توقعات بأن تشهد الفترة المقبلة استقرار الأسعار
مختصون: تغيير شركات المواد الخام سياساتها التعاقدية أدى إلى ارتفاع الحديد عالمياً
عامل يقف بجوار أكوام الحديد، حيث أوضح بعض المحللين أن من أسباب الارتفاع في أسعار الحديد شح مادة السكراب (حديد الخردة) بسبب طول فصل الشتاء في أوروبا والتي يأتي منها أغلب السكراب.
عبد الهادي حبتور من جدة
كشف خبراء ومتعاملون في سوق الحديد أن ما حدث أخيراً من ارتفاع في أسعار الحديد هو نتيجة لقيام شركات المواد الخام العالمية بتغيير سياساتها التعاقدية للمواد الخام والتخلي عن العقود طويلة الأجل إلى عقود فصلية يعاد من خلالها تقييم الأسعار كل ثلاثة أشهر.
وأوضح الخبراء أن سبب قيام هذه الشركات بهذه الخطوة في محاولة منها لتصحيح أوضاعها بعد تعرضها لخسائر كبيرة في عام 2008م عندما ارتفعت الأسعار وكانت مرتبطة بعقود طويلة الأجل الأمر الذي لم تستفد منه شركات المواد الخام وإنما جنى ثمرته المضاربون الذين استغلوا الأمر لتحقيق أرباح خيالية في ذلك الوقت. ووفقاً للخطوة الأخيرة التي قامت بها شركات المواد الخام العالمية فإن الأسعار ارتفعت بمعدل 100 في المائة تقريباً لتصل إلى نحو 200 دولار للطن، وهو ما انعكس على التكلفة الإنتاجية لمادة الحديد على المستوى العالمي.
ولفت المختصون إلى أن سياسة إعادة التقييم الفصلية التي انتهجتها شركات المواد الخام العالمية سوف تتماشى مع مجريات العرض والطلب، وتعطي استقراراً لأسواق الحديد العالمية، كما ستقضي على عمليات المضاربة التي تحدث وتقلل من فرص حدوثها.
وكانت شركة Posco الكورية الجنوبية رابع أكبر شركة في العالم لصنع الصلب أحدث شركة توافق على شراء خام الحديد على أساس عقود فصلية بعد أن أقنعت شركات التعدين أكبر زبائنها في الصين واليابان بالتخلي عن آلية التسعير السنوية التي يتم اتباعها منذ 40 عاما لصالح صفقات قصيرة الأجل تستند إلى السوق الفورية.
وينص الاتفاق المؤقت بين Posco و Vale البرازيلية على أن تدفع Posco 100- 105 دولارات للطن الواحد لخام الحديد اعتبارا من نيسان (أبريل) حتى حزيران (يونيو) أي أكثر بنسبة 86 في المائة مما دفعته في العام الماضي وفقاً لتقرير نشرته الفاينانشيال تايمز أخيراً.
وقال لـ ''الاقتصادية'' مدير التخطيط الاستراتيجي في إحدى شركات الحديد المحلية – فضل عدم ذكر اسمه – إنه ينبغي النظر إلى الأمر بصورة شاملة عالمياً ومحلياً حتى تتضح الرؤية، وأضاف ''هناك خللان رئيسيان حدثا، الأول هو الخلل الخارجي بعد أن قامت شركات المواد الخام العالمية بتغيير سياساتها التعاقدية من طويلة الأجل لمدة سنة كاملة، وهي التي أضرتها في السابق، وفك الارتباط بهذه العقود وتحويلها إلى عقود ربع سنوية أو فصلية.''
ويعلل المختص الخطوة المفاجئة من شركات المواد الخام العالمية إلى أنها تقوم بعملية تصحيحية لما تعرضت له من خسائر كبيرة في 2008م بعد ارتفاع الأسعار وعدم استفادتها من ذلك، وتابع ''اليوم هي تصحح ما حدث لها في 2008م فأول ما قامت به هو فك الارتباط مع الشركات التي لديها عقود طويلة الأجل وتحويل هذه العقود إلى عقود ربع سنوية أو فصلية، بحيث يصبح هناك إعادة تقييم ربع سنوية للأسعار وبهذه الخطوة أوضحت شركات المواد الخام الصورة وأعلنت أسعارها وارتفعت أسعار المواد الخام 100 في المائة ووصلت إلى 200 دولار للطن''.
