل اتحاد نقدي.
ليس هناك نقص على صعيد المقترحات الخاصة بمساعدة اليونان، بما في ذلك تقديم المساعدة لها من جانب حكومات البلدان الأخرى الأعضاء في منطقة اليورو – وهي خطوة تخالف قاعدة «عدم الإنقاذ» التي أكدت عليها المعاهدة التي تأسس الاتحاد النقدي بموجبها. ومما يؤسف له أن هناك طريقة واحدة فقط لتجنب هذه الدائرة الشريرة. يتعين على اليونانيين أن يخرجوا من اليورو وأن يعيدوا تأسيس الدراخما ويعاودوا الدخول في آلية سعر التحويل التي ما زالت قائمة والخاصة بالنظام النقدي الأوروبي الذي يدعى ERM-II (آلية سعر الصرف 2) التي خرجوا منها عام 2001.
إننا لا نقدم هذا البيان انطلاقاً من الطيش والاستخفاف. فبصفتنا الأساتذة الأربعة الذين أخذوا الحكومة الألمانية إلى المحكمة الدستورية الألمانية عام 1998 بسبب دخول ألمانيا في عضوية اليورو، فإن لدينا سجلاً معروفاً باستقامة التفكير وصراحة التعبير. وفي حكم مشهود صدر عام 1993، حكمت المحكمة الدستورية بأنه بعد أن يصبح الاتحاد النقدي ناجزاً ونافذاً، يتعين أن يستوفي باستمرار كامل الشروط الواردة في «معاهدة الاستقرار» التي تم إبرامها بعد أن تمت الموافقة على العملة الواحدة. وقضت المحكمة أنه إذا لم يتحقق ذلك الشرط فستكون ألمانيا ملزمة بالخروج من هذه العملة.
وتأسيساً على ذلك، نود أن نعلن بشكل واضح أنه إذا قدمت حكومات بلدان منطقة اليورو المساعدة إلى اليونان على نحو يخالف قاعدة عدم الإنقاذ، فلن نتردد في رفع دعوى جديدة لدى المحكمة الدستورية لاستصدار أمر يلزم ألمانيا بالخروج من الاتحاد النقدي. في 1998 رفعنا قضية على الحكومة في المحكمة اعتقاداً منا بأن بعض البلدان التي دخلت في الاتحاد النقدي لم تستوف شروط الدخول بشكل كاف وأنها تلاعبت، جزئياً على الأقل، بالإحصائيات كي تضمن العضوية.
في ضوء تلك الشروط، آخذين في الاعتبار الحكم الصادر في عام 1993، دعونا المحكمة في 1998 إلى منع ألمانيا من الاشتراك في الاتحاد النقدي. وتم رفض دعوانا في حينه. أما اليوم، ومع المأزق الذي تقع فيه دول اليورو الضالة والتشويهات الإحصائية التي يقر بها الجميع تقريباً، فإننا نعتقد أن النتيجة ستكون مختلفة.
لقد بات من الواضح بدرجة معقولة أن خيارات اليونان قد نفدت. فقد تبنى البلد برنامجاً للتقشف على درجة من القسوة غير مسبوقة تقريباً، فخفض الإنفاق الحكومي، وزاد الضرائب، وخفض الرواتب. وهذا البرنامج يتجاهل تماماً وجهة نظر كينز التي تقول إن على الدول أن تواجه الأزمات بتدابير مضادة تدعم الطلب. ومن المؤلم أن الإجراء اليوناني يذكرنا بالخطوات سيئة الطالع التي اتخذتها ألمانيا لخفض الإنفاق أثناء الكساد الذي حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، والذي تعلم منه العالم أن خفض الميزانيات لاسترضاء الدائنين في زمن الانكماش يولد بطالة جماعية ويجعل المجتمع ينزع إلى التطرف.
وقام الاتحاد الأوروبي بدوره بالبحث في تقديم المساعدة لليونان، ربما إلى جانب قرض من صندوق النقد الدولي. وتقدمت الحكومة الألمانية باقتراح يبدو أنه غير عملي: وهو تأسيس صندوق أوروبي للنقد. وحتى لو تم تأسيس هذا الصندوق، فسيأتي متأخراً جداً لمساعدة اليونانيين. وفي أية حال، فإنه يهزم نفسه بنفسه. فإذا كتب لصندوق النقد الأوروبي أن يرى النور، فإن البلدان الأعضاء في منطقة اليورو التي تعيش أزمات مشابهة لأزمة اليونان ستتقاعس عن موازنة سجلاتها لأنها تعلم أن الصندوق موجود للمساعدة. ولذلك هذه المبادرة تخلق من الاتحاد النقدي آلية تجعل الأموال الجديدة تطرد الأموال الرديئة.
من هنا، ليس أمام اليونانيين من سبيل للخروج من أزمتهم إلا من الباب المخصص للخروج. إن استعادة الدراخما بسعر صرف أقل تساعد الصادرات وتزيد الإيرادات من السياحة. ومن شأنها أيضا أن تبعث برسالة للبلدان الأخرى مفادها أن عليها أن تتخذ خطوات جادة لتجنب الوقوع في أزمة مشابهة. إن فقدان الثقة في الاقتصاد اليوناني يشكل خطراً على أوروبا كلها. وإخراج اليونان من اليورو يقدم طريقة لمنع دراما من التحول إلى مأساة - ويضمن بقاء الاتحاد النقدي قائماً.
فيلهيلم هنكل أستاذ فخري للاقتصاد في جامعة فرانكفورت /مين، وفيلهيلم نولينج أستاذ للاقتصاد في جامعة هامبورغ، وكارل البريخت أستاذ للقانون في جامعة إيرلانجين – نورنمبيرغ، وجواكيم ستارباتي أستاذ للاقتصاد في جامعة تيوبنجن Tuebingen.
الزبون مهم على الدوام سواء كان على حق أم لا
مايكل سكابينكر
كان هنري جوردون سيلفردج، مؤسس متجر سيلفردجز لندن، هو الذي قال «الزبون دائماً على حق». ولا يمثل ذلك أعلى الاقتباسات إمتاعاً على الصفحة ذات العلاقة من قاموس بنجوين الخاص باقتباسات القرن الـ 20، حيث إن ذلك يعود إلى رجل الإعلانات الفرنسي، جاك سيجويلا الذي كتب كتاباً بعنوان «لا تخبروا والدتي أنني أعمل في الإعلان، فهي تظن أنني عازف بيانو في ماخور».
غير أن الاقتباس الخاص بسلفردج هو الذي أصبح عقيدة في قطاع الأعمال. فهل هو صحيح؟ وهل الزبون دائماً على حق؟ لقد أثار هذا السؤال نقاشاً على صفحات هذه الصحيفة، حيث حض عليه تقريرنا الحديث بأن من يتوقع أن يصبحوا سائقين لسيارات الأجرة السوداء في لندن يفترض أن يشهدوا جلسات تدريبية إلزامية في خدمة الزبائن، كما أن عليهم اجتياز اختبار «المعرفة» أي خريطة التصميم الرئيسة لمدينة لندن. وسوف تركز الجلسات التدريبية على الترحيب بالركاب، والتعامل مع المعوقين منهم، ومعرفة «متى يجب التوقف عن الكلام» في عمل اشتهر بالمسرفين في التحدث.
حثت هذه الأخبار على كتابة بريت سلف من مدينة بيرمنجهام في ولاية ألاباما الأمريكية، لرسالة حادة «لقد ظل الناس لعدة أجيال يتعلمون أن الزبون دائماً على حق. غير أن هذا القول خطأ على الدوام. ومع ذلك، فإن أقوالاً بأن الزبون هو الملك، وهو رقم واحد، وهو الزعيم، وهو كما في تعبيري المفضل، لماذا نواصل في هذا المقال نشر مجساتهم من خلال العقلية التافهة للإدارة في صناعة خدماتنا الحديثة على النطاق العالمي»؟
هنالك قادة أعمال يوافقون على ذلك، حيث تضمنت مذكرات جوردون بيثيون الذي سبق له أن كان الرئيس التنفيذي لشركة خطوط كونتيننتال الجوية، فصلاً بعنوان «الزبون ليس على حق دائماً». ومضى مايكل أوليري، رئيس شركة الطيران الإيرلندية متدنية التكاليف، «ريان إير»، إلى أبعد من ذلك، حين قال لـ «فاينانشيال تايمز» أخيراً «إن الزبون عادة على خطأ».
وربما تعتقد أن زبائن هاتين الشركتين تخلوا عنهما لصالح شركات طيران أكثر تعاطفاً، غير أنهم لم يفعلوا ذلك، إذ إن بيثيون، وأوليري من أنجح الرؤساء التنفيذيين في جيلهما. وقد عمل بيثيون الذي كان عنوان كتابه «من الأسوأ إلى الأول»، على إنقاذ «كونتيننتال» من سقطة كان يمكن أن تكون قاضية. وأما أوليري، فيقود واحدة من أنجح شركات الطيران في تاريخ هذه الصناعة.