وأضاف ''بلاشك أن هذا الارتفاع سينعكس على التكلفة الإنتاجية لصناعة الصلب، وبرأيي أن هذا التغير سيجعل هذه الشركات تتماشى مع مجريات العرض والطلب، وإعادة التقييم سيعطي استقرارا أكبر لأسواق الحديد العالمية والقضاء على عمليات المضاربة التي تحدث والتقليل من فرص حدوثها''.
الأمر الآخر الذي أثر في الأسعار عالمياً - وفقاً لمدير التخطيط - هو شح مادة السكراب (حديد الخردة) بسبب طول فصل الشتاء في أوروبا التي يأتي منها أغلب السكراب، وأردف ''حالياً ومع بداية الصيف بدأت السفن تتحرك بكميات جيدة من السكراب، وهو ما يشير إلى توافر هذه المادة في الأشهر المقبلة الأمر الذي سيساعد على استقرار السوق''.
أما الخلل على المستوى الداخلي، فيتمثل في حالة الهلع والذعر التي أصابت المستهلك وشراء كميات كبيرة من الحديد أدت إلى فجوة واضحة في ميزان العرض والطلب، وأضاف ''التجربة السابقة التي عاشها المستهلك المحلي عندما ارتفع سعر الطن إلى سته آلاف ريال، شكلت نوعاً من الخوف النفسي دفعته لشراء كميات أكبر من الحديد وتأمين ما لا يحتاج إليه في الوقت الراهن، فمثلاً الفيلا تأخذ مرحلة العظم فيها من 6 – 8 أشهر وعادة تؤخذ الكمية بالتدريج لكن في ظل موجة الهلع قام البعض بشراء الكمية كاملة، بل إننا وجدنا أراضي لا زالت فضاء وفيها كميات حديد مغطاة''.
العامل الآخر في تأثر الأسعار محلياً كما يفندها مدير التخطيط الاستراتيجي هو تفاوت الأسعار بين المصانع المحلية وانتشار أنباء عن عزمها رفع الأسعار الأمر الذي جعل بعض الموزعين يفكر في تحقيق أكبر قدر من الأرباح وتسليم كميات محدودة من الحديد انتظاراً لارتفاع الأسعار.
وأشار الخبير المختص إلى أن هناك ما يسمى بـ 3M أو المصنع، الموزع، والمستهلك وهم يسيرون في دائرة واحدة، فالمصانع تعمل بطاقتها القصوى لتلبية الطلب المتزايد، والموزع يحاول تعويض خسائره في 2008م وتحقيق أكبر قدر من الربح، فيما المستهلك لديه مخاوف من الوضع ويعمد إلى شراء كميات كبيرة من الحديد.
وتوقع أن تشهد الأيام القادمة استقراراً كبيراً في أسعار الحديد، مبيناً أن هناك مؤشرات بأن السعر الذي سيعلن قريباً بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة سيعيد التوازن إلى السوق المحلية.
إلى ذلك، يشير أحمد القاضي مدير عام مصنع إنريجيا للصناعات الحديدية إلى أن أسعار المواد الخام العالمية شهدت ارتفاعات كبيرة خلال الفترة الماضية، وقال ''للأسف إن بعض الشركات العالمية تحاول الاستفادة من الطلب المتزايد على الحديد بتحقيق مكاسب على حساب الآخرين وتعويض فترات الركود التي عاشتها خلال الفترة الماضية''.
ولفت القاضي إلى أن شركات إعادة تصنيع الحديد المحلية كذلك تأثرت بفعل ارتفاع أسعار المواد الخام، وأضاف ''نحن نعمل في إعادة تصنيع الحديد عبر شراء الخام وتشكيله حسب الطلب على شكل منشآت، معدات، أبراج ومعظم مشاريعنا في الحقول النفطية وشركات الكهرباء، ارتفع سعر طن المادة الخام من 650 دولارا إلى 750 دولارا خلال شهرين فقط ونتوقع أن يصل إلى 900 دولار أواخر الشهر الحالي''.