هل يعني ذلك أن الأمر لا يقتصر على تمكنك من النجاة والفوز بمعاملة زبائنك بصورة سيئة، بل إن بالإمكان الانتعاش نتيجة لذلك؟ لا، حيث إننا بحاجة إلى أن نحفر إلى أعماق أبعد في ذلك.
من المؤكد أن شؤون خدمات الزبائن كانت تقلق بيثيون، وبالذات سجل «كونتيننتال» المرعب بخصوص انضباط المواعيد، وقال للموظفين إنه في كل مرة تكون فيها «كونتيننتال» بين أفضل خمس شركات طيران أمريكية من حيث ضبط المواعيد، فإن كلاً منهم سوف يتلقى علاوة نقدية قدرها 65 دولاراً.
لم يكن الأمر يتمثل في أن بيثيون لم يفهم أهمية سعادة الزبائن، بل إنه عرف أن الموظفين الملتزمين فقط هم الذين يقدمون الخدمة التي تحافظ على سعادة الزبائن. وإذا حدث، رغم كل الجهود، أن فشلت الشركة في الأداء، وأصبح أحد الزبائن عدوانياً تجاه الموظف، فإن بيثيون كان يقف على الدوام إلى جانب الموظف. فلماذا كان يفعل ذلك؟ لأنه كان يعتقد أن الموظفين سوف يخدمون الزبائن أكثر إذا اعتقدوا أن مديرهم يقف في صفهم.
أما أوليري، فهو أشد تعقيداً، حيث يبدو أنه يمضي إلى درجة استعداء الزبائن، حتى إنه هدد في إحدى المناسبات بأن يجعلهم يدفعون ثمن خدمات استخدام المراحيض. وأبلغ هذه الصحيفة أنه قام بكل ذلك من أجل الدعاية، حيث لا تنفق هذه الشركة سوى القليل على الإعلانات.
يقدم أوليري لزبائنه شيئاً واحداً هو تذاكر الطيران الرخيصة. وهذا هو عنصر الجذب الرئيس لهذه الشركة، بناءً على توجه أوليري المندفع للغاية باتجاه تخفيض التكاليف. ومن خلال إخبار أوليري زبائنه بمدى قلة اهتمامه بهم، فإنه يشجعهم على التركيز على السعر فقط، كما أنه يقلل من توقعاتهم بتلقي أي شيء آخر، وبالتالي فإنه حين تبدو الخدمة في الغالب مريحة، فإن ذلك يبدو بمثابة علاوة إضافية. ويعرف أوليري أنه في اللحظة التي تصبح فيها أسعار تذاكر شركة ريان إير على درجة ارتفاع أسعار الشركات التقليدية الأخرى، فإن الزبائن سوف يتخلون عنها.
إنك بحاجة إلى معرفة من هم زبائنك، وما الذي تقدمه لهم؟ وإذا كان الأمر يتعلق بتخفيض الأسعار بشدة، فإنك بحاجة إلى أن تكون أرخص من الجميع. وأما إذا تعلق الأمر بمتجر شامل للبضائع المبهجة، فإن مثل هذه البضائع المبهجة هي ما ينبغي عليك تقديمه.
ماذا عن سائقي سيارات الأجرة السوداء في لندن؟ لم يتوجه زبائهم إليهم أبداً لأنهم يهتمون بآرائهم، بل إنهم يتوجهون إليهم لأنهم مرخصون، ولأنهم آمنون، ولأنهم يعرفون طريقهم. إن المشكلة تتمثل في أن مزودين آخرين لهذه الخدمة من سائقي سيارات النقل الصغيرة، يمكنهم الحصول في الوقت الراهن على تراخيص، كما أن أجهزة تحديد المواقع بواسطة الأقمار الصناعية جعلت أهمية خريطة «المعرفة» الجغرافية أقل أهمية. ولست متأكداً من أن دروس تدريب خدمات الزبائن سوف تحل المشكلة. وعلى سائقي سيارات الأجرة السوداء التفكير بما يمكنهم أن يقدموه من أمور إضافية، كأن يكونوا موجودين حين يغادر الناس المسارح، وربما أكثر من ذلك أن يصل بهم الأمر إلى تخفيض الأسعار.
وربما لا يكون الزبائن دائماً على حق، غير أن من المؤكد أنهم مهمون. وما لم تتمكن من أن تقدم لهم ما لا يستطيع منافسوك تقديمه، فإنك تصبح خارج إطار قطاع الأعمال.